ونقلت عن مسؤولين إماراتيين قولهم إن الشيخ محمد "لا يرى أن علاقة الإمارات الوثيقة بالولايات المتحدة تحول دون العلاقات مع موسكو أو بكين، بل إن مثل هذه العلاقات يمكنها أن تساعد واشنطن".
وقال أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات في تصريح للصحيفة الأميركية "لن نسمح لحالة التنافس بين القوى العظمى أن تقرر لنا توجّهاتنا ومواقفنا".
وساعدت الإمارات في حل عدة قضايا مستفيدة من علاقات وثيقة مع شركاء دوليين مثل روسيا والصين. واستحضرت الصحية الأميركية نجاح الشيخ محمد في التوسط في عملية تبادل أسرى بين موسكو وواشنطن وهي الوساطة التي شملت لاعبة كرة السلة الأميركية بريتني غرينر مقابل تاجر السلاح الروسي فيكتور بوت.
وكان الرئيس الإماراتي قد التقى في أكتوبر/تشرين الأول بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سانت بطرسبرغ، ناقش خلالها عدة قضايا ولعب دورا محوريا في عملية تبادل الأسرى بين روسيا والولايات المتحدة.
ونقلت 'وول ستريت جورنال' عن مسؤول كبير في البيت الأبيض لم تذكر اسمه، قوله إن البيت الأبيض كان يراقب النجاحات التي يحققها الشيخ محمد في العلاقات مع كل من روسيا والصين وان هذا ربما كان من أسباب فتور أو توتر في العلاقات بين واشنطن وأبوظبي.
وتمر العلاقات بين الإمارات وواشنطن بحالة من الفتور نتيجة المواقف الأميركية من عدة قضايا وشعور دول خليجية عموما بأن الإدارة الأميركية تعاملت مع قضايا حيوية لأمنها ببرود ومنها على سبيل الذكر لا الحصر، أن واشنطن لم تظهر حزما كافيا ومطلوبا حين تعرضت منشآت نفط سعودية ومواقع مدنية لهجمات إرهابية شنها الحوثيون بمسيرات وصواريخ إيرانية وكذلك اعتداء الحوثي الإرهابي الذي استهدف أبوظبي.
وقال تقرير 'وول ستريت جورنال' "شهدت الإمارات خلال الأشهر السبعة الماضية خطوات من بينها تقليل إنتاج النفط بالتنسيق مع موسكو عبر منظمة الدول المصدّرة للبترول، على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة"، مشيرا أيضا إلى تدفق الأعمال الروسية إلى دبي.
وقال مسؤولون أميركيون للصحيفة إن الشيخ محمد صاغ سياسة خارجية أكثر استقلالية، في حين أنه كان شاهدا على التقلب في السياسة الأميركية خلال أربع إدارات".
ونقلت عن دينا إسفندياري مؤلفة كتاب عن دولة الإمارات وكبير مستشاري الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية، المؤسسة البحثية التي تتخذ من بروكسل مقرا قولها "لقد تغير طابع العلاقة، لم تعد كسابق عهدها تقوم على اتصال من طرف واحد واشنطن بأبوظبي".
وقالت "يقول المسؤولون الإماراتيون إنهم شعروا بعدم اليقين بشأن الالتزام الأميركي منذ الضربات التي وقعت في عام 2019 على حقول النفط السعودية وناقلات النفط في مياه الخليج والتي تم إلقاء اللوم فيها على إيران ولم يتم الرد عليها علنا. وقبل ذلك، اشتكى المسؤولون الإماراتيون من ضعف استجابة واشنطن للهجمات بالطائرات بدون طيار والصواريخ التي أطلقتها ميليشيات الحوثي في يناير 2022 ضد أبوظبي".
لكن المسؤول الأميركي الذي تحدثت إليه 'وول ستريت جورنال' قال ضمن تصريحاته إن هناك في الأشهر الأخيرة حوارا بين الشيخ محمد بن زايد والمسؤولين الأميركيين حول روسيا والصين، مضيفا أن "العلاقات مع دولة الإمارات تتحسن".
ورغم أن قرار تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا قرار سيادي لا يرتبط إلا بحماية مصالح الدولة، فإن الرئيس الإماراتي تحدث مع المسؤولين الأميركيين ومع الأمم المتحدة ومع الرئيس الأوكراني بعد زيارته لروسيا حول جهود التهدئة وتخفيف التصعيد بين موسكو وكييف، وهي خطوات أشادت بها واشنطن على لسان مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان.
وتنظر الولايات المتحدة لدولة الإمارات كشريك واثق في محاربة الإرهاب ومكافحة التطرف وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وكلاعب محوري في استقرار أسواق الطاقة العالمية.
كما أشار التقرير الأميركي إلى اتفاق ابراهام للسلام في الشرق الأوسط الذي أفضى إلى التطبيع بين الإمارات وإسرائيل وهو قرار جريء يعزز دفع جهود السلام في الشرق الأوسط.
وأرسى الشيخ محمد على مدى العقد الماضي دبلوماسية هادئة وهو الشخصية المعروفة بهدوء الطباع، كما رسم خط التوسع الاقتصادي السريع والواثق والانفتاح والتقدم المجتمعي وبناء علاقات متينة مع سوريا بعد قطيعة ومع إيران بعد توترات لا تهدأ.
كما أفضت السياسة الهادئة في النهاية إلى تغلب رئيس دولة الإمارات على التوتر الذي نشأ عقب تولي جو بايدن الرئيس الديمقراطي رئاسة الولايات المتحدة "بسبب قضايا خلافية مع الصين".
وقال التقرير الأميركي "إن اقتصاد دولة الإمارات ليس مبنيا على النفط فحسب، بل إن مكانتها كدولة مستقرة في منطقة مضطربة جعلها سوقا جاذبا للمال والخدمات اللوجستية والسياحة".
ونقلت وول ستريت جورنال عن السفيرة لانا زكي نسيبة مساعدة وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون السياسية المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة قولها إن "نموذج دولة الإمارات برمته يعتمد على سلامة وأمن واستقرار الشعب وتدفق البضائع والسلع".
وفي خطابه بمناسبة الذكرى الواحدة والخمسين لليوم الوطني الإماراتي قال الشيخ محمد بكل وضوح إن "المرحلة المقبلة مرحلة عمل ومثابرة وإنجاز وتنافس ولا مجال فيها للتهاون أو التراخي لأن الطموحات الكبيرة تحتاج إلى عزيمة أكبر"، مؤكدا حينها أن "لدى دولة الإمارات إدراكا كاملا لطبيعة التحولات من حولها وما بها من تحديات وفرص، ونعمل على استثمار هذه الفرص والتعامل مع التحديات بنهج واضح وفاعل وشامل".
وتحدث كذلك عن التعاون مع دول المنطقة لتحقيق الرفاه للشعب الإماراتي ولشعوب المنطقة ولكن كذلك بالتعويل على القدرات الذاتية قائلا "نعتمد على مواردنا وقدراتنا وسواعد أبنائنا وعقولهم ونتعاون بصدق وإيجابية مع أصدقائنا وأشقائنا ونتحرك في الإقليم والعالم بوعي لتعظيم مصالحنا الوطنية".
وأضاف "نعزز شراكاتنا الاقتصادية والتجارية والاستثمارية الفاعلة مع مختلف دول العالم لخدمة أهدافنا التنموية ونتبنى سياسات متزنة ومتوازنة ومسؤولة على الساحتين الإقليمية والدولية".
وأشار وقتها أيضا إلى أن "التحولات في العالم خلال السنوات الأخيرة أكدت أهمية تعزيز جميع مظاهر التعاون الإقليمي بين الدول التي تنتمي إلى منطقة واحدة أو نطاق جغرافي واحد كما هو الحال بالنسبة للدول العربية عامة أو دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خاصة، حيث تمتلك هذه الدول من إمكانات التقارب والتكامل التي ربما لا تتوفر لغيرها في مناطق العالم الأخرى".
وشدد على تعزيز التعاون الإقليمي والعربي قائلا أن الإمارات "تعمل بالتعاون مع أشقائها على تعزيز التكامل العربي على أسس جديدة تتسم بالفاعلية والواقعية وتستند على المصالح المشتركة وتنطلق من التعاون الاقتصادي والتنموي، وتستهدف، في المقام الأول، رخاء الشعوب وتنميتها".
وكان الشيخ محمد أكد في أول خطاب له للشعب الإماراتي منذ توليه رئاسة البلاد في مايو/أيار من العام الماضي خلفا لأخيه الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، على البعد الاقتصادي وتحقيق رؤية استشرافية للبناء والتنمية المستدامة.
وتلك العناوين العريضة التي أعلن عنها الشيخ محمد كخطة عمل شاملة محليا وإقليميا ودولية أبرزت الرؤية الاستشرافية للرئيس الإماراتي وحددت مجالات التحرك بما يضمن مصالح الدولة ويعزز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، بينما اعتمدت الدولة سياسة تصفير المشاكل لإسناد دورها الفاعل في حل الأزمات ودفع جهود السلام بديلا للتصعيد والتوترات المتناثرة في منطقة مضطربة تحتاج معالجة أزماتها للهدوء والواقعية السياسية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات