أعادت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي في الإمارات ريم الهاشمي مطالبة بلادها إيران بحل قضية الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
وقالت الهاشمي في كلمة ألقتها أمام الدورة الـ78 للجمعة العامة للأمم المتحدة السبت: "مهما طالت هذه القضية، سيظل حقنا المشروع في هذه الجزر قائما ولن يبطل الوقت سيادتنا عليها، أو يوقفنا عن المطالبة بحلها إما من خلال التفاوض المباشر أو محكمة العدل الدولية، وهذا موقف دولة الإمارات الثابت منذ عقود".
ودأبت الإمارات على المطالبة بحقها الشرعي والتاريخي بالجزر الثلاث المحتلة من قبل إيران، في كافة المنابر والمحافل الدولية، ومنذ عام 1992، تسعى لإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، في الوقت الذي ترفض إيران أي حديث عنها، زاعمة أنها جزءاً من أراضيها.
وتستند دولة الإمارات في مطالبها في الجزر الثلاث، على وثائق وإثباتات تاريخية، قائمة على التدعيم التاريخي المتدرج للانتفاع والحيازة، إضافة إلى الحق القانوني المعزز بممارسة وظائف الدولة على الجزر محل النزاع.
وتقع الجزر الاستراتيجية الثلاث في الخليج قرب مضيق هرمز الذي يمرّ عبره خُمس إنتاج النفط العالمي، ولم تتوقف الإمارات عن الدفاع عن حقها والمطالبة بسيادتها عليها.
وتحتل إيران الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبو موسى)، منذ نوفمبر 1971، قبل أيام من قيام الاتحاد في 2 ديسمبر 1971.
والأربعاء الماضي أصدر وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة بيانا مشتركا في نيويورك أكدوا فيه دعمهم لدعوة الإمارات للتوصل إلى حل سلمي للنزاع حول الجزر الثلاث "من خلال المفاوضات الثنائية أو محكمة العدل الدولية، وفقا لقواعد القانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة".
وردت الخارجية الإيرانية على هذا البيان بتأكيد موقفها "الثابت والمبدئي"، الذي يعتبر الجزر الثلاث "جزءا لا يتجزأ وأبديا من الأراضي الإيرانية".
ووصفت طهران "أي مزاعم حول هذه الجزر" بأنها "تدخل في شؤونها الداخلية وسيادة أراضيها، تدينها بشدة".
وتسعى إيران لإعادة علاقاتها مع الدول العربية للتخلص من الضغوط التي تحيط بها من كل جانب، لكن الإمارات ورغم حرصها على العلاقات الإيجابية مع محيطها الإقليمي إلا أنها لا تريد التخلي عن حقوقها التاريخية في قضايا مفصلية مثل الجزر الثلاث المتنازع عليها مع إيران.
ويؤكد محللون أن اعتراض إيران على التأكيد الخليجي حول حق الإمارات في الجزر المتنازع عليها يضع الكثير من العراقيل في طريق العودة الكاملة للعلاقات الإيرانية العربية بطرق سليمة. لا سيما وأن طهران رفضت كل العروض العربية والإماراتية والبيانات الصادرة عن جامعة الدول العربية والقمم التي عقدت في هذا الشأن للذهاب إلى التحكيم الدولي، وإثبات أحقيتها في هذه الجزر.
وتأتي هذه القضية ضمن قضايا أخرى كثيرة، منها تسمية الخليج العربي بالفارسي، وغيرها من الأزمات التي تؤكد بأن التطبيع القائم على التوافق الكامل ما بين إيران والدول العربية لا يزال بعيد المنال، وأن الخلافات بين طهران والدول العربية لا يمكن حلها بالطرق السياسية والدبلوماسية المتبعة.
وتحظى الإمارات بدعم الكثير من الدول في حقها المشروع، بمن فيهم حلفاء إيران، روسيا والصين فمنذ كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، جاء في بيان القمة الصينية الخليجية في الرياض بند تضمّن دعم مساعي دولة الإمارات للتوصل إلى حلّ سلمي لقضية الجزر الثلاث.
كما طلب البيان الختامي للاجتماع الوزاري السادس للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا في 10 من يوليو الماضي، بحلّ قضية الجزر الثلاث في الخليج بالحوار أو الرجوع إلى محكمة العدل الدولية.
وفي البيان المشترك الصادر عن الاجتماع، دعا الجانبان لإيجاد حل من خلال "مفاوضات ثنائية أو عبر محكمة العدل الدولية، بحسب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة". ما أثار غضبا واسعا من طهران التي اعتبرت أنها تلقت صفعة قوية من حلفائها.
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية عن استدعاء السفير الروسي لدى طهران ألكسي ديدوف احتجاجا على دعم موسكو الصريح لمطالبة الإمارات بالجزر التي تسيطر عليها إيران. وعبّرت له عن "اعتراض الجمهورية الإسلامية على مضمون البيان"، مطالبة بتصحيح موقف روسيا من هذه المسألة.
وصرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني الثلاثاء بأن الجزر "تابعة لإيران، إلى الأبد" معتبرا أن "إصدار تصريحات كهذه يقف بوجه العلاقات الودّية بين إيران وجيرانها".
وشنت إيران إلى إثرها حملة إعلامية في صحفها تشير إلى حجم صدمتها من حلفائها، حيث تصدّر البيان المشترك لمجلس التعاون وروسيا الداعم لموقف الإمارات من الجزر الثلاث عناوين الصحف ووسائل الإعلام في إيران. فكتبت صحيفة "هَم ميهَن" الإصلاحية: "بعد الصين، حان دور روسيا اليوم لدعم مواقف مجلس التعاون الخليجي بشأن جزر إيران الثلاث، لتتجاهل بشكل تام مصالحها المشتركة مع إيران. فنظراً إلى التقارب الإيراني الروسي، كان من المتوقع ألا تشكك موسكو بوحدة أراضي إيران".
كما قالت صحيفة "شرق" الإصلاحية أن "روسيا ليست حليفة استراتيجية موثوق بها لأنها أثبتت لمرات عديدة أنها تستطيع تجاوز التعاون التكتيكي القائم على مصالحها الوطنية وأحياناً تتخذ خطوات مختلفة، بل متعارضة أيضاً مع مصالح الجهات الفاعلة الأخرى".
بدورها، كتبت صحيفة "دنياي اقتصاد" المعتدلة: "يجب علينا تحديث استراتيجياتنا والتكيف مع الظروف الجديدة في ما يتعلق بالمجال الإقليمي. فقضية حساسة مثل الجزر الثلاث، والتي كانت نقطة خلاف بين إيران والإمارات ودول أخرى من أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ستتحول من قضية إقليمية إلى قضية بين قوى كبرى مع دخول روسيا والصين على خط المواجهة".
وتستمر الانتهاكات الإيرانية لسيادة الإمارات على الجزر، ففي أيلول/سبتمبر 2022، أعلنت السلطة القضائية الإيرانية إصدار سندات مِلكية رسمية خاصة بجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وقالت إن الجزر الثلاث باتت في الدوائر العقارية الإيرانية باعتبارها أراضيَ مملوكة للدولة ضمن سندات تمليك رسمية وقانونية.
وفي أيار/مايو 2021، قال قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني العميد علي رضا تَنْكسيري إن إيران تعتزم إنشاء مساكن في الجزر الإماراتية الثلاث، وخلق فرص عمل فيها، لتكون هذه الجزر مسكونة، وذلك بناءً على إيعاز من المرشد الأعلى علي خامنئي.
وتشير وثائق الحكومة البريطانية التي تتناول الحقبة الممتدة من بداية القرن التاسع عشر وحتى عام 1962 والرسائل الرسمية المتبادلة بين حكام القواسم والمقيم السياسي البريطاني إلى أن ملكية هذه الجزر تعود إلى "قبيلة القواسم العربية التي يحكم شيوخها إماراتي الشارقة ورأس الخيمة".
وكانت الجزر الثلاث منذ بداية القرن الثامن عشر تستخدم من قبل قبائل القواسم والموالين لهم في مواسم الري والغوص وصيد اللؤلؤ، بينما كان يقيم في أبوموسى وطنب الكبرى لأجيال متعاقبة رعايا حكام الشارقة ورأس الخيمة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات