أعلن الجيش السوداني مساء الجمعة مدفوعا بمخاوف من ردود فعل دولية غاضبة وعقوبات تلوح بها الولايات المتحدة مع استمراره في خرق الهدنة، إرسال ممثلين عنه كمفاوضين إلى جدة لبحث وقف إطلاق النار، بينما أظهر مسار الأزمة أن القوى الدولية والإقليمية باتت تتعامل مع قوات الدعم السريع التي اعتبرها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان "حركة متمردة"، طرفا أساسيا في معادلة الأمن والاستقرار.
وينظر لهذه الخطوة بشكل ايجابي، لكن قيادة الجيش التي تفاوض في جدة أو تعتزم الانخراط في المفاوضات التي قبلت بها قوات الدعم السريع، تواصل في الوقت ذاته شن غارات جوية وقصفا بالمدفعية في الخرطوم.
وأظهرت قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق الأول محمد حمدان دقلو (حميدتي) مرونة كبيرة في التعاطي مع الأزمة الإنسانية ومغادرة الرعايا الأجانب وتأمين الحماية لهم والتزامها بالهدنات المعلنة على الرغم من خروقات منسوبة لقوات الجيش. ورسمت لنفسها من خلال تأييدها ودعمها للحكم المدني وتصديها لعودة التطرف وفلول النظام السابق، رؤية وصورة واضحة لقوة ميل للتسوية السلمية للأزمة وإنهاء عسكرة الصراع وهو أمر يحسب لها، وفق محللين ومتابعين لتطورات النزاع المسلح.
وكانت سباقة في استجابتها لمبادرات وقف إطلاق النار وجهود التهدئة وآخرها الاستجابة السريعة لمبادرة سعودية أميركية بهدف تمديد الهدنة لـ 72 ساعة، رغم تعرضها لقصف جوي مكثف خلال الساعات الماضية.
ولم تلق دعوة الخارجية التابعة لسلطة الجيش بقيادة البرهان الذي أقصى الشركاء المدنيين في الحكم في انقلاب أكتوبر/تشرين الأول من العام 2021، تصنيف قوات الدعم السريع كحركة "إرهابية" أي تجاوب دولي أو إقليمي كما فشلت جهوده (الجيش) في تقديم قوات الدعم السريع على أنها "حركة تمرد".
ويبدو أن الفاعلين الدوليين والإقليميين ينظرون لمواقف قيادة الجيش المتضاربة بريبة شديدة خاصة في ما يتعلق بوضع قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي وهو نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الذي يرأسه البرهان وسط أسئلة ملحة كيف أن قيادة الجيش تعاملت مع قائد الدعم السريع كشريك ثم تحولت فجأة بعد تفجر الصراع إلى دعوة المجتمع الدولي لوصمها بالإرهاب ودعوة القوى المحلية لاعتبارها حركة متمردة.
وقال الجيش السوداني في بيان نشر على صفحته على فيسبوك "في إطار المبادرة السعودية-الأميركية التي تم طرحها منذ بداية الأزمة، غادر إلى جدة مساء اليوم (الجمعة) وفد القوات المسلحة السودانية لمناقشة التفاصيل الخاصة بالهدنة التي يجري تجديدها".
وهذا التجاوب مع المبادرة السعودية الأميركية الذي جاء متأخرا دون وقف عمليات القصف المدفعي والجوي لمواقع قوات الدعم السريع، يشير إلى حالة إرباك ناجمة عن قصور في الرؤية السياسية ومخاوف برزت على اثر حديث القوى الدولية تصريحا وتلميحا عن قوات الدعم السريع كطرف لا يمكن تجاهله في أي تسوية للأزمة، في موقف دفع قيادة الجيش لإعادة حساباته في التفاعل مع الجهود الدولية للتهدئة وإنهاء الصراع.
وفي وقت تتكثف المبادرات الدبلوماسية في إفريقيا والشرق الأوسط، قال الجيش إنه اختار الاقتراح الذي تقدّمت به الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (ايغاد) بسبب الحاجة إلى "حلول إفريقية لمشاكل القارّة"، مرحبا في الوقت ذاته بالوساطات الأميركية والسعودية. وكان مبعوث البرهان موجود في أديس أبابا الخميس. كما أعلنت القاهرة أنّها تحدثت عبر الهاتف إلى القائدين المتحاربين.
وتعقد الجامعة العربية في القاهرة الأحد اجتماعين غير عاديين على مستوى وزراء الخارجية ستخصّص أحدهما لبحث الحرب في السودان، بحسب ما قال دبلوماسي رفيع المستوى.
ولليوم الـ21 على التوالي، تواصلت الضربات الجوية والتفجيرات في عدد من أحياء الخرطوم لاسيما في محيط المطار على الرغم من وعود بهدنة، بحسب ما أفاد شهود.
ومنذ 15 أبريل/نيسان، أسفر القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع عن سقوط نحو 700 قتيل وآلاف الجرحى، بحسب مجموعة بيانات مواقع النزاع المسلّح وأحداثه (إيه سي إل إي دي) ومن بين القتلى أطفال "بأعداد كبيرة"، بحسب الأمم المتّحدة، في بلد يقلّ فيه عمر 49 بالمئة من السكّان عن 18 عاما.
وأشارت منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة "يونيسف " الجمعة إلى تقارير تفيد بسقوط سبعة أطفال كلّ ساعة بين قتيل وجريح، مضيفة أنّها تلّقت تقارير من شريك موثوق به - لم تتحقّق منها الأمم المتّحدة بشكل مستقلّ بعد - تفيد بأنّ 190 طفلا قُتلوا و1700 آخرين أصيبوا بجروح خلال الأيام الأحد عشر الأولى فقط من القتال.
والخميس، أكّد الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ "المأساة... يجب أن تنتهي"، ملوّحا بفرض عقوبات على "الأفراد الذين يهدّدون السلام"، لكن من دون أن يسمّي أحدا.
والسودان الدولة التي يبلغ عدد سكّانها 45 مليون نسمة، خرج في العام 2020 من عقدين من العقوبات الأميركية التي فُرضت على الدكتاتورية العسكرية الإسلامية للجنرال عمر البشير الذي أطاح به الجيش تحت ضغط الشارع في العام 2019، بعد بقائه ثلاثين عاما في السلطة.
وفي 2021 أطاح البرهان ودقلو معا في انقلاب الشركاء المدنيين في الحكم بعدما تقاسما السلطة معهم منذ سقوط البشير، لكن سرعان ما ظهرت خلافات بين الجنرالين وتصاعدت حدّتها، ومن أبرز أسبابها شروط دمج قوات الدعم السريع في الجيش، بينما أقر قائد قوات الدعم بأن الانقلاب كان خطأ فادحا، مشددا على انحيازه ودعمه لحكم مدني وضرورة عودة الجيش للثكنات.
وأعلنت قوات الدعم السريع الجمعة أنّها وافقت على هدنة لمدة ثلاثة أيام فقط تمت مناقشتها في إطار وساطة أميركية-سعودية.
وتوقعت رئيسة الاستخبارات الأميركية أفريل هاينز معارك "طويلة الأمد" لأنّ "الطرفين يعتقدان أنّ بإمكان كلّ منهما الانتصار عسكريا وليست لديهما دوافع تُذكر للجلوس إلى طاولة المفاوضات".
وأسفر القتال عن إصابة أكثر من خمسة آلاف شخص بجروح وتشريد ما لا يقلّ عن 335 ألف شخص وإجبار 115 ألفاً آخرين على النزوح، وفقا للأمم المتحدة التي تطلب 402 مليون يورو لمساعدة السودان الذي يعدّ واحدة من أفقر دول العالم.
وأوضحت الأمم المتحدة أنّ "أكثر من 56 ألف شخص عبروا في الثالث من مايو" إلى مصر، مضيفة أنّ "أكثر من 12 ألف شخص" عبروا إلى إثيوبيا و"30 ألف شخص إلى تشاد".
تعليقات الزوار
لا تعليقات