في الجلسة العمومية الشهرية، المنعقدة يوم الثلاثاء 10 يناير 2023 بمجلس المستشارين، ردّ عزيز أخنوش رئيس الحكومة المغربية على مداخلات الفرق البرلمانية التي تمحورت حول تفعيل ورش التغطية الصحية والاجتماعية بالمملكة، فقال إن التحدي الأساسي اليوم أمام إصلاح قطاع الصحة يتعلق بتوفير الموارد البشرية اللازمة في ظل الخصاص الكبير المسجل، والذي يشكل -حسب رأيه- تحديا كبيرا أمام حكومته. وبهذا الصدد أكد أن الوزارة المعنية ستعمل على توسيع عرض التكوين في المجال الصحي لرفع عدد الخريجين، وذلك من خلال رفع عدد المقاعد بكليات الطب، دون إهمال قطاع التمريض وباقي المهن الصحية.
ولتبرير هذه الظاهرة -أي الخصاص في قطاع الصحة- قال رئيس الحكومة بأن الدول المتقدمة تقوم بتفقير الدول النامية في القطاع الصحي “بالعلالي” حسب قوله، موضحا أن الدول المذكورة تستخدم الإغراء لاستقطاب الأطباء من دول مثل المغرب، وذلك بتقديم تسهيلات للهجرة مع أجور باهظة. وأكد أخنوش أن المغرب متضرر بشكل كبير من هذا الوضع، لكنه سجل أن الحكومة ستتعامل بذكاء مع هذه المعضلة.
لا أدري إن كان هذا الجواب قد لقي استحسانا أم استهجانا لدى السادة المستشارين الذين حضروا هذه الجلسة، ولا أدري إن كان أحدهم قد طلب تعقيبا على السيد الوزير ليُسائله عن الخطة الذكية والعبقرية التي ستعتمدها حكومته للحدّ من هذه المعضلة التي تستنزف الطاقات البشرية وخير شباب هذه الأمة. وإن كان من خطة ذكية فهي تلك التي تعتمدها الدول المتقدمة بإغراء الأطر الطبية للالتحاق بمستشفياتها.
وزير الصحة في حكومة أخنوش، كان واضحا، حين سئل عن سبب الأزمة التي يتخبط فيها القطاع الصحي الذي يشرف عليه، لم يتحدث لا عن الذكاء ولا العبقرية، وصف الواقع وأعطى الحلول الناجعة، حيث قال بأن الأطباء المغاربة يضطرون إلى الهجرة إلى الخارج، في غياب التحفيزات واعتبر أن قوانين الهجرة تسمح باستقطاب الأطباء، ومنحهم أجورا عالية، بينما يشتكي المغرب من النقص المهول في الموارد البشرية، لذلك علينا أن نعمل على الحد من هجرة أطباء آخرين وقال: “الإشكالية ليست في إدخال أطباء الخارج للعمل في المغرب، ولكن في الحيلولة دون هجرة أطباء المغرب، والحد من هجرتهم في ظل الإغراءات الخارجية”.
لقد سبق أن تطرقت لهذا الموضوع في عدة مقالات، أشرت فيها إلى أن المغرب يعاني من نزيف الكفاءات وهجرة الموارد البشرية المؤهلة التي تمتلك المعرفة والمهارات – ليس فقط في مجال الطب بل في مجالات تخصصية متعددة – حيث يضطر مجموعة منهم إلى مغادرة الوطن إلى البلدان المتقدمة، بسبب الصعوبات والعراقيل مثل ندرة مجالات البحث العلمي، وعدم التشجيع عليه بسبب قلة الموارد المالية المرصودة له. ولقد آن الأوان أيضا أن تقوم هذه الحكومة في التفكير في كيفية إعادة العقول والكفاءات المهاجرة إلى حضن الوطن، وأن تبحث في كيفية تفعيل مساهمتهم وأدوارهم في نقل المعرفة وتوطينها، وتنفيذ البرامج والمشاريع التي تفيد الوطن والمواطنين. لكن على شرط تهييء المحيط العلمي والذي يحفز على مواصلة البحث والتطوير وزيادة الخبرات، بالإضافة إلى وضع تحفيزات معقولة، تناسب المستوى العلمي الذي وصلوا إليه.
خطاب رئيس الحكومة، في الجلسة العمومية لهذا الشهر، كان خطابا سطحيا وإنشائيا، فيه من الوعود الكثير، دون أن يتطرق إلى الكيفية التي سينزّل بها تلك الوعود، علاوة على أنه خطاب ساذج يقدم صورة سلبية عما يجب أن تتصف به شخصية رئيس الحكومة. أحد الجامعيين علق على ما يجري في المغرب منذ تنصيب حكومة أخنوش قائلا: “الحياة السياسية تبدو باردة بل وجامدة، فلا رئيس الحكومة يصنع الحدث، ولا وزراء حكومته يستطيعون تحريك هذا الجمود، ولذلك لا شيء يغري بالمتابعة حتى الآن” وإذا أضفنا إلى ذلك وجود معارضة برلمانية ضعيفة وغير منسجمة، يتسم خطابها هي الأخرى بالسطحية ويفتقد إلى عوامل التأثير، فإن ذلك يبعث على القلق، وينذر بعواقب وخيمة على المشهد السياسي برمته، وبانعكاسه على المجتمع كذلك.
فلاش: إن أصعب قرار يتخذه الإنسان هو قرار الهجرة، وإن أتعس لحظة في حياته هي حين يضطرّ إلى فراق أهله وأحبّائه، وإن أسوأ مرحلة تاريخية في عمر ذلك الإنسان، وفي تاريخ وطنه هي اللحظة التي تُغلق فيها كل المنافذ وكل الخيارات ولا يجد أمامه من مخرج سوى باب الهجرة، أملا في أرض تستقبله وتوفر له شروطا لإقامة وحياة أفضل. لكن بالمقابل ليس هناك عاقل يجعل من الهجرة والاغتراب هواية له ولأسرته ولأطفاله، فمهما طالت الغربة فلا بديل عن الوطن. وكل الطيور مهما طال اغترابها تؤوب إلى وُكناتها. لذلك فالبروفيسور عبد الجبار الأندلوسي وأمثاله، سيعودون يوما إلى أرض الوطن مرفوعي الرأس والجبين، وبريق الأمل في عيونهم اللامعة، تحت الشمس الساطعة، والسماء الزرقاء مع طيور الحرية. عندها تنزاح الهموم والأحزان، ويرحل كل الفاسدين، ويتحرّر الوطن.
تعليقات الزوار
لا تعليقات