ابتكرت قناة تلفزيونية جزائرية مفهوما جديدا في عالم الفضائيات، يصلح أن يوضع له عنوان: «إعلام برائحة الأعشاب والعفاريت»، حيث تحوّلت الشاشة الصغيرة إلى منصة متعددة الوظائف، تجمع بين الرقية الشرعية والتسوق التلفزيوني، وسط ألوان من الشعوذة «المقننة» والمذاقات التجارية بنكهة الأعشاب.
على مدار اليوم، تتوالى الإعلانات التي تسعى إلى إعادة تعريف الإعلام المرئي، بجعله منصبا على الشفاء الروحي، ومساحة لاستعراض أحدث المنتجات لطرد السحر والجن والعين والحسد والمس، بالإضافة إلى الإغراء بتقديم وصفات علاجية كفيلة بالقضاء على النحافة والعقم وإزالة الكوابيس والضعف الجنسي وجميع الحالات المستعصية… كل ذلك مع وعد من القناة بتوصيل هذه «الخوارق» إلى كل ولايات الجزائر الـ58، وكأن الأمر لا يتطلب أكثر من مكالمة هاتفية وساعة انتظار!
ولا تنسى القناة حق النساء في المناصفة، لذلك نراها تبث إعلانات خاصة بمُعالِجات متخصصات في الرقية، يحملن ألقابا من قبيل (أم فلان وأم فلانة) ويقدّمن حلولاً بديلة للعلم والطب والمنتجات الصحية الناتجة عن الأبحاث والمختبرات، ويعرضن خدماتهن التي تشمل التدليك (للنساء طبعا) والعناية الجسدية والتجميل و»الفوطة النارية» وصداع الرأس، علاوة على الرقية الشرعية و«علم الأعراض» والتداوي بالأعشاب. وبالإجمال، إنهن يقترحن جلسات حجامة بتقنيات فريدة، وتدليكًا «شرعيًا»، تديره خبيرات يُقال إنهن يمتلكن مفاتيح «إعادة التوازن الطاقي».
وحرصًا على توفير تجربة استثنائية، تقترح القناة التلفزيونية الجزائرية دورات تدريبية مكثفة في الرقية. الغريب أن هذه الدورات ليست مجانية، لكنها تأتي مع فرصة «لا تعوّض»، وهي توفير وظائف لوكلاء رقاة رسميين معتمدين، في كل ولاية من ولايات البلاد. ومن ثم، يبدو أن المؤسسة التي تعد الجزائريين بوصفات لكل الأمراض، لا تكتفي بالعلاج، بل تطمح لبناء شبكة وطنية من الوكلاء الذين يمتلكون عصيًّا سحرية، ينافسون بها عصيّ سحرة فرعون!
وتزداد الدهشة عند مشاهدة إعلانات القناة: أسلوب مفعم بالحماسة والوعود «المضمونة»، أشبه بإعلانات منتجات تبييض الأسنان، كما تزيّن الإعلانات عبارة طريفة ومغرية: «لا تنسوا أن الأرقام المتوفرة على الشاشة مفتوحة طوال أيام الأسبوع، وعلى مدار 24 ساعة». وكأن «الرقية» لم تعد مجرد طقس علاجي روحي، بل خدمة توصيل على الطريق السريع.
والملاحظ أنه في الوقت الذي تحاول فيه القنوات الإعلامية الجادة أن تناقش تحديات الواقع وتطرح رؤى للتحول المجتمعي، يبدو أن القناة الجزائرية اختارت أن تسبح عكس التيار، وبذلك فهي ليست مجرد تلفزيون، بل مشروع تجاري/روحي يطمح لتأسيس ما يمكن وصفه بـ»إمبراطورية الرقية» في الجزائر.
السؤال الآن: هل نحن أمام إعلام المستقبل؟ أم أن «شاشة الرقاة» مجرد نسخة مطورة مما يطرح في بعض الأسواق الشعبية والساحات التقليدية؟ ومن يدري، ربما سنرى قريبًا نشرة أخبار تحت عنوان «آخر أخبار العفاريت»، من تقديم راقيات محترفات، أو برامج للطبخ تقدم وصفات «أعشاب طاردة للمخلوقات الشريرة»!
تعليقات الزوار
تعليق
فيه مثل مغربي يقول عشرة فعقيل مصغر لعقل فهنا نجد شعبا بأكمله مشترك في عقل واحد وهو عقل تبون والذين حوله اللهم هون عليهم واصلحهم ونور بصيرتهم