وجهت مستويات أمنية وسياسية تركية مختلفة اتهامات للوحدات الكردية في شمال سوريا بالمشاركة في التفجير الإرهابي الذي استهدف شارع استقلال قرب ميدان تقسيم السياحي الشهير وسط إسطنبول. وهي اتهامات ولدت غضباً تركياً واسعاً تجاه ما تقول أنقرة إنه دعم أمريكي وغربي للوحدات الكردية، كما عادت إلى والواجهة مجدداً التهديدات التركية بتنفيذ عملية عسكرية جديدة شمالي سوريا.
وعقب الإعلان رسمياً عن اعتقال المتهمة بزرع القنبلة، بدأت تتكشف التفاصيل تباعاً حول هويتها وارتباطاتها التنظيمية وكيفية وصولها إلى إسطنبول، وهو ما مهد لتوجيه أصابع الاتهام إلى ما تطلق عليه تركيا “تنظيم بي كا كا- ب ي د الإرهابي”، في إشارة إلى الوحدات الكردية التي تنتشر في شمالي سوريا.
وفي مؤتمر صحافي عقده من موقع التفجير، فجر الإثنين، قال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو: “المعطيات التي جمعتها الجهات الأمنية التركية حتى الآن تشير إلى مسؤولية تنظيم PKK/PYD الإرهابي عن التفجير”. وأضاف: “لدينا تقديرات بأن أوامر الهجوم الإرهابي جاءت من عين العرب/كوباني (شمالي سوريا)، ومَن نفذ الهجوم مرّ عبر عفرين (شمالي سوريا)”، مهدداً برد واسع وقريب على الجهات المسؤولة عن تنفيذ الهجوم، مؤكداً اعتقال زارع القنبلة و21 آخرين في إطار التحقيقات المتواصلة.
وبعدما أظهرت مقاطع التقطتها كاميرات المراقبة المثبتة في المنطقة صوراً واضحة لسيدة أجمعت التحقيقات على أنها هي من وضعت القنبلة في شارع استقلال، بدأت الأجهزة الأمنية التركية بالعمل المكثف والمحدد من أجل الوصول إليها، ليتم اعتقالها بحلول منتصف الليل في منزل يبعد قرابة الساعة عن مكان التفجير.
ونشر الأمن التركي مشاهد لعملية إلقاء القبض على المنفذة، إذ أوضحت وكالة الأناضول أن وحدات مديرية أمن إسطنبول ألقت القبض على المنفذة عقب رصدها لكاميرات المراقبة في المدينة وعقب ساعات من التحري والمراقبة، إذ كانت المنفذة تختبئ في منزل بمنطقة “كوتشوك تشكميجه” وهي منطقة تبعد عن ميدان تقسيم قرابة ساعة كاملة بالسيارة، وأظهرت مقاطع فيديو المعتقلة وقد ضبطت بحوزتها مبالغ نقدية بالدولار والليرة التركية وقطع ذهبية وملابس منها تلك التي ظهرت فيها بكاميرات المراقبة في منطقة الانفجار.
وقالت وكالة الأناضول إن المعتقلة هي “أ. ا.” (23 عاماً)، تحمل الجنسية السورية وقد انتقلت إلى الأراضي التركية من منطقة عفرين التابعة لمحافظة حلب، شمالي سوريا، وعقب الإعلان عن هوية منفذة الهجوم وجنسيتها ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا بعشرات آلاف التغريدات وسط دعوات لعدم الخلط بين اللاجئين وعناصر التنظيمات الإرهابية.
وأعلنت مديرية الأمن العامة التركية في إسطنبول أنّ منفذة تفجير شارع استقلال اعترفت أثناء التحقيق بانتمائها لتنظيم “بي كي كي/ واي بي جي/ بي واي دي”، وأوضح بيان للمديرية أن “الإرهابية أحلام البشير سورية الجنسية، تلقت تدريبات لتصبح عنصر استخبارات على يد التنظيم الإرهابي شمالي سوريا”، مؤكداً تلقيها تعليمات بتنفيذ العملية من مركز التنظيم في مدينة عين العرب (كوباني) شمالي حلب السورية.
وأشار البيان إلى أنّ عملية القبض على الإرهابيين جاءت بعد فحص تسجيلات 1200 كاميرا وتوقيف 46 مشتبها في مداهمات استهدفت 21 عنوانا، وأكد أنّ “الإرهابية بعد وضعها القنبلة في شارع الاستقلال ركبت سيارة أجرة متوجهة لقضاء “أسنلر” بمدينة إسطنبول، قبل أن يتم القبض عليها في قضاء كوتشوك تشكميجه في إسطنبول عند الساعة 02:50 الإثنين. وأكد البيان أنها دخلت الأراضي التركية عبر منطقة عفرين.
وفي وقت لاحق، أعلن وزير الداخلية التركي أن منفذة الهجوم كانت تنوي الفرار إلى اليونان قبيل إلقاء القبض عليها، كما كشف عما قال إنه شخص جرى تكليفه من قبل قيادة التنظيم لتصفية منفذة الهجوم حتى لا يتم اعتقالها واعترافها بالأشخاص والجهات التي جندتها، مؤكداً اعتقال هذا العنصر الذي تلقى أوامر رسمية بقتل المنفذة، إذ رصدت الجهات الأمنية التركية اتصالات بين عناصر التنظيم.
وحول رسالة التعزية الصادرة عن سفارة واشنطن لدى أنقرة، قال صويلو: “لا نقبل ونرفض التعزية المقدمة من السفارة الأمريكية”، لافتاً إلى “قيام الولايات المتحدة بتغذية المناطق التي يحتلها التنظيم والتي تشكل بؤرا للإرهاب مثل “كوباني”، ومنطلقا للهجمات الرامية لتعكير صفو الأمن والأمان في تركيا”، مؤكداً أن “علاقة التحالف المفترضة بين تركيا ودولة ترسل الأموال للإرهابيين (الولايات المتحدة) “محل نقاش”.
واعتبر صويلو أيضاً أن “تركيا تعي جيدا الرسالة المراد إيصالها عبر الهجوم وسترد على ذلك برسالة قوية للغاية.. تركيا تدرك طبيعة التنظيم الإرهابي الذي تواجهه، وكيف ومن أين يتم تحريكه وتوجيهه”، وتابع “لا داع للتوقف كثيرا عند البيادق، الفاعل الحقيقي هو من يغذي “بي واي دي” هناك (في سوريا) ومن يعمل على تزويد “بي كي كي” بمعلومات استخباراتية”.
من جهته، قال رئيس دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية التركية فخر الدين ألطون إنّه “ينبغي على من يريد صداقة أنقرة أن يقطع الدعم المباشر وغير المباشر للإرهاب”، وأضاف “على المجتمع الدولي معرفة أنّ الهجمات الإرهابية التي تستهدف مدنيينا هي نتيجة دعم بعض الدول للإرهاب”، مشدداً على أن “الدولة التركية ستقبض على الفاعلين وستنزل بحقهم أشد العقاب”.
وأمس، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الانفجار “هجوم دنيء”، وقال في مؤتمر صحافي بإسطنبول: “سيتم كشف هوية مرتكبي هذا الهجوم الدنيء. ليتأكد شعبنا أننا سنعاقب المنفذين“، وأضاف: “مساعي التحكّم بتركيا وشعبها عبر الإرهاب لم ولن تحقق هدفها.. أترحم على إخواننا الذين توفوا جراء التفجير في شارع الاستقلال وأتمنى الشفاء العاجل للمصابين”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات