قال مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” دوف ليبر إن مدينة رفح تحوّلت، وبعد أسابيع من دخول القوات الإسرائيلية إليها، إلى أرض يباب، فهذه المدينة، التي لا تفصلها سوى 9 أميال عن مصر، كانت منطقة تعجّ بالحياة والتجارة، ومعبراً للناس، فيما زعم الإسرائيليون أنها منطقة لتهريب الأسلحة والإمدادات لـ “حماس”.
ووصف مراسل الصحيفة مشاهداته من رفح، أثناء رحلة رتّبها الجيش الإسرائيلي في عربة مكشوفة، وشاهدَ أحياءً بكاملها خالية من السكان، وبناية بعد بناية تحوّلت إلى كومة أنقاض.
وقال الجيش، الذي أشرف على جدول الزيارة، إن استخدام “حماس” للمفخّخات سهّل عليه تدمير البنايات بدلاً من تنظيفها. وفي كل بناية لا تزال واقفة آثار الرصاص، أو تعرّضت لدمار أجزاء منها بسبب القصف المدفعي والغارات الجوية. ودمر طرف مئذنة مسجد، حيث ترك الهلال متدلياً من البرج. أما المباني الإدارية والطرقات التي شكلت معبر رفح، والذي كان نقطة الخروج الرئيسية قبل الحرب، فقد تحولت إلى خراب. وبدا برج مراقبة دمرت نافذته خالياً، وفوقة يافطة ضخمة نجت من القصف كتب عليها بالعربية: “أهلا بك في فلسطين”.
وتقول الصحيفة إن رفح تبدو، بعد شهرين من تحدي إسرائيل للضغوط العالمية، ومن أمريكا بالتحديد، لعدم دخول المدينة الجنوبية التي فرّ إليها أكثر من مليون فلسطيني، مدمرة، وتؤشر، كما يقول الإسرائيليون، إلى أن المعارك الشرسة قد انتهت تقريباً، ليس في المدينة وحدها، بل وفي معظم القطاع.
وفي الوقت الذي تقول فيه إسرائيل إنها ستواصل القتال في المناطق التي ستظهر فيها “حماس”، لم تتحدث عن هدف عسكري آخر في غزة، ما سيمنح فرصة للجيش الإسرائيلي المنهك للراحة، والتركيز على النزاع الذي يتصاعد مع “حزب الله”.
ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري قوله: “نقترب من هزيمة كتيبة حماس في رفح”، و”كتيبة رفح هي مجاز عن كل الإطارات العسكرية لحماس في كل غزة”.
وتعلّق الصحيفة بأن قادة الجيش اختلفوا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول غياب الخطة لتأمين قطاع غزة بعد نهاية الحرب، والحاجة لوقف إطلاق النار من أجل تحرير الأسرى لدى “حماس”.
واندلع الخلاف علناً، الشهر الماضي، عندما قال الجيش إنه لا يمكن هزيمة “حماس” عسكرياً، في إشارة لجاهزيته للتحول إلى تكتيك استهداف في الحرب التي شنت رداً على هجوم تشرين الأول/أكتوبر، الذي نفذته “حماس” ضد إسرائيل.
ويقول الجيش إن الأولوية الآن لتحرير الأسرى في غزة، وهو أمر قال في الماضي إنه لن يتحقق بدون وقف إطلاق النار. وقال هغاري: “لم يتبق هناك إلا هدف واحد، وهو جلب الأسرى”.
ويحتاج سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، إلى وقف إطلاق النار، حيث شردوا أكثر من مرة مع دخول القوات الإسرائيلية مدن غزة، الواحدة بعد الأخرى.
ولا يزال الطعام والإمدادات الضرورية نادرة، وقتل أكثر من 38,000 شخص، ومعظمهم من المدنيين، حسب وزارة الصحة في غزة.
وتقول الصحيفة إن مرحلة مكافحة التمرد التي اعتبرها الجيش الإسرائيلي حرباً بوتيرة منخفضة كانت مدمرة، حيث تركت أحياء بأكملها مجرد أنقاض وحطام.
وقال الجيش، هذا الأسبوع، إنه يواصل اكتشاف أنفاق، ومواجهة فرق من المقاتلين في رفح. وكان هدف عملية رفح تفكيك ما تبقى من كتائب لـ “حماس”، ومنع التهريب عبر معبر رفح.
وبضغط أمريكي، غيّرت إسرائيل خططها الأصلية والهجوم على المدينة عبر فرقتين عسكريتين، واستبدلتها بخطة السيطرة على المحور الفاصل بين غزة ومصر، المسمى محور فيلادلفيا، والقيام بمداهمات لـ “حماس”.
وقدمت إسرائيل العملية الجديدة بأنها مستهدفة. مع أنها تركت دماراً واسعاً من خلال غارات جوية وقصف مدفعي وهدم. وأجبر أكثر من مليون فلسطيني على الهرب. وتم تعطيل وصول المساعدات الإنسانية، وتوترت العلاقات مع مصر. وتزعم إسرائيل أنها قتلت 900 مقاتل من “حماس” في رفح، ودمرت عدداً من البنى التحتية التابعة لـ “حماس”.
وتقول وزارة الصحة الفلسطينية إنها لم تستطع جمع معلومات عن حصيلة القتلى أثناء القتال.
وكان مراسل الصحيفة من ضمن مجموعة من الصحافيين الذي زاروا رفح، يوم الأربعاء، في رحلة رتّبها الجيش الإسرائيلي. وركزت الجولة على منطقة الحدود وأحياء صغيرة. وظل الصحافيون قريبين من الجنود، ولكنهم سافروا في عربات مكشوفة، ومرّت عبر عدد من الشوارع المدمرة حيث أراد الجيش إثبات أنه يسيطر على المنطقة بالكامل. وبدت البنايات المنخفضة في الأحياء المزدحمة بالسكان والقريبة من الحدود وكأن الجيش قد فتشها ودمر أبوابها أو فجرها بالكامل. وكما هو الحال في معظم غزة، فقد حولت الجرافات التابعة للجيش طرق رفح إلى كتل رملية أو مسارات مغبرة. وفي بعض الأحيان أطلق الجنود الرصاص من بنادقهم، بدون معرفة المكان الذي يطلقون النار عليه.
وفي المنطقة القريبة ظهر طابور من الشاحنات يتقدم نحو كرم أبو سالم، الذي أصبح المعبر الرئيس لغزة من الجنوب.
وقالت الصحيفة إن النظرة الفاحصة تظهر أن معارك شرسة بالانتظار. ففوق الأرض يبدو أن إسرائيل تسيطر على المدينة، ولكن تحتها، فإن القوات الإسرائيلية مستمرة في البحث، وتحديد مكان شبكة أنفاق “حماس” الواسعة. ويقول الجيش إن آلافاً من مقاتلي “حماس” غادروا رفح مخلفين وراءهم قوة تمرّد ستظل قائمة لسنوات طويلة. وأعاد المقاتلون تجميع أنفسهم في مناطق عدة حول القطاع بشكل أعاد الجيش الإسرائيلي إلى مناطق اعتبرها خالية من المقاتلين، وكانت معركة الشجاعية الأخيرة.
ونشرت “حماس” مقاطع فيديو تظهر كيف جرت الجنود الإسرائيليين إلى بنايات مفخخة وقتلتهم. وقالت إنها استخدمت هذا الأسلوب في كل أنحاء غزة، وليس في رفح فقط.
وزعم الجيش الإسرائيلي أن “حماس” فخّخت بنايات مدنية وزرعتْها بمتفجرات وراقبتها عبر كاميرات قدمت صوراً للمقاتلين في الأنفاق. وقتلت الكمائن التي نصبتها “حماس” 10 جنود من 25 جندياً قتلوا في غزة.
وقال الجيش إنه هدم مناطق واسعة من بيوت المدنيين لتطهيرها من الألغام. وقال الإسرائيليون إن هدف العملية هو السيطرة على محور فيلادلفيا على طول الحدود مع مصر.
وتم تدمير كل بناية على كل المحور، حيث تقول القوات الإسرائيلية إنها تواصل البحث عن الأنفاق، وتدمير مداخلها ومناطق إطلاق الصواريخ. ويقولون إنهم لا يزالون في مرحلة التعلم، وتحديد أي نفق كان عاملاً، أو أغلقته مصر من جانبها على الحدود. ولم تحدد إسرائيل المدة الزمنية للبقاء في محور فيلادلفيا، أو إنْ كانت لديها نية المغادرة أصلاً. لكن استمرار السيطرة على المحور سيزيد من التوتر مع مصر، ما قد يعقد من مهمة التوصل لاتفاقية تبادل الأسرى لدى “حماس”. وهناك خيار تناقشه إسرائيل، وهو مغادرة المحور، ولكن ليس قبل نشر كاميرات مراقبة وأجهزة استشعار تطلق تحذيرات عن أية محاولة حفر. وتفكر إسرائيل ببناء حاجز أرضي بين مصر وغزة، كالذي أقامته بين غزة وإسرائيل.
تعليقات الزوار
لا تعليقات