استبقت حركة مجتمع السلم الجزائرية المعروفة اختصارا باسم 'حمس' والمحسوبة على تيار الإخوان المسلمين، تعديلات وزارية مرتقبة، بتوجيه انتقادات عنيفة وتحميل الحكومة الحالية المسؤولية عن الاخفاق في العديد من الملفات الاقتصادية وتفاقم العجز المالي، مستحضرة في الوقت ذاته ورقة الجبهة الاجتماعية في تحذير يبدو أقرب للضغط وتسجيل حضور سياسي بينما تبحث الحركة المعروفة بتقلب مواقفها بين المعارضة حينا والموالاة حينا آخر والتي اختارت في وقت ما القفز من سفينة النظام السابق مع توسع الحراك الشعبي حين أدركت أن عهد الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة اقترب حينها من نهايته وأيقنت أن الجيش سيدفعه للاستقالة بشكل أو بآخر.
وتأتي انتقادات 'حمس' أكبر حزب إسلامي في الجزائر، بينما تبحث الحركة عن إعادة تموقعها في مشهد سياسي ملتبس بدأ الرئيس تبون مع ولايته الثانية في إعادة ترتيبه بما يخدم أجندة الولاية الثانية وأهدافها المعلنة والخفية.
وكانت الحركة الإسلامية قد رشحت أمينها العام عبدالعالي حساني لانتخابات الرئاسة الأخيرة في منافسة مرشح حزب جبهة التحرير الوطني عبدالمجيد تبون لتخوض بذلك تجربة محكوم عليها بالفشل مسبقا أو تشكل في أدنى الأحوال ديكورا لديمقراطية يحركها الحزب الواحد منذ الاستقلال.
ويُعتقد أن الهجوم على حكومة نذير العرباوي لا يأتي من فراغ أو هو حرص على معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية الحارقة بقدر ما هو محاولة للضغط لانتزاع مكاسب سياسية أو مناصب وزارية في الحكومة الجديدة التي من المتوقع أن يعلن عنها خلال أيام أو أسابيع قليلة كحتمية ملحقة بالولاية الثانية لتبون.
ودأب الإخوان في الجزائر الذين فشلوا في العقود التي تلت العشرية السوداء في تشكيل تحالف قوي قادر على مواجهة السلطة وإحداث توازن في المشهد السياسي، على سياسة المساومة لضمان موقع أفضل.
ويأخذ عليهم منتقدوهم أن لا هم معارضة وطنية واضحة ولهم موالاة واضحة وانهم وضعوا ساقا في سفينة المعارضة وساقا في سفينة السلطة تمام كما فعلوا في عهد بوتفليقة.
وسبق للرئيس الجزائري في العهدة الرئاسية الأولى أن عبر عن غضبه من أداء عدد من الوزراء وراوح بين تعديلات وزارية محدودة وموسعة في مواجهة حالة العجز في معالجة ملفات اقتصادية وسياسية واجتماعية، بينما وعد مرة أخرى باستكمال بناء "الجزائر الجديدة" وبحل معضلات استعصى حلها في السنوات الأربعة الماضية من حكمه.
ودعت الحركة في بيان أصدرته على اثر اجتماع مكتبها التنفيذي الخميس إلى "تكثيف الحوار الاجتماعي الهادئ الصريح والمسؤول والتعامل بمصداقية مع المطالب المشروعة"، وفق موقع "الخبر" الجزائري.
وكان تبون قد تعهد خلال حملته الانتخابية في السباق الرئاسي الذي خاضه في غياب منافسين جديين بإطلاق حوار، بينما يشكك حقوقيون ومنظمات في استعداد الرئيس للجلوس إلى المعارضة والاستجابة إلى الأصوات المطالبة بإجراء تغيير سياسي عميق في البلاد.
ويعتبر الشارع الجزائري أن المعارضة خسرت موقعها في المشهد السياسي سواء بسبب ولاء العديد من أحزابها للسلطة بهدف تحقيق مكاسب أو نتيجة التضييقات والملاحقات القضائية التي تستهدف أي صوت يعارض سياسات تبون.
وعبرت 'حمس' في بيانها عن "استهجانها لاستمرار التعامل بمعايير بعيدة عن الرشادة وغياب المواءمة بين الموارد المرصودة والآثار المحدودة، إلى جانب التعاطي المتكرر بنسب عجز كبيرة في الميزانية وتركيز التمويل العمومي خارج مجال الاستثمار والابتكار والتنويع"، مشيرة إلى أن المنوال الاقتصادي "لا يسمح بانتقال البلاد إلى دولة صاعدة".
ودعت إلى "الردع الصارم في معالجة ظاهرة تفشي الفساد الإداري والمالي في بعض المستويات والمؤسسات الإدارية والاقتصادية".
وتابعت "لا مناص من الإصلاح السياسي الفعلي لبيئة الحكم وجمع الجزائريين حول مشروع وطني يصنع الأجواء الإيجابية، ويحفز كل الفواعل ويقلل من استمرار الأساليب المعلولة".
وأشار خبراء اقتصاديون في تقارير سابقة إلى أن الجزائر فشلت خلال الحكومات السابقة في تنويع اقتصادها الذي بقي مرتهنا إلى النفط والغاز، بالإضافة إلى افتقارها لبيئة تشجع على الاستثمار، بينما دفعت التعطيلات الإدارية والمضايقات العديد من المستثمرين الجزائريين إلى الاستقرار في بلدان مجاورة وجدوا فيها الحوافز والتسهيلات.
وتعهد تبون بتحسين أداء الاقتصاد وإطلاق مشروعات مشغّلة ولايته الثانية، بينما لم يكشف عن أي برامج أو إستراتيجيات من شأنها تحويل الوعود إلى حقيقة.
وأطلق الرئيس الجزائري خلال عهدته الأولى العديد من الوعود لتحويل البلاد إلى قوة اقتصادية وتحسين الأوضاع الاجتماعية، لكن الواقع أثبت أنها لا تصلح إلا للاستهلاك السياسي، بينما بقيت "الجزائر الجديدة" التي يركز عليها في خطبه مجرد شعار.
ويشهد الاقتصاد الجزائري تباطؤا في النمو، إذ انخفضت النسبة إلى 2.6 بالمئة خلال العام الحالي من 3.6 بالمئة في 2023 نتيحة انكماش في إنتاج النفط والغاز، وسط توقعات باستمرار التراجع لتنزل النسبة إلى 1.8 بالمئة في 2025، وفق شركة "بي إم آي" للأبحاث التابعة لفيتش سوليوشنز.
وتتوقع الحكومة الجزائرية عجزا في الموزانة بـ8.3 تريلونات دينار (62 مليار دولار)، وهو ما يعادل الإيرادات المنتظرة بـ8.5 تريليونات دينار (64 مليار دولار).
تعليقات الزوار
لا تعليقات