طالب علي لطفي، الكاتب العام لنقابة “المنظمة الديمقراطية للشغل”، بمحاربة الفساد والريع والتهريب والتملص الضريبي، داعياً إلى تجريم الإثراء غير المشروع وتعزيز الشفافية في تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وتشجيع ودعم الإنتاج الوطني للمواد الغذائية والدوائية والمستلزمات الطبية والطاقات المتجددة.
وأكد القيادي النقابي، في تصريح لـ”القدس العربي”، أن تحسين القدرة الشرائية يتطلب سياسات متكاملة تتجاوز الدعم المؤقت لتشمل إصلاحات هيكلية في الاقتصاد والنظام الضريبي والرفع من الأجور ودعم الإنتاج المحلي، وتوجيه الموارد بفعالية نحو الأسر المستحقة مع تعزيز الشفافية لمحاربة الفساد والهدر المالي، ودعم وتأهيل القطاع العام، وتعزيز فرص الولوج للتعليم وإجباريته، وترقية الخدمات الصحية بالقطاع العام، وتحقيق التغطية الصحية الشاملة.
وأضاف علي لطفي أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع والمحروقات بنسب تتراوح بين 15 في المئة و30 في المئة وتآكل الأجور، يجعل الزيادات الأخيرة لا تحقق أهدافها في تحسين الوضع المعيشي للطبقة العاملة والمتوسطة في المجتمع، مما أثر بشكل مباشر على القوة الشرائية وأضر بالطبقة العاملة، وأدى إلى تزايد التوترات الاجتماعية والاحتجاجات والإضرابات العمالية، في ظل استمرار التفاوتات الطبقية الاجتماعية والمجالية الكبيرة. إلى ذلك، قال تقرير لنقابة “المنظمة الديمقراطية للشغل” إنه على الرغم من أن الحكومة المغربية حققت بعض النجاح في تعزيز الاستقرار الاجتماعي عبر أوراش الحماية الاجتماعية، وبرنامج “الدعم الاجتماعي المباشر” للأسر الفقيرة، رغم ما شابها من اختلالات ونواقص، فإن شعار الدولة الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية ما يزال بعيد المنال في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية حادة عرفها المغرب في 2024.
وذكَّر التقرير الصادر حديثاً تحت عنوان: “سنة 2024: حصيلة حكومية متواضعة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية”، بما شهده المغرب من “ارتفاع مخيف” في معدلات البطالة، منتقلاً من 12 في المئة إلى 21 في المئة، ما يعد أزمة حقيقية خاصة بين فئة الشباب (من 15 إلى 24 سنة)، وحاملي الشهادات الجامعية، وأبرز أنه “مؤشر يعكس فجوة كبيرة بين مخرجات النظام التعليمي والجامعي، ومتطلبات سوق الشغل”.
وانتقدت الوثيقة التي قدمت تحليلاً شاملاً للحصيلة الحكومية خلال 2024، استمرار ضعف العمل اللائق بأبعاده المادية والمعنية والإنسانية، مع إفلاس ما يقارب 20 ألف مقاولة وطنية وتسريح أجرائها وإلحاقهم بجيش العاطلين مع غياب أي تعويض عن فقدان الشغل أو تعويض البطالة، إلى جانب ما اعتبرته “فشل البرامج الترقيعية كبرنامج “فرصة” وبرنامج “أوراش” وحرمان وإقصاء متعمد لحاملي الشهادات الجامعية، وتبذير أموال ضخمة سنتي 2022 و2023، فيما يتم الحديث اليوم عن خطة جديدة لا تختلف عن سابقاتها، خصصت لها الحكومة 14 مليار درهم سنة 2025، لفائدة أشخاص لا يتوفرون على أية شهادة أو تكوينات تساعدهم على الإدماج في فرص شغل مؤقتة.
وقالت نقابة “المنظمة الديمقراطية للشغل” إن تفاقم البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة إلى مستويات غير مسبوقة عوامل زادت من تكاليف المعيشة وأثرت بشكل مباشر على القوة الشرائية للأسر المغربية الفقيرة والمتوسطة، وأدت إلى ارتفاع نسبة السكان الذين يقبعون تحت عتبة الفقر أو يعانون من هشاشة اقتصادية، لافتة إلى أن نظام “الدعم الاجتماعي المباشر” يعاني من العديد من الاختلالات، مما أدى إلى استبعاد فئات واسعة من المستحقين. كما أن هناك تبايناً كبيراً في كيفية احتساب المؤشر.
واعتبر التقرير الذي اطلعت عليه “القدس العربي” أن الزيادة الأخيرة في الأجور بالوظيفة العمومية ورفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، إلى حوالي 300 دولار في الشهر، وإلى حوالي 220 دولاراً شهرياً في القطاع الزراعي، أجور تظل غير كافية مقارنة مع مستوى ارتفاع تكاليف المعيشة، والارتفاع الجنوني للأسعار وتكاليف الحياة اليومية في السنوات الأخيرة.
وانتقدت الهيئة النقابية مستوى المنظومة التعليمية في المغرب، واعتبرت أنها لا تزال متخلفة عن الركب، حيث يحتل المغرب المركز الـ 98 من أصل 141 دولة شملها مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2024.
فيما أشارت إلى تدهور القطاع العام وهيمنة القطاع الخاص علاقة بمنظمة الصحة التي “تسير بسرعتين”، لافتة إلى أن المغرب يحتل المرتبة 91 عالمياً من بين 94 دولة في مؤشر الرعاية الصحية. وأوضحت أنه بالرغم من التحديات التي تواجه الحكومة في مجال الصحة، حيث أحرز بعض التقدم في توسيع التغطية الصحية لتشمل فئات أكبر من المواطنين، تظل الجهود غير كافية لسد الفجوات المجالية وتحقيق الرعاية الصحية الشاملة. وعلاقة بسياسة السكن اللائق ومحاربة مدن القصدير والسكن العشوائي، اعتبرت المنظمة النقابية أن السياسة المتبعة في هذا المجال تسير بخطى بطيئة جداً في ظل غياب رؤية واستراتيجية مندمجة وفعالة في قطاع معقد ومتشابك الخيوط. أما على مستوى مؤشر إدراك الفساد، فانتقل المغرب من رتبة 7 سنة 201 إلى المرتبة 97 سنة 2023، وحسب “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، فإن الفساد يكلف المغرب 50 مليار درهم، ما يمثل نسبة تتراوح ما بين 3.5 و6 في المئة من الناتج الداخلي الخام، ويقلص مداخيل الدولة المغربية بنسبة 7.8 في المئة، ما يؤثر سلباً على مناخ الأعمال. بالنسبة للقيادي النقابي علي لطفي، فإن المؤشرات المذكورة تعكس واقعاً “يتطلب تدخلات عاجلة وإصلاحات سياسية واقتصادية وثقافية وبيئة عميقة لمواجهة التحديات الكبرى الداخلية والخارجية ومخالف المتغيرات”. ودعا إلى ضرورة وضع إجراءات واقعية لجعل النظام الضريبي أكثر شفافية وعدلاً، باعتماد نظام ضريبي تصاعدي وتحقيق العدالة الجبائية ورفع الضرائب على الكماليات والثروات الكبيرة لتمويل برامج الدعم الاجتماعي، وتخفيض العبء الضريبي على الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض والمقاولات والأجراء والمتقاعدين، وتخفيض سعر الفائدة وتحفيز الطبقة المتوسطة.
كما دعا إلى تأهيل وتطوير المنظومة التعليمية العمومية، ومناهج التعليم وفقاً للمعايير الدولية، وتحسين جودتها، واعتماد نظام إجباري مجاني للتعليم العمومي، وإصلاح شامل للمنظومة الصحية، ناهيك عن الرفع من القدرة الشرائية للطبقة العاملة برفع الحد الأدنى للأجر، وإجبارية الحماية الاجتماعية والتأمين الصحي والتقاعد والصحة والسلامة المهنية.
ودعا إلى خلق فرص عمل حقيقية لحملة الشهادات الجامعية المعطلين كأولوية وطنية، وإلغاء تسقيف التوظيف في سن 30 سنة، وتحسين التكوين المهني وربطه بمتطلبات سوق الشغل والمتغيرات التكنولوجية الحديثة والرقمنة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات