يشكل الوضع الاقتصادي مسألة دائمة في كل نظام في مصر في ضوء التحديات الهائلة – عدد متزايد للسكان، وقلة مصادر دخل، وسياسة اقتصادية تخفق في تحقيق إصلاحات حيوية. الوضع تفاقم في السنوات الأخيرة عقب أزمة كورونا والحرب في أوكرانيا. تصدير الغاز من مصر وإن ازداد ووصل إلى كميات ذروة بل وبيع بأسعار عالية، لكنه لا يكفي لمواجهة النفقات الهائلة. مؤخراً، احتدم الوضع بشكل باتت تصدر أصواتاً تحذر من احتمالات انعدام القدرة على تسديد الديون.
المعطيات الاقتصادية لجيراننا من الجنوب مقلقة للغاية. فالدين القومي يصل إلى أكثر من 220 مليار دولار، منها نحو 155 ملياراً دين خارجي؛ نصف ميزانية الدولة مخصصة لتسديد الديون؛ والجنيه المصري فقد قرابة نصف قيمته وبلغت قيمته في محيط 30 – 32 جنيهاً للدولار. تعتمد مصر بشكل تقليدي على القروض من صندوق النقد وعلى الدعم من دول الخليج مع التشديد على السعودية والإمارات. وهذه تقدم من خلال إيداعات مكثفة في مصر تحسن ميزان المدفوعات وصندوق الدولة وإعطاء ضمانات للقروض من مؤسسات دولة. ويستند الدعم إلى أهمية مصر في الاستقرار الإقليمي وإلى أن حكم السيسي يقف صامداً في وجه الإسلام السياسي.
لا تزال هذه المصالح على حالها. ورغم ذلك، يمكن مؤخراً الإحساس بتلميحات من أنه قد يكون طرأ تغيير في نهج دول الخليج. فقط قال وزير المالية السعودي في أثناء المؤتمر الاقتصادي في دافوس إنهم درجوا في الماضي على المساعدة بالمنح والإيداعات بدون شروط، أما الآن فيعملون مع مؤسسات تمويل دولية ترغب في رؤية إصلاحات. وثارت علائم مقلقة أخرى في ضوء غياب السعودية والكويت عن اجتماع طوارئ بادرت إليه الإمارات في منتصف كانون الثاني كان يستهدف فحص السبل لمساعدة مصر والأردن.
وثمة تفسيرات أخرى أعطت تعبيراً مقلقاً وصادماً للأزمة الاقتصادية في مصر. فقد وقف د. خليل العناني في مقال بعنوان “هل يهجر زعماء دول الخليج مصر؟” على مصالح دول الخليج لدعم الحكم المصري، لكنه تساءل فيما إذا كان هؤلاء يشككون بقدرة السيسي على التصدي للوضع. إضافة إلى ذلك، عدد المشاريع الكبرى التي يتصدرها كبناء مدينة العاصمة الإدارية الجديدة والسيطرة المتعمقة للجيش على الاقتصاد المصري.
وثمة عنوان آخر بهذه الصيغة في الموقع اللبناني “دراج” تساءل إذا كان “التاريخ يكرر نفسه” بل وقارن ديون مصر في عهد السيسي مع ديون الخديوي إسماعيل (!)، الذي حكم مصر في القرن التاسع عشر وخلف ديوناً جسيمة ضاعفت التعلق بالإمبراطورية البريطانية (مقارنة تاريخية غير مجزية، ذات تداعيات إشكالية).
ينبغي فهم أن نبرة النقد بمثابة دعوة صحوة لضرورة إصلاحات واجبة. صحيح أنه قلقاً من الآثار الإشكالية على الساحة الداخلية بات هو السائد الآن، لكن يبدو أن التوقعات بسلوك مختلف من جانب الحكم المصري تتعزز.
بالنسبة لإسرائيل، فهذه مصلحة استراتيجية من الدرجة الأولى؛ أن يكون استقرار مصر مضموناً وكذا استمرار السياسة المصرية المسؤولة التي تتخذ استراتيجية إقليمية مشتركة في وجه التحديات القائمة. في السنوات الماضية، تعمق لقاء المصالح الاستراتيجية بين الدولتين، وكذا الثقة بين الزعامتين دون صلة بهوية الحكومة. وهذه تجد تعبيرها حيال قطاع غزة، وفي شرق البحر المتوسط، وحيال السياسة الخارجية العدوانية الإيرانية.
إسرائيل ملزمة بأن تتأكد حيال الساحة الإقليمية والدولية بأن أهمية الحفاظ على الاستقرار في مصر تبقى على حالها، وذلك بالتعاون في مجال الطاقة وتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، الذي يشكل أحد القنوات الأساس لمداخيل الصندوق المصري، وهذه أمور مهمة أكثر من أي وقت مضى في الظروف الحالية.
صحيح أن ليس بوسع إسرائيل أن تؤثر على شكل السلوك المصري في الداخل، لكنها ملزمة باتخاذ سياسة خارجية مسؤولة لا تؤدي إلى تصعيد إقليمي، وأساساً في الساحة الفلسطينية التي تؤدي فيها مصر والأردن دوراً مهماً للغاية. تشهد على ذلك لقاءات رئيسي المخابرات المصرية والأردنية مع أبو مازن بالتوازي مع زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى المنطقة.
بقلم: ميخائيل هراري
تعليقات الزوار
لا تعليقات