نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريرًا أعدّه ديفيد ماكهيو، قال فيه إن الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة ولبنان باهظة الثمن، فإلى جانب الكلفة الإنسانية الفادحة، هناك الكلفة المالية، ودفع الفاتورة قد يضع إسرائيل أمام خيارات صعبة. وأوضح أن الثمن المالي للحرب أثار قلقًا حول ما ستتركه الحرب من آثار بعيدة المدى على اقتصاد إسرائيل.
وأضاف أن النفقات العسكرية تضخّمت بشكل كبير، فيما تباطأ النمو، وخاصة في المناطق الحدودية التي تم إجلاء سكانها.
ويقول الاقتصاديون إن إسرائيل قد تواجه تراجعًا في الاستثمارات وزيادة في الضرائب، حيث تضع الحرب ضغوطًا على الميزانية الحكومية وتجبرها على الاختيار بين البرامج الاجتماعية والجيش.
وأشارت الصحيفة إلى أن النفقات الحكومية على الجيش زادت بمعدلات كبيرة، حيث كانت تنفق على الجيش شهريًا 1.8 مليار دولار قبل هجمات “حماس”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وارتفعت إلى 4.7 مليار دولار بنهاية العام الحالي، وذلك حسب أرقام معهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمي.
وأضاف المعهد أن النفقات الحكومية على الجيش، في العام الماضي، بلغت 27.5 مليار دولار، حيث كانت في المرتبة الـ 15 بعد بولندا، لكنها متقدمة على كندا وإسبانيا، رغم أن سكان هذه الدول أكبر من سكان إسرائيل.
وبلغت نسبة النفقات العسكرية من الناتج الاقتصادي العام 5.3%، مقارنة مع 3.4% كمتوسط النفقات الأمريكية و1.5% النفقات الألمانية. ومع ذلك، فإن النفقات العسكرية الإسرائيلية أقل من تلك الأوكرانية، حيث أنفقت أوكرانيا 37% من الناتج المحلي العام، وأكثر من نصف ميزانيتها الحكومية لقتال الغزو الروسي.
وأضافت الصحيفة أن الحرب أثرت على توفر العمالة، ففي الأشهر التي تلت هجمات “حماس”، انخفض إنتاج الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 5.6%، وهو أسوأ أداء لأي عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المكونة من دول غنية في الغالب. وسجل الاقتصاد نموًا جزئيًا بنسبة 4% في الجزء الأول من العام، لكنه نما بنسبة 0.2% في الربع الثاني من العام الحالي.
وأدت الحرب إلى خسائر فادحة في الاقتصاد الفلسطيني المنهار في غزة، حيث تم تشريد 90% من سكانه، وباتت غالبية القوة العاملة بدون أعمال. كما تأثر اقتصاد الضفة الغربية بشدة، حيث فقد آلاف العمال أعمالهم في إسرائيل، بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، بسبب المداهمات العسكرية للبلدات والمدن الفلسطينية ونقاط التفتيش التي حدّت من حرية حركة السكان. وقال البنك الدولي إن اقتصاد الضفة الغربية تقلّص بنسبة 25% في الربع الأول من العام الحالي.
وذكرت الصحيفة أن الحرب فرضت على إسرائيل الكثير من الأعباء الاقتصادية، فقد أدت الاستدعاءات للخدمة العسكرية وتمديدها إلى تقليص توفر العمالة. وأثرت المخاوف الأمنية على الاستثمار في مشاريع جديدة، فيما أدت الاضطرابات في الرحلات الجوية إلى ردع العديد من الزوار، ما أثر سلبًا على صناعة السياحة.
في الوقت نفسه، تدفع الحكومة تكاليف الإسكان لآلاف الأشخاص الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم في الجنوب بالقرب من الحدود مع غزة، وفي الشمال، حيث تعرّضوا لنيران “حزب الله”.
وأعربت الصحيفة عن قلق الحكومة الإسرائيلية من الطبيعة المفتوحة للحرب المستمرة منذ أكثر من عام. فبعد حرب 2006 مع “حزب الله”، استعاد الاقتصاد الإسرائيلي عافيته سريعًا، لكن تلك الحرب لم تستمر سوى 34 يومًا. واستندت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” إلى هذه الفكرة في 27 أيلول/سبتمبر عندما خفضت التصنيف الائتماني للحكومة الإسرائيلية درجتين.
ورغم ذلك، يظل تصنيف بي إي إي 1، درجة استثمارية، وإن بمخاطر، حسب “موديز”. ولا يزال اقتصاد إسرائيل قويًا بديون متواضعة. وهو ليس على حافة الانهيار، ولديه اقتصاد متنوع ومتطور، مع قطاع تكنولوجي قوي يدعم الإيرادات الضريبية والنفقات الدفاعية. وتظل البطالة منخفضة، وارتفع مؤشر البورصة تي إي-35 إلى 10.5% على مدار العام.
وفي وسط القتال، استطاعت شركات التكنولوجيا زيادة رأسمالها بـ 2.5 مليار دولار في الربع الثالث، حسب زيفي إيكشتين، مدير معهد أرون للسياسة الاقتصادية في جامعة ريكمان. وقال إن إسرائيل بدأت الحرب “في أحسن ظروفها الاقتصادية”، أي من ناحية الدين الحكومي الذي وصل إلى نسبة 60% من الناتج المحلي العام. و”قمنا بتمويل الحرب من الدين” الذي وصل الآن إلى 62%، ولا يزال تحت السيطرة مقارنة مع نسبة 111% في فرنسا، وهو متوائم مع ألمانيا التي تبلغ نسبة دينها 63.5%.
ويتوقع المعهد زيادة الدين الحكومي إلى 80% من الناتج المحلي العام، على افتراض عدم زيادة وتيرة الحرب، وفي حالة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع بداية العام المقبل. إلا أن النفقات الدفاعية ستزيد على الأرجح، وخاصة لو أبقت إسرائيل قواتها في غزة بعد الحرب.
وتتوقع ميزانية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لعام 2025 عجزًا أقل من 4% والتأكد من بقاء الدين الحكومي مستقرًا. وقال سموتريتش إن الشاقل مستقر، وأسعار الأسهم مرتفعة، وسوق العمل صحي، والإيرادات الضريبية قوية، وإمكانية الحصول على الائتمان متاحة، وقطاع التكنولوجيا متعافٍ.
وقد شككت “موديز” بصحة أرقام العجز، وتوقعت عجزًا بنسبة 6% في العام المقبل.
وسيؤدي التخفيض الائتماني إلى زيادة كلفة الاقتراض، حيث سيواجه الإسرائيليون انخفاضًا في الخدمات العامة وزيادة في الضرائب، كما تقول كارنيت فلاغ، رئيسة البنك المركزي الإسرائيلي السابقة، ونائبة رئيس الأبحاث في معهد الديمقراطية الإسرائيلي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة زادت من الدعم العسكري لإسرائيل، وقد تقدم أيضًا الدعم المالي. وقد بلغت المساعدات العسكرية الأمريكية قبل الحرب 3.8 مليار دولار، حسب اتفاقية وقعت أثناء إدارة الرئيس باراك أوباما، أي ما يعادل حوالي 14٪ من الإنفاق العسكري الإسرائيلي قبل الحرب، والذي يذهب الكثير منه إلى شركات الدفاع الأمريكية.
إلا أن الولايات المتحدة أنفقت، منذ بداية الحرب على غزة، وتوسعها في الشرق الأوسط، مبلغًا ماليًا قياسيًا بلغ 17.9 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل، كما أشار تقرير صادر عن مشروع تكاليف الحرب في جامعة براون، والذي صدر في الذكرى السنوية لهجمات “حماس” على إسرائيل.
وبعيدًا عن المساعدات العسكرية المجردة، تقدم الولايات المتحدة الدعم المالي لإسرائيل خلال الأزمات. ففي عام 2003، وافق الكونغرس على منح 9 مليارات دولار في شكل ضمانات ائتمانية تسمح لإسرائيل بالاقتراض بأسعار معقولة بعد أن عانى الاقتصاد خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ولا تزال بعض هذه الضمانات غير مستخدمة، ويمكن من الناحية النظرية الاستفادة منها لتثبيت المالية الحكومية إذا واجهت إسرائيل تكاليف اقتراض بكلفة غير ميسرة.
وأوضحت الصحيفة أن الحكومة شكّلت لجنة برئاسة القائم بأعمال مستشار الأمن القومي جاكوب ناغل، الذي تفاوض مع الولايات المتحدة بشأن حزمة المساعدات الأمريكية الأخيرة لإسرائيل. وطلبت اللجنة تقديم توصيات بشأن حجم ميزانية الدفاع المستقبلية وتقييم الكيفية التي قد تؤثر بها زيادة الإنفاق الدفاعي على الاقتصاد.
وقال الخبير الاقتصادي إيكشتين إن الميزانية، التي تتضمن بعض الزيادات الضريبية، وتخفيضات الإنفاق الاجتماعي، ستكون ضرورية لدعم الانتعاش بعد الحرب، ودفع تكاليف الدفاع المستمرة التي من المرجح أن تكون أعلى.
تعليقات الزوار
لا تعليقات