وقائع و حقائق المشهد السياسي و الاقتصادي العالمي تدّلُ على ما يعنيه العنوان .ولكن قبلَ طرح الوقائع و الحقائق الدّالة ،دعونا نذكرُ ، ولو بعناوين ،الاسباب التي جعلت المسار الامريكي على سكّة خسارة النفوذ السياسي و نهاية هيمنة الدولار . أنتشرَ و شّلَ داء الغرور و الاستكبار عقل الادارات الامريكية المتعاقبة ،منذ تسعينيات القرن الماضي ، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، فلمْ تعّرْ الادارات الامريكية المتعاقبة ايّ اعتبار للآخر و للقيم : انتهكت القوانين الدولية وسيادة دول وحقوق الشعوب ،وشّنت حروب غير شرعيّة و غير قانونية و فرضت الحصار والعقوبات غير الانسانية على اكثر من دولة ، و وظّفت الارهاب وبأبشع صورهِ ، تعاملت مع الاصدقاء والحلفاء بأسلوب الابتزاز والاستخفاف . بأختصار لمْ تقمْ أمريكا للحق و للعدالة ايّ اعتبار .
تعاملت امريكا ، و لاتزال ، مع الملفّات السياسية و الاقتصادية وغيرهما ، وخاصة تجاه منطقة الشرق الاوسط ، وفقاً لما تُمليه مصالح الصهيونية واسرائيل وشركات السلاح ، وليس وفقاً لما تُمليه مصلحة الشعب الامريكي . كرّستْ امريكا اكثر من اربعة عقود من الزمن في تمويل حروبها و غزواتها ، و اغتنمت الصين هذه الفترة في البناء وتعزيز القدرات الاقتصادية و العسكرية و السياسيّة ، ومن الطبيعي أن يجني كل طرف ثمار عمله ،فحصدت الصين القوة الاقتصادية و المالية و النفوذ ، وخسرت امريكا كثيراً من المكانة والنفوذ السياسي ، وتخسر قريباً هيمنة الدولار .
من الوقائع التي تُظهر امريكا وهي على سكّة فقدان هيمنتها السياسية هو خروج اصدقائها وحلفائها مِنْ علاقة الاذعان وقبول المفروض ، أصبحَ بمقدورهم التحدّي و اتخاذ قرارات او تبني تصريحات تُزعج امريكا وترفض املاءاتها المباشرة او غير المباشرة .
لم يتردّد الرئيس الفرنسي بتبني تصريحات هجوميّة على الادارة الامريكية بسبب حرب اوكرانيا وارتفاع اسعار بيع الطاقة و أتباع معايير مزدوجة ، خلال مؤتمره الصحفي الذي اجراه في بروكسل ،على هامش قمّة الاتحاد الاوربي التي انعقدت بتاريخ ٢٠٢٢/١٠/٢٠ .
وفي وقت سابق ،حذّر وزير الاقتصاد الفرنسي من محاولة واشنطن بفرض هيمنة اقتصادية على اوربا ، من خلال اضعاف اوربا ،عبر الحرب في اوكرانيا،. وعبر بيعها الغاز المُسال لنا بأربعة اضعاف سعر البيع في امريكا .
وقد يكون قرار المملكة العربية السعودية بتخفيض انتاج النفط بمقدار ٢ مليون برميل يومياً اكثرُ من ايّ موقف آخر موجعاً للأدارة الامريكية ، و عبّرت الادارة الامريكية ، وبصراحة ،عن امتعاضها و دهشتها من موقف المملكة .
مضتْ المملكة قُدماً في التفكير و التعبير بما تراه مناسباً لمصالحها الاقتصادية ،دون اكتراث بما سيكون عليه موقف امريكا ،فقد عبّرت المملكة عن رغبتها للانضمام الى ” تكتّل بريكست ” ، والذي يضمُ روسيا و الصين والهند ودول اخرى من امريكا اللاتينية وافريقيا و اوربا ، وهذا ما قاله رئيس جنوب افريقيا ، ونقلاً عن ولي العهد الامير محمد بن سلمان .( صحيفة رأي اليوم الاكترونية ،عبد الباري عطوان ،٢٠٢٢/١٠/٢٤ ) .
انضمام المملكة الى هذا التحالف يصّبُ بالتأكيد في مصلحتها الاقتصادية و السياسيّة ، والاسباب معروفة فهو تحالف لاكبر كتلة بشرية و اقتصادية ونفطيّة ،وخاصة عند انضمام ايران ايضاً ، وبقيادة التحالف دولتان كبرى و ذات عضويّة دائمة في مجلس الامن ، وذات وفاء و التزام تجاه الحلفاء و الاصدقاء ، وموقف روسيا تجاه سوريا ، ودعم روسيا العسكري والسياسي لسوريا ( في مجلس الامن ) خير شاهد .
امريكا تدرك التبعات الاقتصادية و السياسيّة لانضمام المملكة لتحالف بريكست : انضمام المملكة سيعزّز التحالف اقتصادياً و نقدياً ،اي سيعزّز القوى التي ستجرّد امريكا نفوذها السياسي و سلطة الدولار ،خاصة اذا نجحت دول البريكست بأستخدام العملة الوطنية في تبادلاتها التجارية .
هل ستتحمّل امريكا ارتدادات الحرب الاوكرانية العسكرية و الاقتصادية عليها وعلى الشعب الاوربي ،الذي لن يتوقف عن التظاهر و الاحتجاج و رفع الاعلام الروسيّة ؟
هل ستتحمّل امريكا تكرار وحّدة تصريحات رؤساء الدول الاوربية ( وخاصة فرنسا والمانيا ) تجاه توريطهم في حرب اوكرانيا ؟
هل ستتحمل امريكا نهوض المملكة العربية السعودية ،لاجل مصالحها ، و استدارتها نحو حلفاء آسيوييين جُددْ و اقوياء ، وليس على وفاق مع امريكا ؟
تعليقات الزوار
لا تعليقات