روى الوزير الجزائري السابق الهاشمي جعبوب، الكثير من التفاصيل عن فترة تعامله مع الكاتب الروائي الجزائري بوعلام صنصال الذي يشتهر بأفكاره المثيرة للجدل حول الهوية الجزائرية والعلاقة مع إسرائيل، مبرزا أنه كان يحظى بالحماية من قبل أطراف في السلطة، قبل أن يتم طرده من وزارة الصناعة التي يعمل إطارا ساميا بها.
وفي تدوينة مطولة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك، قال وزير الصناعة الجزائري الأسبق، الهاشمي جعبوب، إنه حين توليه المنصب عام 2002، اكتشف أن صنصال كان ضمن كوادر الوزارة وكان دائم الغياب عن مكتبه ويرفض الاستجابة لاستدعاءاته المتكررة. وحين استفسر عن أسباب الغياب، ذكر أنه قوبل بصمت ودهشة غير مبررة من قبل الأمين العام للوزارة الذي أبلغه بأن “صنصال كاتب كبير”، في إشارة إلى مكانته الثقافية العالية. ولكن جعبوب، الذي لم يكن يعرف صنصال حينها، استغرب عدم وجود تفسير واضح لغياباته المتكررة وسفرياته المتعددة إلى الخارج دون علم الوزارة أو إذن رسمي، حيث يتنقل بحرية تامة ويغادر البلاد تحت مزاعم مهام “رسمية”.
بعد مضي أسبوع، عاد صنصال أخيرًا إلى مكتبه، فاستدعاه الوزير، على نحو ما يذكر، واستنكر عليه غيابه وعدم التزامه بإجراءات العمل الرسمية. وفي هذا اللقاء، يصف جعبوب كيف حاول صنصال تبجحًا التهرب من مسؤولية هذه السلوكيات، مدعيًا أن مهامه “تتجاوز مستوى الوزير”، بل واصفًا إياها بـ”مهام خاصة من جهات عليا”. يشير جعبوب الذي ينتمي إلى التيار الإسلامي، إلى أنه قابل هذا التصرف بإنهاء مهام صنصال بعد تقديم تقرير إلى الجهات الرسمية. ولفت إلى أن هذا القرار أثار حفيظة جهات سياسية وأمنية معينة، حيث اتصل به مسؤول حكومي لاستفساره عن القرار، محاولًا الضغط عليه لإبقائه في منصبه. وحينما أصر جعبوب على موقفه وذكر أن مهام صنصال الخارجية إن كانت حقًا رسمية فيجب أن تكون تحت إدارة الرئاسة أو وزارة الخارجية وليس الصناعة، أدرك أن هناك دعمًا خارجيًا وأطرافًا سياسية نافذة تدعمه لأسباب غير واضحة.
وما يجعل قضية صنصال أكثر تعقيدًا في نظر جعبوب، هي “مواقف الكاتب المتصهينة علنًا وارتباطاته بفرنسا وإسرائيل، حيث يظهر متبنيًا أطروحات صهيونية، بل ونُشرت له صور وهو يرتدي الطاقية اليهودية أمام حائط المبكى في القدس الشريف”. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد جعبوب أن صنصال لم يُخفِ يومًا انتماءه الثقافي لفرنسا ورغبته في الحفاظ على الهوية الفرانكوفونية، حتى أنه قال علنًا إنه “لم يكن يومًا مسلمًا ولا عربيًا”، ووصف نفسه بالمرتد والملحد، متفاخرًا بأصوله الفرنسية.
من جهة أخرى، يقول جعبوب إن صنصال يتحدث عن تاريخ الجزائر بطريقة تحاول تشويه صورة البلاد، حيث يزعم أن الجزائر لم تكن دولة قبل عام 1830 وأنها كانت فقط مجموعة قبائل متناحرة وغيرها من الأكاذيب، وهي ادعاءات ليست فقط، حسبه، “مغلوطة تاريخيًا بل وتعتبر دعوة صريحة لإثارة الفتنة وزرع الشكوك حول تاريخ الجزائر وتماسكها الوطني”.
وتتعدى مواقف صنصال التحريضية، وفق الوزير السابق، إلى كراهيته الصريحة للإسلام، حيث يرى في الإسلام “الخطر الداهم” على أوروبا، محذرًا فرنسا من تبعات انتشار المسلمين المهاجرين، الذين يتوقع أن يشكلوا الأغلبية بحلول عام 2050، مروجًا لخطابات الإسلاموفوبيا ومناديًا بإغلاق المساجد في فرنسا حفاظًا على هويتها. وحسب جعبوب، هذه الآراء وغيرها كانت دائمًا محور حديث صنصال مع الصحافة الفرنسية، التي استغلها ليهاجم الجزائر ولينشر الأكاذيب حول تاريخها ونضالها ضد الاستعمار الفرنسي، بل ويقلل من شأن ثورتها، معتبرًا أن 20% فقط من الجزائريين شاركوا في الثورة فيما انشغل البقية بحروب داخلية.
ويرى جعبوب أن “الدعم الذي كان يتلقاه صنصال من جهات فرنسية وأخرى متعاطفة مع الكيان الصهيوني جعله يبدو كعميل مزدوج يخدم أجندات خارجية تحت غطاء الثقافة والأدب. ويذكر هنا، أنه بُعيد إنهاء مهامه، انتقل صنصال إلى فرنسا حيث استُقبل استقبال الأبطال، وواصل من هناك بث انتقاداته للجزائر، معتبراً نفسه ضحيةً لنظام ديكتاتوري”، حسب زعمه، بل وتمادى في ادعاءاته معتبرًا نفسه ملاحقًا بسبب “أفكاره المتقدمة”. غير أن الوزير كان يرى أن أمثال صنصال ليسوا سوى أدوات تخريبية تستخدمها جهات خارجية لزعزعة استقرار الجزائر وتشويه هويتها، مؤكدًا أنه بات يرى في صنصال نموذجًا للكاتب الذي باع ضميره وتخلى عن بلاده لصالح مواقف موالية للصهيونية وفرنسا، بينما يتخفى بعباءة حرية الفكر والانتماء الثقافي.
وكان الكثير من الكتاب الجزائريين قد تصدوا لصنصال الذي وصفوه بأنه يعيش اغترابا حقيقيا عن وطنه، وذهب الروائي رشيد بوجدرة لإدراجه في كتاب “زناة التاريخ” الذي يتحدث عن الكتاب الجزائريين الذين اعتنقوا نظرة متصالحة مع الاستعمار متنكرين لتضحيات بني جلدتهم في نيل الاستقلال. واشتهر صنصال بزيارته سنة 2012 إلى إسرائيل التي أطلق فيها تصريحات مستفزة يدعو فيها السلطات الجزائرية إلى منح تأشيرة الدخول إلى كتاب إسرائيليين، مثلما منحته الحكومة الإسرائيلية التأشيرة كما قال. وتوالت كتاباته المستفزة، بينها رواية حاول فيها ربط نازيين بالثورة التحريرية الجزائرية. وكتب في صحيفة لوموند سنة 2016، شبه الهجوم الإرهابي على مدينة نيس الفرنسية، بما كان يقوم به ثوار معركة الجزائر (أشهر معارك الثورة بالعاصمة الجزائرية)، معتبرا أن “الإسلاماويين يتشابهون في الطرق الوحشية التي يستعملونها”. ونشر قبل ذلك روايته الموسومة “2084” التي تبشر بنهاية مأساوية للعالم على يد الأصوليين، والتي أصبحت مادة لدعم أفكار اليمين الفرنسي الرافضة للوجود الإسلامي في فرنسا.
تعليقات الزوار
لا تعليقات