أخبار عاجلة

لمن كل هذه الفنادق التي تبنى في الجزائر؟

من يتجول في العاصمة الجزائرية والكثير من المدن الأخرى في السنوات الأخيرة، سيلاحظ مشاريع البناء للكثير من الفنادق. استثمارات يقوم بها بالدرجة الأولى القطاع الخاص الوطني، الذي يبدو متفائلا جدا بمستقبل قطاع السياحة في الجزائر، رغم كل ما يقال حول هذا النشاط الذي أهملته استراتيجية التنمية الوطنية منذ البدايات الأولى للاستقلال، ولم تعول عليه لا كمجال للتوظيف ولا لجذب العملة الصعبة للبلد، هي التي اكتفت بما يدره عليها قطاع المحروقات، فكان أن أهملت كل القطاعات الأخرى على غرار السياحة والزراعة، جعلت الجزائر لا تحتل المكانة التي تؤهلها لها إمكانياتها الطبيعية في ميدان جذب السياح الأجانب. على غرار ما تقوم به بلدان المنطقة المغاربية الأخرى.
أعود للكلام عن موضوع السياحة، في وقت بدأت فيه بعض المؤشرات المحتشمة جدا عن انطلاق ظاهرة السياحة الشتوية – مثل السياحة الجبلية – المرتبطة بأقصى الجنوب، بمناسبة عطلة نهاية السنة، كما هو الحال هذه الأيام، اتخذت الجزائر بعض الإجراءات الإدارية لتسهيلها، كمنح التأشيرة عند الوصول بالنسبة لمجموعات السياح الأجانب، الذين ما زالوا يعبّرون عن إعجاب كبير بمنطقة أقصى الجنوب الجزائري، بمناظرها الطبيعية الخلابة المحافظة على عذريتها. إجراءات ما زالت بعيدة عن المطلوب ما لم يتم التطرق بجدية لموضوع السياحة في الجزائر ليس كمجال استثمار فقط، بل كثقافة وعقليات قبل كل شيء، للتخلص من الصورة النمطية الني التصقت بالبلد دوليا.

صورة أكدتها تقارير دولية صنفت مدينة الجزائر لسنوات كأسوأ مدن العالم من حيث نوعية الحياة، قربتها من حالة مدن تعيش بلدانها حالة حرب أهلية، مثل طرابلس الليبية ودمشق السورية.. مكانة ترسخت كأفكار نمطية عن الجزائر وجدتها حاضرة عند الكثير من العرب والعجم، الذين حدثوني عن البلد وهم يسألون السؤال التاريخي، لماذا لا تفتحون بلدكم أمام السياح الأجانب وهو بهذا الجمال؟ وأنا استمع أكثر من مرة لتلك الرواية التي تقول صاحبتها، إنها كانت مقيمة في فندق في الجزائر، نهرها صاحبه عندما لاحظ أنها تهم بالخروج منه مع صديقاتها للفسحة في نهاية اليوم… مدام لا يمكنك الخروج لأنه سيتم الاعتداء عليك في أول شارع وتسرق منك مجوهراتك وتلفونك! ليس المهم أن تكون هذه الرواية صحيحة وصادقة، المهم أنني استمعت لها في أكثر من عاصمة عربية، ما يؤكد أنها ترسخت لدى الكثيرات. وأصبحت جزءا من نمطية، يتم النظر من خلالها للجزائر التي لن تكون في حاجة إلى بناء فنادق فقط للتخلص منها. فهي في حاجة إلى أكثر من ذلك. على مستوى تسيير مدنها التي تعيش فيها أغلبية سكانها، حتى يرتاح لها السائح والدبلوماسي ورجل الأعمال، الذي يطالب بخدمات جيدة له ولأفراد عائلته، عندما يأتي للعمل والاستثمار والسياحة في البلد، المفروض أن يجد فيه عروضا سياحية متنوعة، لا تقتصر على ما تقترحه جيجل «المحافظة»، بل وهران «الماجنة» كذلك. ناهيك عن السياحة الدينية التي تتوفر الجزائر على قدرات كبيرة منها غير مستغلة بالقدر الكافي. زيادة بالطبع على الأمن والنشاط الثقافي، الذي يسمح للمدينة بالبقاء مفتوحة لا تغلق أبوابها أمام زوارها على السابعة مساء، كما هو الحال لغاية اليوم. توقيت تموت فيه الحياة في مدننا الحزينة، رغم ما حباها الله من جمال طبيعي وتضاريس متنوعة. سياسة شاملة ما زالت غائبة لحد الساعة، ونحن نشاهد صورة وفود السياح الأجانب في الجنوب وهم محاطون بعدد من رجال الأمن أكبر من عددهم. وضع لا يبرره الوضع الأمني الذي تحسن كثيرا في السنوات الأخيرة، حتى عندما يتعلق الأمر بأقصى الجنوب. بقدر ما تفسره العقليات الأمنية السائدة، كما أظهرته صور الحصة التلفزيونية الفرنسية، التي صورت في الجزائر السنة الماضية، قد تحتاج إلى سنوات طويلة لمحو آثارها المدمرة على مستوى الرأي العام الدولي، نتيجة سيطرة عقلية الخوف من الآخر السائدة، كما يمكن التأكد منه بسهولة في الاستقبال الذي يلاقيه السائح الأجنبي، وهو يطلب تأشيرة سياحية لزيارة الجزائر يتحول فيها إلى «متهم» أمام البيروقراطي القابع في مصالح السفارات الجزائرية، يجعله يشك في نفسه. كما حصل لصديقي اللبناني الفلسطيني أستاذ الجامعة الأمريكية في بيروت، العاشق هو وكل عائلته للجزائر، عندما قرر السفر للجزائر التي لا يعرفها للسياحة، صدقني «الاستنطاق «الذي تعرضت له من قبل موظف السفارة وأنا أطلب التأشيرة جعلتني أشك في نفسي.. لأغادر مباشرة نحو السفارة التركية القريبة، حصلت فيها على فيزا سياحية في اليوم نفسه.
عقلية الخوف من الآخر التي تعبر عنها نظرة البيروقراطي الريعي، هي التي يجب العمل على تغييرها قبل بناء الفنادق التي سيكون لملاكها دور أكبر ربما في فتح البلد على السائح الأجنبي، من هذا البيروقراطي الخائف الذي يفكر بمنطق أن البلد ليس في حاجة إلى مال السائح الأجنبي، ولا إلى مآربه الدنيئة التي يريد أن يقضيها في البلد خاصة عندما يتعلق الأمر ببناته! بالطبع أزمة السياحة في الجزائر لا تقتصر على السائح الأجنبي، الذي ما زال حضوره ضعيفا للغاية، كمصدر أموال، بل السائح الوطني الذي ما زالت هذه السياحة الشتوية بعيدة عن متناوله، لم تدخل في ثقافته السياحية المحدودة. عكس السياحة الصيفية التي تبين تجربة سنوات طويلة عريضة أنها ما زالت هي الأخرى بعيدة عن إمكانياته المالية، نتيجة الغلاء الفاحش، الذي يميز خدماتها المتواضعة – حتى لا أقول شيئا آخر ـ جعل التوجه إلى تونس أو تركيا البعيدة بالنسبة للسائح الجزائري من أبناء الفئات الوسطى ذات القدرة المالية، هو الحل الأمثل.
لنكون في الأخير أمام هذا المستوى الاقتصادي ـ الاجتماعي المرتبط بالتدهور الذي تعيشه الطبقة الوسطى بكل فئاتها في الجزائر، الذي يجعلها غير قادرة على التحول إلى مستهلك واسع لهذه العروض السياحية المحدودة المقترحة عليه حتى الآن. هي التي تعول عليها كل السياسات السياحية في العالم، بعد الدمقرطة التي يعرفها القطاع السياحي كتوجه دولي ثقيل. إشكال يطرح مسألة القدرة الشرائية المتدهورة لهذه الفئات، التي يتعامل معها القطاع السياحي على المستوى الدولي كمستهلك كبير مفترض، كما هو الحال في التجربة التونسية القريبة منا، بما تقدمه من عروض أصبحت معروفة بها في السوق السياحية الدولية، حتى لا نكون في الجزائر امام عرض سياحي واحد قادر عليه الجزائري من أبناء الفئات الوسطى ماليا، وهي تعيش حالة تدهور، تسمح له بالتنقل بين حمام ريغة وحمام ملوان.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

Massin

[email protected]

الجزائر تحتاج إلى بناء إنسان جزائري صالح قادر على التكيف مع التغيرات والسلوكيات الدولية والتعامل مع الناس بأخلاق حسنة وبادب واحترام ,هذا ما يجب على الجزائر فعله أولا قبل بناء الفنادق والمنتجعات. الجزايري انسان متعجرف تتحكم فيه حمية جاهلية ونرفزة وكبت قل نظيره.يعتقد انه الافضل والارقي من كل الناس الا ان الغكس هو الصحيح. رحم الله امرء عرف قدر نفسه. السياحة هي ادب واخلاق واحترام وكرم ونظافة وبشاشة وابتسامة وتقديم مساغدة وترحاب وتراث وتاريخ قبل ان تكون فنادق وجبال وصحراء وبحر...