أكّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس في ليبرفيل أول محطة في جولته الإفريقية، طيّ صفحة الماضي مع أفريقيا، مشدّدا على أنّ فرنسا صارت "محاورا محايدا" في القارّة، فيما تأتي تصريحاته على واقع موجة عداء تنامت في السنوات الأخيرة ضد الوجود الفرنسي في إفريقيا عموما.
وكان ماكرون قد اتهم روسيا يوم الاثنين الماضي بأنها هي من يغذي مشاعر كراهية الأفارقة لفرنسا، إلا أن ذلك لا يبدو دقيقا، فموجة العداء نشأت قبل سنوات وقبل أن يتسلل الروس إلى مناطق النفوذ الفرنسي.
وواجهت باريس في السنوات الأخيرة تهما بارتكاب انتهاكات واسعة وبتعاملها مع الدول الإفريقية التي تنشر فيها قوات وتقيم فيها قواعد عسكرية، بعقلية المستعمر لا بعقلية الشريك، لكن الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول افريقية أعادت رسم خطوط التعامل مع الفرنسيين، فيما دفع المجلس العسكري في مالي القوات الفرنسية والأجنبية بمغادرة البلاد وهو ما حدث بالفعل.
وتعرضت فرنسا نكسات في مناطق نفوذها الإفريقية ما دفعها كرها لإعادة النظر في طريقة التعامل مع مستعمراتها السابقة على قاعدة الشراكة والحوار لا بمنطق التدخل وفرض املاءات.
ويكابد الرئيس الفرنسي لاستعادة نفوذ تراجع بشدة مع زحف الروس إلى إفريقيا بدبلوماسية اقتصادية واجتماعية بمنطق الشراكة لا بمنطق "المستعمر" خلافا للنهج الفرنسي.
وقال ماكرون أمام الجالية الفرنسية في الغابون "انتهى عصر فرنسا الإفريقية هذا، وأحيانا يتكون لدي شعور بأن الذهنيات لا تتطور بوتيرة تطورنا نفسها عندما أقرأ وأسمع وأرى أنّه ما زالت تُنسب لفرنسا نوايا ليست لديها، لم تعد لديها".
وأضاف "يبدو أيضا أنه ما زال مُتوقعا منها أن تتخذ مواقف ترفض اتخاذها وأنا أؤيد ذلك تماما. في الغابون كما في أي مكان آخر، فرنسا محاور محايد يتحدث إلى الجميع ولا يتمثل دوره في التدخل في النزاعات السياسية الداخلية".
ويحمل مصطلح "فرنسا-إفريقيا" دلالات سلبية، إذ يُستعمل لوصف العلاقات التي ربطت فرنسا بمستعمراتها السابقة بعد استقلالها وتدخّل باريس المفرط في شؤونها سياسيا واقتصاديا للحفاظ على نفوذها في القارة.
واتهمت المعارضة الغابونية الرئيس الفرنسي بأنه من خلال زيارته يهدف إلى إظهار التأييد للرئيس علي بونغو، فيما تستعد الغابون لتنظيم انتخابات، لكنّ ماكرون أضاف "لم آت لتنصيب أي شخص. لقد جئت فقط لإظهار صداقتي واحترامي لبلد وشعب شقيق".
وكان ماكرون قال في باريس الاثنين إنّ عصر الحديقة الخلفية لفرنسا في غرب إفريقيا انتهى، ودعا إلى شراكات جديدة في القارة بعيدا عن العلاقات المبهمة وعن دعم القادة الحاليين.
وأسوة بقمة الحفاظ على الغابات الاستوائية التي نظمتها فرنسا والغابون الأربعاء والخميس في ليبرفيل، كرر ماكرون رغبته في "بناء شراكة متوازنة" و"العمل على القضايا المشتركة" مع بلدان القارة، سواء تعلق ذلك بالمناخ والتنوع البيولوجي أو التحديات الاقتصادية والصناعية للقرن الحادي والعشرين.
كما أكد أن إعادة تنظيم انتشار القوات الفرنسية في إفريقيا الذي تحدث عنه الاثنين لا تشكل "لا انسحابا ولا فك ارتباط".
وقال للجالية الفرنسية "إنها ليست مسألة انسحاب أو فك ارتباط بل هي عملية تكييف" عبر إعادة تحديد "احتياجات" الدول الشريكة وتقديم "مزيد من التعاون والتدريب".
وشدّد على أنّه "من الواضح جدا أن الاحتياجات موجودة"، مشيرا إلى حوادث القرصنة البحرية في خليج غينيا والتنقيب غير الشرعي عن الذهب وجرائم "الاتجار بالمخدرات" التي تغذيها "حركة إرهابية تنشط أيضا في منطقة بحيرة تشاد"، في إشارة إلى تنظيمي بوكو حرام والدولة الإسلامية في غرب إفريقيا.
وتتعلّق إعادة التنظيم بالقواعد الفرنسية في ليبرفيل وأبيدجان وداكار، لكنها لا تشمل القاعدة الموجودة في جيبوتي التي تتولى مهاما أكثر ارتباطا بالشراكات في المحيط الهندي.
وأوضح الرئيس الفرنسي أن ذلك يعني "وجود المزيد من العسكريين الإقليميين في قواعدنا وبالتالي المساهمة في إدارة هذه القواعد".
ولفت وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو إلى أن الجيش الفرنسي سيدرب المزيد من الضباط الأفارقة في فرنسا وكذلك في إفريقيا، مع تقليل عديد القوات الفرنسية العاملة في القارة. وقال إن التنظيم الجديد سيبدأ بحلول 14 يوليو/تموز.
تعليقات الزوار
لا تعليقات