التقى رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الأربعاء بنظيره المصري عبدالفتاح السيسي، في زيارة خاطفة للقاهرة تأتي وسط حراك دبلوماسي مكثف من شأنه أن يعيد ترتيب الوضع والعلاقات في الشرق الأوسط، فيما تأتي الزيارة أيضا على وقع أزمة اقتصادية تعيشها مصر مع تراجع حاد في احتياطاتها من النقد الأجنبي وشح في الدولار.
والواضح أن زيارة الشيخ محمد للقاهرة تأتي في إطار تنسيق الجهود وتعزيز العلاقات الثنائية وكذلك في سياق التأكيد على الدعم الإماراتي لمصر، بينما يكثّف الرئيس المصري اجتماعاته مع قادة دول الخليج على خلفية أزمة اقتصادية تمرّ بها بلاده وتبدّل المعطيات الدبلوماسية في المنطقة.
وقال رئيس دولة الإمارات في تغريدة على حسابه الرسمي بتويتر "بحثنا تعزيز علاقتنا الأخوية الراسخة ورؤيتنا نحو تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة"، فيما تتناغم هذه التصريحات مع جهود إماراتية لا تهدأ لترسيخ الأمن في المنطقة والتركيز على التنمية الاقتصادية ضمن مقاربة استشرافية تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية.
وقال المستشار أحمد فهمي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية على صفحة الرئاسة بفيسبوك "بحث الرئيسان سبل تطوير آليات وأطر التعاون المشترك في جميع المجالات لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين بالإضافة إلى التنسيق الحثيث تجاه التطورات الإقليمية المختلفة، في ضوء ما يمثله التعاون والتنسيق المصري الإماراتي من دعامة أساسية، لترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة.
وتابع أن "اللقاء تناول أيضا تبادل وجهات النظر، بشأن أبرز الملفات المطروحة على الساحتين الإقليمية والدولية، حيث عكست المناقشات تفاهما متبادلا إزاء سبل التعامل مع تلك القضايا وتم الاتفاق على الاستمرار في بذل الجهود المشتركة لتعزيز التعاون والتنسيق والتضامن بين الدول العربية لمجابهة التحديات المتزايدة على الأصعدة كافة".
وزيارة الرئيس الإماراتي لمصر هي الثانية منذ توليه الرئاسة والثامنة عشر منذ تولي السيسي الرئاسة في العام 2014، فيما التقى الزعيمان 28 مرة منذ العام 2015 (وتشمل الفترة التي كان فيها الشيخ محمد وليا لعهد أبوظبي وكذلك الفترة اللاحقة التي تولى فيها رئاسة دولة الإمارات خلفا لأخيه الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان). ويشير ذلك إلى العلاقات المتينة التي تربط مصر بالإمارات.
وتقود الإمارات جهود دعم الأمن والاستقرار في المنطقة بالتنسيق مع شركائها برؤية واثقة تجلت في تعزيز وحدة الصف العربي في مواجهة تقلبات إقليمية ودولية، حيث كانت سباقة في إعادة تنشيط دبلوماسيتها في سوريا اعتمادا على واقعية سياسية نسجت على منوالها دول أخرى.
وتبذل القاهرة منذ أكثر من عام جهودا لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج في حين فاقمت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أكبر مصدّري القمح إلى مصر التي تعتبر أكبر مستوردي هذه السلعة في العالم، الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها.
وخلال عام واحد خسرت مصر 20 بالمئة من احتياطياتها من النقد الأجنبي التي تراجعت إلى 34.45 مليار دولار، علما بأنّ هذا الاحتياطي يشمل 28 مليار دولار من ودائع دول الخليج الحليفة لمصر لدى البنك المركزي المصري.
وارتفع التضخّم في مصر البالغ عدد سكّانها 105 ملايين نسمة إلى 33.9 بالمئة وهو وضع يفاقمه الانهيار المستمر لسعر صرف الجنيه الذي فقد نحو 50 بالمئة من قيمته في بلاد تعتمد على الاستيراد سواء للإنتاج أو لتلبية احتياجاتها الاستهلاكية.
ومنذ أشهر يشدّد خبراء على أن مصر من بين خمسة بلدان تواجه خطر التخلّف عن سداد ديونها. وفي مارس/اذار ارتفع الدين العام المصري إلى أعلى مستوى له على الإطلاق وبلغ 162.9 مليار دولار، وفق وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
وفي المقابل، تقول دول الخليج إنّها لن تقدم على استثمارات غير مجدية، لكن الكثير من الشركات الخليجية قامت في الفترة الأخيرة بعمليات استحواذ في مصر وهي خطوة يقول خبراء إنه من شأنها أن تخفف من الأزمة التي تواجهها القاهرة وستعود في نفس الوقت بالنفع على المستحوذين.
واتجهت الصناديق السيادية لدول الخليج لعشرات الشركات التي طرحتها الدولة المصرية للبيع، لكنّ هذه الصناديق تضع شروطا لشراء تلك الشركات.
ومن بين هذه الشروط أن تنشر الشركات المصرية حساباتها وأن تتمّ عمليات البيع وفق سعر الصرف الجديد، ما يعني مبالغ أقلّ بالدولار مقابل عمليات الاستحواذ. وإلى الآن تمّ تقديم عروض شراء عدّة، لكنّ كثيرا منها فشل أو لم ينجز بعد.
وتعدّ مصر حيث مقرّ جامعة الدول العربية لاعبا وازنا على الساحة الدبلوماسية العربية التي تشهد تقلّبا. وسجّل تقارب في العلاقات المصرية مع سوريا التي بقيت معزولة على الساحة الدبلوماسية منذ اندلاع الحرب الأهلية فيها في العام 2011، على غرار التقارب الحاصل مع حلفاء خليجيين على رأسهم الإمارات، لكنّ القاهرة لم تأخذ بعد موقفا واضحا حول إيران.
والأربعاء استقبلت السعودية وفدا إيرانيا في خطوة تندرج في إطار المساعي لإعادة فتح الممثليات الدبلوماسية بعد سبع سنوات من القطيعة.
ومن شأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران أن يرسم خارطة إقليمية جديدة في المنطقة التي بقيت طويلا منقسمة بين النفوذين السعودي والإيراني.
وغير بعيد عن هذا الحراك، حل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ضيفا على الرياض في أول زيارة تاريخية لمسؤول سوري رفيع منذ ما يزيد عن عشر سنوات.
وتجسد هذه الزيارة غير المعلنة خطوات التقارب السوري السعودي في خضم مصالحات كانت الإمارات من دول الخليج الأوائل التي انخرطت فيها.
وتأتي الزيارة قبل اجتماع تشاوري مقرر الجمعة في جدة لوزراء خارجة عرب ومن دول مجلس التعاون الخليجي بدعوة من الأخير لبحث استعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية.
وفي وقت سابق من بداية الشهر الحالي، قام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بزيارة خاطفة للسعودية التقى خلالها بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وبحثا خلالها "تعزيز التعاون وتطورات إقليمية ودولية" وسط جهود من البلدين لإعادة ترتيب علاقاتها مع دول في المنطقة فيما تسعى القاهرة للحصول على دعم اقتصادي من قبل المملكة لتجاوز أزمة مالية مع تراجع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي وارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة.
وخلال لقاء جمعهما على مائدة السحور بمدينة جدة غربي المملكة، بحضور رئيس المخابرات المصرية عباس كامل ومستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان تم البحث في الوضعين الإقليمي والدولي وآفاق التعاون المشترك وفق وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات