أخبار عاجلة

طلبة الطب في الجزائر يعلنون إضراباً مفتوحاً “بعد سنوات من الاحتقان”

شهدت الجامعات الكبرى في الجزائر إضرابًا شاملًا لطلبة الطب، ما أدى إلى شلل كامل في العديد من الكليات والمستشفيات الجامعية، في موقف يلخّص، وفق الطلبة، سنوات من الاحتقان لدى أصحاب هذا التخصص الذين يشعرون بالتهميش بسبب ارتفاع معدلات البطالة وظروف الممارسة الصعبة.

جاء هذا الإضراب، الذي بدأ يوم الأربعاء، بعد أسابيع من التحضير والتنسيق بين مختلف الفروع الجامعية، وهو بمثابة تصعيد للأزمة التي تعاني منها كليات الطب في الجزائر.

ورفعت في كبرى الجامعات التي تضم تخصصات الطب، مثل العاصمة، البليدة، وهران، سيدي بلعباس، بجاية، ومدن أخرى، شعارات غاضبة مثل: “الطبيب لا يهان”، “حقوقنا مغيبة”، “الطبيب يحرم حتى من الاستقالة”، “نطالب بحقنا في التوثيق”، وهو ما يعبّر، حسبهم، عن “تردي أوضاعهم الدراسية والمهنية”.

وبحسب البيان الصادر عن التكتل الوطني لطلبة العلوم الطبية، الذي كان في صدارة الاحتجاج، فإن ثمة حالة استياء عميقة لدى الطلبة من مجموعة من المشاكل الهيكلية التي يواجهونها في مسارهم الدراسي، على غرار النقص الفادح، حسبهم، في مصالح التكوين والتربّص. وقد تفاقمت هذه الأزمة خلال العامين الأخيرين، بعد الزيادة الكبيرة في عدد المقاعد البيداغوجية والملحقات الجامعية دون تحسين البنية التحتية التعليمية.

 

كما طرح التكتل الوطني لطلبة العلوم الطبية مسألة المنحة الدراسية، حيث أكدوا أن المبلغ الحالي لا يسدّ احتياجاتهم الأساسية. وتطرّقَ أيضاً إلى قضية “الأطباء الداخليين” (الناجحون في اختيار التخصص)، والذين يشكّلون العمود الفقري للمنظومة الصحية في المستشفيات الجامعية، وهم يعانون، حسب البيان، من إهمال كبير، كون “منحة التربص التي يحصلون زهيدة (حوالي 400 دولار شهرياً) مقارنة بالدور الهام الذي يقومون به داخل المستشفيات”.

وفي قضية رئيسية أثارت استياء الطلبة، أشار التكتل الوطني لطلبة العلوم الطبية إلى القرار الحكومي المتعلق بامتحان التخصص الطبي، حيث شهدت السنة الحالية انخفاضًا كبيرًا في عدد المقاعد المتاحة للامتحان، وهو ما خيّب آمال العديد من الطلبة.

وجاء في البيان: “عدد المقاعد المعلن عنه لا يتناسب مع عدد الممتحنين، ولا مع عدد المقاعد البيداغوجية المفتوحة، وهو أقل بكثير من السنوات الفارطة، ما يزيد من تعميق الأزمة”.

من جهة أخرى، لفت التكتل إلى “القرار المفاجئ والمجحف” الذي يقضي بإقصاء “الأطباء الداخليين” الذين يتنازلون عن مناصبهم، من إجراء امتحان التخصص لمدة ثلاث سنوات، وهو القرار، الذي وصفه بأنه “غير عادل”، وسيؤدي إلى زيادة نسب البطالة بين الأطباء حديثي التخرج، ويضعهم في مواجهة واقع مهني مظلم. واعتبر الطلبة أن هذا القرار يتعارض مع تعليمات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي أعلن، في عدة مناسبات، عن رغبته في تحسين وضعية القطاع الصحي في البلاد.

ولوقف حالة الاحتقان، ناشد التكتل الوطني لطلبة العلوم الطبية الحكومةَ بالإسراع في معالجة هذه الأزمات، مؤكدًا أن “الوضع لم يعد يحتمل المزيد من التسويف”.

وأشار البيان إلى أن الإصلاحات التي قامت بها الحكومة حتى الآن لم تكن كافية، ولا تزال المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الطلبة قائمة دون حلول جذرية.

ومن بين المشاكل الأخرى التي أثيرت في البيانات الصادرة عن الطلبة قضية عدم المصادقة على شهادات التخرج لطلبة الطب، وهو ما يعاني منه الأطباء المتخرجون حديثاً منذ نحو سنتين. هذه الشهادات تُعدّ ضرورية لإيجاد عمل في الخارج، أو لمواصلة الدراسات العليا، لذلك فإن عدم المصادقة عليها يحرم الطلبة من كثير من الفرص. وبالمقارنة مع باقي التخصصات التي لا تواجه مثل هذه العقبات، يرى الطلبة أن هذا الإجراء غير عادل ولا يخدم أي هدف سوى تعقيد مسارهم المهني.

 

وكان قرار الحكومة الجزائرية بمنع المصادقة على شهادات الأطباء، قد أثار، منذ فترة، جدلًا واسعًا في الأوساط البرلمانية والطبية، حيث يدافع البعض عن هذا الإجراء باعتباره ضرورياً للحد من هجرة الأطباء إلى الخارج، بينما يراه آخرون مخالفة صريحة للدستور الجزائري والحقوق الأساسية للمواطنين.

ومؤخراً، تحدثَ وزير التعليم العالي والبحث العلمي، كمال بداري، من تحت قبة البرلمان، عن خلفيات القرار، في رده على سؤال كتابي، مؤكداً أن منع المصادقة يهدف إلى الحفاظ على هذه الكفاءات داخل الجزائر لتلبية احتياجات المجتمع.

أما النائب عبد الوهاب يعقوبي، صاحب السؤال، فأكد أن منع المصادقة على شهادات الأطباء يعد إجراء غير دستوري، لأنه يتعارض مع الحق في حرية التنقل، إضافة إلى كونه ينتهك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وشدد النائب على ضرورة البحث عن حلول عملية بدلاً من حرمان الأطباء من فرص العمل التي تتاح لهم في الخارج.

وتأتي هذه القضية في سياق محاولة السلطات مواجهة النزيف المستمر للكفاءات الطبية الجزائرية، خاصة نحو فرنسا، حيث ينجح مئات الأطباء الجزائريين سنويًا في مسابقات الالتحاق بالمستشفيات الفرنسية. ووفقًا للقوائم المعلنة من وزارة الصحة الفرنسية، يشكل الأطباء الجزائريون نسبة كبيرة من الناجحين في هذه المسابقات التي تجرى باللغة الفرنسية، خاصة في ظل تشابه المسار الدراسي في كليات الطب بين البلدين.

وليست هذه المرة الأولى التي يطرح فيها هذا النقاش في البرلمان، ففي سنة 2021، عقب الإعلان عن نجاح 1200 طبيب جزائري في مسابقة المعادلة للالتحاق بالمستشفيات الفرنسية، أثار النائب زوهير ناصري، عن جبهة التحرير الوطني، القضية في استجواب لوزير الصحة، آنذاك عبد الرحمن بن بوزيد، الذي قلّل من أهمية هذه الظاهرة، معتبرًا أن هجرة الأطباء ليست مقتصرة على الجزائر فقط، بل تحدُث في العديد من الدول الأخرى مثل الهند ومصر، على حد قوله.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات