توجه قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان الأربعاء، إلى نيويورك، للمشاركة في أعمال الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في سابع زيارة خارجية له منذ اندلاع الصراع في بلاده، منتصف أبريل/ نيسان الماضي، يحاول من خلالها استجداء الدعم والترويج لروايته عن الصراع المسلح خصوصا مع ازدواجية الموقف الأممي في التعامل مع أحداث السودان.
ويتجلى تناقض الموقف الدولي في الصراع السوداني بالميل إلى البرهان ومنحه الفرصة للتكلم باسم السودانيين في حين أنه عرقل سابقا مهام رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس، وأعلن أنه شخص غير مرغوب به، لأنه أصر على موقفه من النزاع ولم ينساق لمطالب البرهان التي تطيل آمد الحرب في البلاد.
وتجاهلت الأمم المتحدة إفادة بيرتس الأخيرة أمام مجلس الأمن التي تمثل إدانة للجيش الذي حمّله جزءا كبيرا من مسؤولية الحرب وتداعياتها. وقدم بيرتس شهادة وافية للمجلس، شرح فيها الأوضاع الراهنة في السودان والمخاطر التي ستفضي إليها مستقبلا، وأبرزها اشتعال حرب أهلية في البلاد.
وقال مجلس السيادة الانتقالي في بيان، إنّه من المقرر أن يلقي البرهان كلمته حول الأوضاع في السودان أمام الجمعية العامة الجمعة، كما سيشارك في اجتماعات رفيعة المستوى لبحث تعزيز التعاون متعدد الأطراف في ما يتعلق بمختلف القضايا الدولية والإقليمية المطروحة.
وأثارت الزيارة السابقة للبرهان إلى نيويورك، في سبتمبر 2022، للمشاركة في أعمال الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، استياء واسعاً في أوساط السودانيين داخل البلاد وخارجها، ونظمت الجالية السودانية في الولايات المتحدة حملة احتجاج واسعة ضد هذه الزيارة.
ويأمل بعض السودانيين المتفائلين بإمكانية مساءلة البرهان في الأمم المتحدة، أن تستغل الدول الفرصة لمحاصرته بالأسئلة عن جرائمه وعن نكوثه للعهود معها، والضغط عليه للذهاب إلى جدة مباشرة وإجراء المفاوضات.
وأجرى قائد الجيش السوداني خلال أقل من شهر، زيارات خارجية إلى كل من مصر، وأوغندا، وجنوب السودان، وقطر، وإريتريا، وتركيا. بغرض إطلاع قادتها على تطورات الأوضاع في السودان، الذي تحتدم فيه الاشتباكات منذ منتصف أبريل الماضي، وسبق أن أعلن أنه سيستمر بالقتال حتى إنهاء آخر "متمرد" في إشارة إلى أن مبادرات التهدئة التي اقترحها الوسطاء لن تلقى أذنا صاغيا من الجيش.
ومنذ اندلاع الاشتباكات منتصف أبريل الماضي، يتبادل الجيش بقيادة البرهان، و"الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، اتهامات بالمسؤولية عن بدء القتال الذي خلف أكثر من 7500 قتيل، وأكثر من 5 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.
وعلى مسار موازي، عُقد الاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول جوار السودان (مصر، تشاد، أفريقيا الوسطى، إثيوبيا، إريتريا، ليبيا، جنوب السودان) بمقر البعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة بنيويورك، بالتنسيق بين مصر وتشاد، وذلك وفقاً لنتائج اجتماع ندجامينا في السابع من أغسطس الماضي وشارك في الاجتماع أيضاً ممثلا جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي المعتمدين لدى المنظمة الدولية.
وأكد الاجتماع على اعتماد خارطة الطريق التي تمت بلورتها خلال اجتماع ندجامينا، والتوافق على تنفيذ بنودها من خلال تضافر جهود دول جوار السودان لاتخاذ إجراءات مُحددة تشمل الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية للتعامل مع الأزمة الراهنة، وضمان استقرار واحترام سيادة السودان.
وكان الاجتماع الأول، أعلن عن خطة عمل تتكون من ثلاث نقاط لحل الأزمة وهي: "التوصل إلى وقف نهائي لإطلاق النار، وإجراء حوار شامل بين الأطراف السودانية، وإدارة القضايا الإنسانية".
واستعرض الاجتماع جهود دول جوار السودان لتسوية الأزمة، واتصالاتهم بمختلف الأطراف السودانية، والتنسيق القائم بين دول جوار والآليات الأخرى التي تتناول الأزمة في السودان، كما تم التشاور وتبادل الرؤى حول أولويات التحرك خلال المرحلة القادمة، والاتفاق على اتخاذ تدابير عملية للتوصل لوقف إطلاق نار مُستدام في السودان، وشحذ الجهود الدولية للاستجابة للوضع الإنساني، بما في ذلك توفير الدعم المطلوب لدول الجوار التي تستضيف أعدادا كبيرة ومتزايدة من السودانيين.
وقد اتفق وزراء الخارجية على استمرار التنسيق والتواصل، وعقد الاجتماع الوزاري الثالث لوزراء خارجية دول جوار السودان في القاهرة في تاريخ قريب يتم الاتفاق عليه من خلال القنوات الدبلوماسية لتقييم ما تم إنجازه في سبيل تنفيذ بنود خارطة الطريق.
وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال لقائه وكيل سكرتير عام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث، أهمية بذل الجهود اللازمة لمتابعة ما تم الاتفاق عليه خلال المؤتمر الوزاري لدعم الاستجابة الإنسانية في السودان والمنطقة الذي عقد في يونيو/حزيران الماضي، وضمان وفاء الدول بتعهداتها المالية التي تم الإعلان عنها خلال المؤتمر والتي بلغت 1.5 مليار دولار.
وأضاف شكري، للمسؤول الأممي، إنه لم يتوفر سوى 761 مليون دولار؛ أي ما يعادل 29 بالمئة من هذه الاحتياجات، رغم التقديرات الأممية بحاجة السودان إلى 2.6 مليار دولار.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية، في بيان أن اللقاء أكد أهمية حشد الدعم الدولي لتلبية الاحتياجات الغذائية والصحية والتنموية والنفسية للوافدين من السودان في دول الجوار، أخذاً في الاعتبار استمرار تزايد تدفقات الوافدين من اللاجئين والمهاجرين في ضوء استمرار التصعيد في الأراضي السودانية وما تعانيه العديد من دول المنطقة من أزمات طويلة المدى.
وقبل توجهه إلى نيويورك زار عبد الفتاح البرهان مدينة مروي بالولاية الشمالية، حيث تفقد قيادة الفرقة الـ19 مشاة والقاعدة الجوية، ومصابي وجرحى معركة الحسم، في زيارة دعائية تهدف لإظهار اهتمام الجيش بالجرحى والمدنيين والترويج له على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونشر الجيش السوداني على صفحته الرسمية بفيسبوك تسجيلا مصورا للبرهان وهو يتفقد المواطنين في سوق مدينة مروي. كما تفقد البرهان جرحى العمليات الحربية في المستشفى العسكري بمدينة مروي، وفق ذات المصدر.
وتحمل مروى رمزية بالنسبة لبرهان إذ يحاول أن يظهر فيها تفوقه والترويج لاتنتصاره، حيث شهدت في بداية الاشتباكات بين الطرفين قتالا عنيفا حول القاعدة العسكرية بمطار المدينة قبل أن يحكم الجيش سيطرته عليها.
وتعد الولاية الشمالية المحطة الرابعة محليا للبرهان في جدول زياراته الميدانية، عقب مغادرته القيادة العامة للجيش بالخرطوم.
وميدانيا، تجددت الاشتباكات بشكل عنيف ومتصاعد في منطقة قيادة الجيش وسط الخرطوم، وتصاعدت أعمدة الدخان حول المنطقة، لليوم الخامس على التوالي.
وأفادت المصادر باندلاع مواجهات محتدمة ودوي انفجارات قوية بمحيط القيادة العامة للجيش، فضلا عن اشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة قرب مقار استراتيجية وسط العاصمة.
وقال مصدر عسكري أن الجيش صد هجوماً على القيادة العامة، من قبل قوت الدعم السريع من الجهة المقابلة لحي المطار متزامناً مع هجوم آخر على الفرقة السابعة مشاة شمال القيادة.
وأدى القصف الجوي والمدفعي المكثف إلى دمار واسع طال عدد من المباني الرئيسية من بينها وزارة العدل وعدد من الهيئات الحكومية والخاصة التي احترق بعضها بالكامل.
وبعد أن أعلن الجيش السبت صد هجوم لقوات الدعم السريع على القيادة العامة للجيش ومواقع عسكرية استراتيجية أخرى؛ عادت الاشتباكات الأحد باستخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وسط تحليق مكثف للطيران الحربي.
وأكدت قوات الدعم السريع إنها تمكنت من قطع التواصل بين سلاح الإشارة والقيادة العامة وسيطرت على وحدات عسكرية ومباني مدنية قرب القيادة؛ رغم نفى الجيش ذلك.
ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن شهود قولهم إن ألسنة اللهب اجتاحت العاصمة السودانية، وهاجمت قوات شبه عسكرية مقر الجيش لليوم الثاني على التوالي، مع استمرار القتال منذ ستة أشهر.
كما أفاد شهود عيان بوجود قتال في مدينة الأبيض، على بعد 350 كيلومتراً (حوالي 220 ميلاً) جنوباً.
وفي منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، تم التحقق منها من قبل وكالة فرانس برس، شارك المستخدمون لقطات للنيران وهي تلتهم معالم في أفق الخرطوم، بما في ذلك وزارة العدل وبرج شركة النيل الكبرى للبترول وهو مبنى مخروطي الشكل ذو واجهات زجاجية أصبح رمزا للثورة.
وتتزايد المخاوف من تقسيم البلاد في ظل تقارير تتحدث عن عاصمة بديلة في بورتسودان بشرق البلاد واعتزام الجيش تشكيل حكومة هناك.
وتحولت مدينة بورتسودان إلى قاعدة يستقر فيها قائد الجيش بعد فراره من مقر القيادة العامة في الخرطوم، وقام منها بعدة جولات خارجية باعتبارها المنطقة الأكثر أمانا، ما حولها إلى مركز للحكم يمارس منه الجنرال البرهان سلطات واسعة.
وقالت قوى الحرية والتغيير التي تقود جهودا سياسية لإيقاف الحرب إنها تتابع بقلق بالغ المؤشرات التي تتصاعد بتلويح طرفي الحرب بتكوين حكومة في مواقع سيطرتهما؛ مشيرة إلى أن ذلك يعد أمرٌا خطيرا سيترتب عليه تفتيت البلاد وتقسيمها.
تعليقات الزوار
لا تعليقات