القارئ "بهلول بهلول"، ترك تعليقا غاية في الدقة، في عمود أمس، المعنون، "نشر العلم عن طريق الجهلة!؟"،حين قال لي:"الله يرحمك وأنت حي"!
لا يا سي "بهلول بهلول"، أنا أحسُ بأن الله عز وجل لن يرحمني حين أموت، فكيف يرحمُني وأنا حي؟! أنا أستحي من الله، لأنني لم أقم بواجبي كما ينبغي، لتخليص بلدي مما هو فيه، وأضعت شبابي فيما أضعته فيه! وهأنذا، أعيش ميتا كالبعير الأجرب، وأنا أرى بلدي العزيز يموت ببطئ! هل يمكنني تصديق القارئ "بهلول بهلول"،وأقول على نفسي أنني فعلا حي،وتجوز فيَّ الرحمة؟! والحال أنني ميت في مقبرة إعلامية تسمى الجزائر الجديدة!؟ وموتي حيا، هو جزء من موت بلدي!؟
منذ سنة، وضعت آخر حفنة تراب على قبر المرحومة "أم نديم"، وكانت الدمعة تستمد حرارتها من خيبتي في هذه الحياة! إذ كيف تموت "أم نديم" بسكتة قلبية مفاجئة،وابنها نديم بروفيسور في طب القلب، والشرايين،ولا يعرف ذلك؟!
هذه مرارة تعكس خيبتي في الحياة، والتي هي جزء من خيبة هذا البلد الذي يسمح بهروب 22ألف طبيب في فرنسا، وأهلهم يموتون بمختلف أنواع الأسقام، والعلل؟!
إن كنت لأنسى خيبتي في هذا المجال، لن أنسى ذلك اليوم الذي دخلت فيه على غفلة إلى المطبخ، ودون أن تحس بي "أم نديم"، وجدتها تغني تلك الأغنية الحزينة من تراثنا، وهي عصارة تلخص محنة هذا البلد، وكانت تنشد:"يا ربي سيدي..واش عملت أنا بوليدي..ربيتو بيدي، واداتو فرنسا الرومية"! وكان ذلك يوم عودتي من المطار، وقد أوصلت نديم إبني إلى المطار، ليغادر البلد، مهاجرا إلى فرنسا!
أليس حالي اليوم مع من يحكم البلاد، ينطبق أو ربما يفوق حال الذي كتب كلمات هذه الأغنية الحزينة، قبل أكثر من 80 سنة؟! فقد خط كلماتها، وهو يعيش في براثن الاستعمار، مع الكولون، الذين جعلوا من الجزائر بلدا ميتا بالحياة، تماما مثلما تفعل سلطة البلاد اليوم!؟
لا تقولوا لي أننا غير مسؤولين كشعب، وكنخب، عن محنة هجرة الأدمغة ،بينهم 22 ألف طبيب في فرنسا، وألاف الإطارات والمهندسين، والعلماء في شتى المجالات، وفي كل المعمورة، غادروا الجزائر، مثلهم مثل مئات الآلاف من الحراقة الذين ماتوا غرقا، أو ماتوا في ظروف غامضة في بلاد الغربة!؟
صحيح أن الأعمار بيد الله، لكن إبني يحس بالتقصير اتجاه والدته المرحومة، لذلك يجلس بالساعات عند قبرها، حين يأتي إلى الجزائر لزيارتنا، وأضطر للذهاب لإحضاره، وأنا أواسيه في همه!
نعم السلطة الحاكمة هي المسؤولة عن مأساة عائلتي، عندما دفعت ابني وغيره لمغادرة الجزائر، ومسؤولة أيضا عندما عرقلت عودته بعد انهاء دراسته، حيث فرضت عليه،الانتظار سنتين، لمعادلة شهادته الجامعية كبروفيسور مختص في جراحة القلب والشرايين!؟ ولكم أن تتصوروا كيف يعكف "الجهلة" على تقييم شهادة في الطب، تمنح من قبل أكبر أساتذة الطب في دولة، تعتبر الثانية عالمية في العلوم الطبية!؟ وفوق هذا وذاك، يقوم الحكام بضرب الأطباء بالهراوات في الشوارع،حتى يسيل دمهم!
أنصح السلطة القائمة بمنعي من مغادرة البلاد، لأنني إذا غادرت، سأقول فيها هذه المرة أكثر مما قاله مالك في الخمر!؟
سعد بوعقبة
تعليقات الزوار
لا تعليقات