أسال تعديل المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري الكثير من الحبر من أزيد من عامٍ ونصف، أين طالب سياسيون وحقوقيون بالتراجع عنها لِما خلّفته من حبس ومتابعة نشطاء ومناضيلين وحتى صحفيين بجناية الإرهاب.
ووجّهت منظمات حقوقية غير حكومية وأممية الكثير من الانتقادات للسلطات الجزائرية على رأسها وزارة العدل بالتراجع عن هذه المادة وعن ملاحقة الأشخاص بجناية الإرهاب بغرض قمع الأصوات المعارضة.
والملاحظ أنّ السلطات الجزائرية بدأت تستجيب للأصوات المنادية بالكف عن إيداع المواطنين والمواطنات المؤسسات العقابية بتهم جنايات تتعلّق بالمادة 87 مكرر، إلّا أنّ الاعتقالات متواصلة وتوجيه تهم « الحراك » كذلك.
إسقاط تهم الإرهاب عن أوّل ملف « 87 مكرر »
برّأت محاكم جزائرية في الآونة الأخيرة، عديد النشطاء من جناية الإرهاب التي نصّت عليها المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، فيما أمرت محاكمٌ أيضًا بانتفاء وجه الدعوى في عدد من الملفات التي يتابع أصحابها بمثل هذه الجناية.
وبرّأت محكمة الجنايات بالجار البيضاء، أمس الأربعاء، الصحفي والناشط الحقوقي حسان بوراس، من تهم الإرهاب التي وُجّهت له في حين أدانته في جنح أخرى.
وكانت الغرفة الخامسة للقطب الجزائي المتخصص لدى محكمة سيدي امحمد، قد أمرت بانتفاء وجه الدعوى للصحفيين سعيد بودور وجميلة لوكيل ونائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان قدور شويشة والناشط مصطفى قيرة، في القضية المتعلقة بالإرهاب التي تعود حيثياتها إلى 23 أفريل 2021 ويُعدّ أوّل ملف يتابعُ فيه نشطاء بالمادة 87 مكرر التي أثارت الكثير من الجدل داخل وخارج الجزائر.
كرونولوجيا إسقاط تهم الإرهاب
في جوان 2022، برّأت المحكمة الجنائية لولاية تبسة المحامي عبد الرؤوف أرسلان والنشطاء عزيز بكاكرية ورضوان حاميدي وعزالدين منصوري من جناية الانضمام لحركة « رشاد » التي تصنّفها السلطات على لائحة الإرهاب، في حين أدانتهم بالسجن 3 سنوات منها اثنتين سجنا غير نافذ في قضايا أخرى (جنح).
لتنحو محاكم أخرى في نفس المنوال من خلال تبرئة النشطاء من تهم الإرهاب وإدانتهم في جنح « كلاسيكية » وُجّهت لآلاف الأشخاص خلال مسيرات الحراك وبعدها مثل التجمهر غير المسلح، التحريض على التجمهر غير المسلّح، منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية، المساس بالوحدة الوطنية وما شابه ذلك.
ففي سبتمبر 2022، برّأت محكمة سيدي امحمد النشطاء حساني رمضان وكمال واحسن من جناية الإرهاب المتعلّقة بالمادة 87 مكرر.
وفي أكتوبر 2022، استفاد الناشط الهادي لعسولي ومن معه في الملف المعروف بـ « التضامن مع المعتقلين » من تهم الجنايات في محاكمة تاريخية بمحكمة الجنايات بالدار البيضاء، كما برّأت ذات المحكمة في نفس اليوم الصحفي محمد مولوج من الجنايات التي كان متابعًا بها.
وفي نفس الشهر من العام الجاري برّأت محكمة الجنايات للدار البيضاء المعتقلين إسلام طبوش، رؤوف موساوي، مراد هاشمي، هشام غامس، مصطفى قيرة، مهدي ميلاس، مهدي طلحي من تهم الإرهاب وأدانتهم في جنحٍ أخرى.
وفي نوفمبر المنصرم، برّأت محكمة الجنايات الابتدائية للدار البيضاء النشطاء الطاهر بوتاش، وليد مزغيش، محمد شريف مناع، لمين ترودي، وسفيان دهامشي، من تهم الإرهاب وأدانتهم في جنح أخرى، كما بّرأت ذات المحكمة في نفس الفترة المعتقل خلاف أيت شبيب من تهم الإرهاب وأدانته بثلاث سنوات حبس نافذة عن جنح المساس بالوحدة الوطنية، نشر منشورات من شأنها المساس بالمصلحة الوطنية.
وفي نفس الفترة، أسقطت محكمة سيدي امحمد الابتدائية، جميع التهم الجنائية والجزائية الموجهة للصحفي إحسان القاضي في قضية الناشط زكرياء حناش، الأخير الذي أُسقطت كذلك في حقّه التهم الجنائية وبقي متابعًا بالتهم الجزائية.
الإبقاء على تهم الإرهاب لـ زيطوط، دهينة ومهني
وأبقت ذات المحاكم على تهم الجنايات وسلّطت عقوباتٍ ثقيلة ضدّ ما يُعرف بـ « معارضي الخارج » المتابعين في نفس ملفات النشطاء ومعتقلي الرأي في المقيمين في الجزائر، على غرار العربي زيطوط، مراد دهينة أحد مؤسسي حركة رشاد التي تصنفها الجزائر « إرهابية »، وفرحات مهني مؤسس حركة الـ « ماك » التي تُصنفها الجزائر هي الأخرى « إرهابية ».
وكانت السلطات الجزائرية قد أدرجت تلك الأسماء ضمن قائمة الأشخاص والكيانات الإرهابية في الجزائر، في مارس 2022.
ويُسلّط القضاء في الجزائر أقصى العقوبات ضدّ المتابعين قضائيًا المتواجدين في حالة فرار أو الغائبين عن المحاكمات.
الإدانات وحبس النشطاء بالمادة 87 مكرر متواصلة
في نفس الوقت، تبقى المتابعات القضائية وسجن نشطاء بعد توجيه جناية الإرهاب متواصلة في الجزائر، ففي نوفمبر المنصرم اعتقلت مصالح أمنة لاية غليزان الناشط محمد خضراوي وتمّ إيداعه رهن الحبس المؤقت قيد التحقيق بعد توجيه بتهم جنائية له تتعلق بالمادة 87 مكرر من قانون العقوبات.
وفي 29 نوفمبر المنصرم، أدانت محكمة الجنايات الابتدائية لبجاية الرسام الكاريكاتوري غيلاس عينوش، بالسجن 10 سنوات حبسًا نافذة غيابيا عن جناية « الإشادة بأعمالٍ إرهابية » حسب نص المادة 87 مكرر.
الطبقة السياسية والعائلة الحقوقية طالبت بإسقاط المادة 87 مكرر منذ تعديلها
وصدر في الجريدة الرسمية، بتاريخ 10 جوان 2021 أمر يتضمن تعديل الأمر رقم 66-156 المؤرخ في 8 جوان 1966 المتضمن قانون العقوبات، الذي تمّ بموجبه استحداث قائمة وطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية.
وفي الجزائر، أبدت الطبقة السياسية والحقوقيون والنشطاء عن مخاوفٍ وقلق منذ تعديل المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، معتبرين أنها وُضعت ضد الحريات التي أصبحت رهينة هذه المادة.
كما طالبت الطبقة السياسية والعائلة الحقوقية في الجزائر بإلغاء العديد من التعديلات الاخيرة للقانون، بما في ذلك الإقرار بعدم دستورية المادة 87 مكرر من قانون العقوبات.
منظمات أممية وغير حقوقية انتقدت المادة 87 مكرر والجزائر تبرّر
وفي أوت 2022، انتقد ممثلو المجتمع المدني وحقوق الإنسان الجزائريون المشاركون في الجلسة التمهيدية رقم ـ41 للاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان بجنيف، المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، مشددين أنّ استخدام تهم الإرهاب التي لا أساس لها ضد المعارضة السلمية أصبح أمرًا طبيعيًا في الجزائر، في حين أنّ المادة غامضة من حيث اللغة والمصطلحات ».
وفي نوفمبر المنصرم، ردّ وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي من جنيف على الانتقادات اللاذعة التي خلّفها تعديل المادة 87 مكرر من قانون العقوبات ووصفته هيئة الأمم بالتعريف « الفضفاض » و « المُخالف لتعريف مجلس الأمن الدولي » وقراراته.
وقال طبي إن « المادة 87 مُكرر تبقى مُوجودة في قانون العقوبات وتُجرم أفعال مُعينة تعتبرها أفعال إرهابية، تُحرك دعواها العمومية النيابة بناءا على قرائن، ولكن القضاء يبقى صَاحب الدعوى في الجزائر يتمتع باستقلالية تامة من خلال المجلس الأعلى للقضاء، فالقاضي يُدين أو يُبرىء أو يُسقط التهم أو الحكم أصلا بالبراءة وهو ما حدث عدة مرات عملاً بمبدئين أساسيين تعمل بهما التشريعات الجزائرية وكل التشريعات وهما توفُر شُروط المُحاكمة العادلة و الحق في الدفاع ».
أحزاب وحقوقيون رحّبوا بإسقاط تهم الإرهاب عن المعتقلين ولكن ..
ورحّبت أحزابٌ سياسية وحقوقيون بإسقاط تهم الإرهاب التي نصت عليها المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، على نشطاء ومعتقلي رأي.
إلّا أنّ مطالب إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والكف عن تجريم العمل السياسي والنقابي والجمعوي واحترام حقوق الإنسان والحريات لا تزال مرفوعةً في الجزائر.
ويتواجد أزيد من 200 معتقل رأي في مختلف المؤسسات العقابية بالجزائر، إلى جانب مئات المتابعين قضائيًا بسبب آرائهم السياسية أو عملهم السياسي أو الجمعوي أو النقابي.
تعليقات الزوار
لا تعليقات