الصيف لا يريد مغادرة المغرب هذا العام، حتى ونحن في شهر نوفمبر الذي يكون عادة باردًا برودة خطاب السّاسَة الحاليين.
بعض الأقلام الماكرة أو المغرضة ـ لا فرق ـ تقول إن الحكومة طبّقت الزيادة في كل شيء، حتى في مدة فصل الصيف، ففاق الثلاثة شهور المعتادة!
وفي مدينة مراكش، نسي الناس حرارة الطقس، كما نسوا الزيادات المهولة في أثمان المواد الاستهلاكية، وذهبوا لملاقاة نجوم الفن السابع.
بالنسبة لقبيلة الإعلاميين، مَن لم «يحجّ» هذه الأيام إلى المهرجان الدولي للسينما في «المدينة الحمراء» فكما لو أنه أضاع نصف عمره. ومن لم يظفر بحوار مع أحد النجوم الضيوف فقد أضاع العمر كله.
وبالنسبة للفنانات والفنانين المغاربة، فهي فرصة للمرور عبر البساط الأحمر تحت الأضواء القوية، والتنافس على إظهار الأزياء الجديدة، سواء كانت مشتراة أو مستأجرة. وتتزاحم مناكب المصوّرين لتصويرهم، فيما يسألهم مبعوثو القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية بلهفة عن سرّ اختيار هذا اللباس بعينه، وعن المصممة التي اقترحته، وعن نوع التسريحة والماكياج وهلم جرا… ولم يبق لهم سوى أن يستفسروهم عن طبيعة الحمية التي اتبعوها من أجل التخلص من الوزن الزائد لدى بعض الفنانات!
وبلغ الحماس بممثلة مغمورة أن قالت إن اللباس الذي ترتديه (وهو بالمناسبة مجرد كومة ثوب عشوائية) يبلغ ثمنه 30 مليون (أي زهاء 30 ألف دولار). وكأنّها شعرت بأن لا أحد سيصدقها، سارعت إلى ختم تصريحها مُقسِمةً بأغلظ الأيمان: «وحقّ الرب»!
على كل حال، نقطة حسنة سُجّلت بالنسبة للعديد من الممثلات المغربيات، تتمثل في كونهن حرصن على ارتداء اللباس المغربي التقليدي (القفطان) تكريسًا للهوية ولجمالية الزي المحلي. في حين اختارت أخريات التغريد خارج السرب، بالظهور المثير من خلال ألبسة تكشف أكثر مما تستر!
وللمصادفة العجيبة ـ بما أننا «كُلّنا في الهم شرق» كما قال الشاعر أحمد شوقي ـ أن هذا المشهد تزامن مع ما وقع في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث اختارت فنانات مصريات التمرد على التعليمات التي أصدرها رئيس الدورة، الفنان النجم حسين فهمي، بشأن «دْرِيسْ كُودْ».
المسكين طلب مسبقًا ممّن يمرّون على البساط الأحمر ارتداء ملابس «شِيكْ» تليق بقيمة التظاهرة السينمائية وبسمعتها العالمية، لكن ممثلات بعينهنّ كان لهنّ رأيٌ مخالف، أو بالأحرى فهم خاص لتوجيهات «بْرِنْس» الشاشة العربية، حيث ظهرن بفساتين شفافة وفاضحة وغريبة.
ألم يقولوا: إن بعض الفنون جنون؟ أم هي مسألة حرية لا غير؟!
الكلام الصريح على لسان البرلماني الفصيح!
هو برلماني من طينة خاصة، اشتهر بأنه كان لا يتوانى في جلد الحكومة السابقة، زمن «الإسلاميين» الذي جاء بهم «الربيع العربي» وحراك «20 فبراير» في المغرب. ولكنه التزم الصمت تحت قبّة البرلمان، بمجرد أن صار لحزبه نصيب مُعتبر من «الكعكة» الحكومية في انتخابات سبتمبر 2021!
البعض أطلق التساؤلات والتكهنات حول خلود «هشام المهاجري»، برلماني شيشاوة (القريبة من مدينة مراكش) للصمت عن الكلام المباح، إلى أن فاجأ الجميع منذ أيام قلائل، مُوجّهًا سهام النقد المباشرة والصريحة إلى الحكومة وإلى رئيسها تحديدًا، رجل المال والأعمال، عزيز أخنوش. كلام بثه التلفزيون على الهواء خلال النقل المباشر لجلسات البرلمان، وتناقلته شبكات التواصل الاجتماعي، طمعًا في نيل «أجر» ترويج المعلومة والموقف!
وكما تساءل الناس من قبل عن سر صمت البرلماني المذكور، تساءلوا أيضا ـ متعجّبين ـ عن سبب خروجه عن إجماع الأغلبية وميثاقها «الغليظ» وعن «التضامن الحكومي» بين الأحزاب الثلاثة (التجمع، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال)، وإطلاقه المفرقعات التي أذهلت البرلمانيين، أغلبية ومعارضة، فصاروا وكأنّ على رؤوسهم الطير، لا يدرون: أيصفقّون للرجل، وقد نطق بما لا يقوون على الجهر به، أم يحتجّون عليه لكونه «فرقع الرمّانة»، حسب التعبير الدارج؟!
وحدهم المواطنون، الناس «الغلاَبة» المقهورون بالزيادات الصاروخية في أثمان المواد الاستهلاكية، مَن وجدوا في كلام البرلماني «المهاجري» ضالّتهم، إذ أشفى غليلهم. لمَ لا، وقد استنكر غياب رئيس الحكومة عن جلسة مناقشة الجزء الثاني من مشروع الموازنة العامة؟
كما رفض البرلماني نفسه أن يجاري بعض نواب المعارضة في التعامل بلغة دبلوماسية مُهادنة ومجامِلة خلال انتقاد غياب عزيز أخنوش عن البرلمان، بالقول إنهم اشتاقوا لرؤيته، وإنه بمثابة الأب بالنسبة لهم!
المهاجري قال حاسمًا: «لديّ أب واحد وقد توفي إلى رحمة الله. وهناك أب ثانٍ لي وأب المغاربة جميعا هو الملك محمد السادس نصره الله.»
وما إن استفاق «إخوته» في قيادة حزب «الأصالة والمعاصرة» من هول صدمة تلك التصريحات المفاجئة، حتى «أجمعوا أمرهم عشاءً فلمّا… أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء»، على حد قول الشاعر الجاهلي الحارث بن حلزّة؛ فأصدروا بيان «تجميد» عضوية البرلماني الفصيح في الحزب، لا سيما وأن أحد الوزراء النافذين ألمح إلى أن كلام «هشام المهاجري» ليس كلامه، فقد أُوحِيَ إليه وأُمْلِيَ عليه من خارج الإجماع الحكومي.
وهي طريقة مألوفة ومعروفة تلجأ إليها عادةً حكومات العالم الثالث، بإشهار ورقة «نظرية المؤامرة» في وجه كل من يخرج عن «الجماعة»، ويكشف بعض ألغاز «اللعبة» السياسية!
أليست السياسة لدى الكثيرين، في نهاية المطاف، مجرد لعبة؟!
الإخوة/ الأعداء والاتهامات المتبادلة!
والسياسة أيضًا تفسد الودّ بين الشعوب أحيانا عديدة، ما جعل الكاتب المصري القديم مصطفى لطفي المنفلوطي يصبّ اللعنات عليها في نصه الإبداعي الشهير.
وكلما شاهدتُ حوارا تلفزيونيا يشارك فيه مغربي وجزائري إلا ولعنتُ بدوري السياسة التي تفرّق بين الشعوب والإخوة، وتذكرتُ ذلك المواطن الجزائري الذي دمعت عيناه أمامي وهو يحتضن ممثلا مغربيا في فندق بمدينة مراكش مرددا: «والله إننا نحبكم»!
أما إذا تتبعت حديث الخبراء المغاربة والجزائريين في القنوات التلفزيونية فإنك ترى شيئا عجبا؛ مثلما وقع منذ بضعة أيام على قناة «فرانس 24» العربية. بدأ الحوار راقيا هادئا حول المناورات الروسية ـ الجزائرية، ولكنه سرعان ما تحول إلى تبادل للاتهامات: الخبير المغربي تحدث عن التداخل الجغرافي والسكاني الموجود في المنطقة الحدودية بين البلدين، فردّ عليه الخبير الجزائري بالحديث عن «الصحراء المحتلة»، قبل أن يتدخل الإعلامي صاحب البرنامج بتصحيح التعبير، مشيرا إلى أن الصيغة المتعمدة في أدبيات الأمم المتحدة هي: «إقليم متنازع عليه».
وحين اعتبر الخبير المغربي أن المناورات الروسية الجزائرية تشكّل استفزازًا للرباط، بسبب أنها تجري في منطقة لا تبعد سوى بـ 80 كيلومتر عن الحدود مع المغرب؛ ردّ عليه الخبير الجزائري بأن «إسرائيل» تهدد بلاده انطلاقًا من العاصمة المغربية!
إعلامي قناة «فرانس 24» أراد أن يختم البرنامج بنبرة متفائلة، فسأل ضيفيه عن إمكانية رأب الصدع بين البلدين، ولماذا لم تطرح المسألة خلال القمة العربية الأخيرة؟ الجزائري قال إن المسألة متروكة للتاريخ، والمغربي قال إن الجزائر ترفض اليد الممدودة التي أعلنت عنها الرباط في أكثر من مرة.
انتهت الحلقة، إذنْ، بلا جواب مقنع. ولعل الكثير من المُشاهدين مثلي عاشوا الحيرة نفسها، وهم يتذكرون اللغز الوجودي المحيّر: أيهما أسبق: الدجاجة أم البيضة؟!
الطاهر الطويل
تعليقات الزوار
جواب
السلام عليكم اولا الجواب على سؤالكم عن أيهما أسبق: الدجاجة أم البيضة؟! فالجواب واضح وضوح الشمس أيهما أسبق المملكة المغربية ام الجمهورية الجزائرية ؟! فادا استوعبت السؤال سوف تجيب عن الاول
لا مجال للمقارنة
الحقيقة لا مجال للمقارنة بين الدولة المغربية ومستوطنة الكابرانات ، لا في السياسة و لا في التاريخ و لا في التفكير الاستراتيجي، المغرب ينظر بعيدا ويخططك، أما العصابة فهمها تدبير اللحظة وضمان الاستمرارية في حكم الجزائريين الذين جفت حلوقهم و هم ينادون دولة مدنية ماشي عزكرية. الديبلوماسية المغربية هادئة وفاعلة، عكس الحمامرة ومن ورائه، بلا بلا بلا "طاحونة بلا سميد" الاقتصاد المغربي متنوع وسريع التكيف مع المتغيرات "اقتصاد" الجزائر (إن كان لها اقتصاد) "دلي الدلو و اجبد بيع" (كما قال ساخرا أحد معارضي العسكر بفرنسا)، الهوية و التاريخ المغرب هارب ومتميز، الآفاق المستقبلية: اسئلوا الألمان فلهم تقرير استراتيجي في هذا الشأن ولعل جزء منه تم تسريبه مفاده ان المغرب يبتعد بسرعة كبيرة عن باقي دول المغرب الكبير.