أخبار عاجلة

تسريبات خطيرة تفضح كيف يُدار التنسيق سِرًّا بين السلطة الفلسطينية مع إسرائيل

يبدو أن محاولات السلطة الفلسطينية “المُستميتة” للتغطية على ملف التنسيق الأمني مع إسرائيل، ومحاولة فرض “تعتيم” إعلامي كبير عليه، وتجاهل الحديث حوله من خلال وسائل الإعلام وتصريحات المسؤولين، قد بائت بالفشل ولم تصمد طويلا.
ورغم التشكيك الفلسطيني برواية سلطة رام الله، حول “القرار الرسمي الحازم” بوقف كل اشكال التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي كـ”رد منطقي ومشروع” على جرائم الاحتلال المستمرة والتي لم ترحم بشرًا ولا شجرًا ولا حجرًا وزادت وتيرتها الأيام الأخيرة خاصة في المسجد الأقصى المبارك، وما شهدناه من اعتداءات وضرب وطرد للمعتكفين وقتل بدم بارد لكل من يعترض طريق الجيش والشرطة في الشارع، جاءت تسريبات لتكشف المستور.
وكشفت الوثائق الأميركية الأمنيّة التي سرّبت عبر مواقع التواصل خلال اليومين الماضيين، وأعلنت وزارتا الدفاع (البنتاغون) والعدل الأميركيتين فتح تحقيق داخلي بشأنها، أن السلطة الفلسطينية حافظت على التنسيق الأمني مع الاحتلال خلال الفترة التي أعلنت فيها وقفه.
ad
وحدث التسريب في وقت مبكّر هذا العام، على الأرجح مطلع مارس/آذار الماضي، وفق صحيفة “نيويورك تايمز”، على منصة “ديسكورد” التي تحوي غالبًا هواة الألعاب والدردشة الصوتية والمكتوبة؛ قبل أن يُكشف عنه الخميس، حينما بدأ تداول الوثائق على نطاق واسع بين روّاد مواقع التواصل.
وتبيّن لاحقًا أن التسريبات تغطّي كذلك نطاقًا واسعًا من الملفات الأمنية، وتشمل، من بين أمور أخرى، الصين، والاتحاد الأوروبي، وكذلك الملف الفلسطيني، وأدوار إسرائيل في الحرب الأوكرانية.
وبحسب ما يظهر في منشور للصحافي الاستقصائي أريك تولر على “تويتر”، والذي دخل بنفسه إلى منصة “ديسكورد” واطّلع على التسريب قبل حذفه، فقد تضمّنت إحدى الوثائق الأميركية قراءة أمنية للوضع في الضفة الغربية بعد قمة العقبة، والتي رافقتها عملية استشهادية في حوّارة، ثم هجمة ليليّة للمستوطنين بالأسلحة النارية والعصي والعبوات الحارقة.
معلومات خطيرة
وتنصّ الوثيقة بشكل واضح على أن “العمليات الإسرائيلية والفلسطينية لتحديد مكان المسلّحين الفلسطينيين لا تزال مستمرّة”، على عكس ما ظلّ يؤكده مسؤولون في السلطة حتى ذلك الحين.
وتتوقّع الوثيقة الأمنية الأميركية أن “تتفاقم الاضطرابات في الضفة”، وأن تستمرّ العمليات الفلسطينية وهجمات المستوطنين، “ما من شأن ذلك أن يدفع (إسرائيل) للتخلي عن اتفاق العقبة”، مع ملاحظة أن التقرير الاستخباري الأميركي يعرّف إسرائيل ضمنًا باسم “القدس”، وهو اصطلاح غير مألوف في اللغة الدبلوماسية الرسمية، رغم أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تغيّر موقفها من القدس عمّا انتهت إليه إدارة سلفه دونالد ترامب.
وقبل نحو شهر من ذلك التاريخ، كانت السلطة قد أعلنت وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، عقب المجزرة التي اقترفها في 26 يناير/كانون الثاني في جنين وأسفرت عن استشهاد 10 فلسطينيين؛ ولم تعلن عن عودة الاتصالات في هذا الاتجاه.
وكان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، قد أكّد أيضًا، غداة قمّة العقبة، أن “وقف التنسيق الأمني ما زال قائماً، لأن هذا مرتبط بتنفيذ إسرائيل وقف الإجراءات الأحادية”.
وتعود الوثيقة إلى تاريخ الثامن والعشرين من فبراير/شباط الماضي، أي بعد يومين من قمة العقبة، وتحتوي، كما يظهر في العنوان المتعلّق بمدّ شبكة 5G في الأردن ودور الصين فيه، الرموز المتعارف عليها داخل مجتمع الاستخبارات الأميركي، من قبيل وسم الحكومة الأميركية (USGov)، وإشارة (NF)، اختصارًا لـ(Not for release to foreign government)، أي “ليس للمشاركة مع الحكومات الأجنبية”؛ وفقًا لورقة تعريفات واصطلاحات صادرة عن مكتب مدير المخابرات الوطنية الأميركية، وهو مجتمع الاستخبارات الذي يضم 16 وكالة حكومية أخرى، من بينها وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه).
والحساب الظاهر فوق الوثيقة، الذي يحمل اسم “لوكا” مع صورة لما يبدو أنه جندي روسي، هو ذاته الحساب المسؤول عن تسريب وثائق الخطط العسكرية الأمريكية في أوكرانيا.
وكان تقرير لصحيفة “هآرتس” قد أكد، في وقت قريب من ذلك التاريخ، أن التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي ما زال متواصلًا، وأشار إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتخذ قراره “لأنه لم يبق أمامه خيار آخر سوى خطوته الاعتيادية بالإعلان عن وقف التنسيق الأمني”.
وقال المحلل العسكري في الصحيفة عاموس هرئيل: “هي خطوة تكتيكية (وقف التنسيق) أكثر مما هي جوهرية. العلاقات الأمنية مستمرة وراء الكواليس. حتى في الأيام الأخيرة، استعان ضباط إسرائيليون وفلسطينيون بعضهم ببعض”.
ضرب المقاومة
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، قال في تصريحات سابقة له، إن الاحتلال الإسرائيلي يحاول بالتعاون والتنسيق مع السلطة الفلسطينية القضاء على المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، مضيفًا “نشهد تصاعدًا للمقاومة المسلحة واستئناف الدورة الجهادية الجديدة على أرض فلسطين وخاصة بالضفة”.
وذكر أن المقاومة في الضفة الغربية هدف استراتيجي، وستبقى مستمرة في جميع مناطق الوطن حتى زوال المحتل.
وفي ذات السياق، قال عمر عساف عضو لجنة المتابعة للمؤتمر الشعبي الفلسطيني١٤مليون، إن رهان السلطة على استمرار التنسيق الأمني، سيضعها في عزلة، ويفجر الأوضاع في وجهها، مؤكدا أن السلطة لن تجني من تعاونها سوى مزيد من الغضب الشعبي.
وأكدّ عساف أنّ ما يجري في الضفة يستدعي من السلطة إعادة مراجعة تاريخية لمواقفها، والتوقف الكامل عن الرهان على الامريكان والاحتلال، موضحًا أن سلوك السلطة السياسي والأمني والاجتماعي كله يدفع تجاه تعزيز الغضب، ويضع علامات استفهام حول دورها.
وذكر أن قيادة السلطة تدفع الأمور للانفجار في وجه الاحتلال والسلطة معا.
وقالت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، في (9/فبراير) الماضي، إن “التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية يمثل خسارة كاملة لرئيسها محمود عباس، ومع ذلك لن يتوقف إلا بانهيار هذه السلطة”.
وترى المجلة الأمريكية أن هذا التنسيق الأمني الذي وصفه عباس من قبل بالمسؤولية “المقدسة” يُعدّ ركيزة أساسية لعملية أوسلو منذ عام 1993 (اتفاقية تسوية بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية”، كما أنه أمر حيوي لوجود السلطة الفلسطينية وبقائها.
وأضافت أن هذا “التنسيق غير مرحب به من جميع الأطياف السياسية الفلسطينية، ويرونه خيانة صريحة، وقد كان نقطة شائكة ومستمرة في عمليات المصالحة بين السلطة وحركة “حماس”، إضافة إلى أن الحفاظ عليه في الوقت الذي يُقتل فيه الفلسطينيون بأعداد كبيرة سيكون انتحارا سياسيا، كما أن إنهاءه يعني نهاية السلطة الفلسطينية”.
وأشارت إلى أن قرار تعليق التنسيق الذي اتخذه عباس بعد الأحداث الأخيرة في جنين والقدس، “لم يتخذه رئيس السلطة الفلسطينية باستخفاف أو باندفاع، بل لم يكن له خيار غيره، نظرا لارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين”.
وقال المجلة: إن “الورطة التي يعيشها عباس والسلطة الفلسطينية تتمثل في أن قطع العلاقات الأمنية مع إسرائيل بشكل دائم قد يؤدي إلى فرض عقوبات وتدابير عقابية أخرى من قبل تل أبيب، وعلى الأرجح من الولايات المتحدة أيضا، وذلك يعرّض وجود السلطة للخطر”.
وتابعت: من ناحية أخرى، فإن الاستمرار في التنسيق مع الجيش الإسرائيلي بينما يزداد الاحتلال قمعا وعنفا يقوّض ما تبقى من شرعية داخلية ضئيلة لعباس”.
وللتدليل على “الورطة العميقة لعباس وسلطته مع التنسيق الأمني”، أشار المجلة الأمريكية إلى إعلان عباس الأخير تعليق هذا التنسيق والتراجع عنه في الوقت نفسه، موضحة أن “الأخير أكد للمسؤولين الأمريكيين بشكل خاص، بعد الإعلان، أن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل جنبا إلى جنب مع جهود السلطة الفلسطينية لإحباط الهجمات على الإسرائيليين سيستمر، حتى مع التعليق، كما كان من قبل، وأن التنسيق الكامل سيُستأنف بمجرد استعادة الهدوء”.
وأمام هذه التطورات الساخنة.. يبقى السؤال الأهم لماذا تكذب السلطة بهذا الملف؟ وهل ملاحقة المقاومة والخوف من الغضب الشعبي السبب الرئيسي؟

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات