أخبار عاجلة

من يحرك خيوط سعر الأورو في سوق "السكوار" بالجزائر ؟

تعيش الجزائر على وقع لهيب جديد في سعر الأورو بالسوق الموازية، حيث تجاوزت قيمة العملة الأوروبية عتبة 260 دينارًا في ساحة بور سعيد وسط العاصمة والمعروفة بـ"السكوار" لأول مرة، مثيرة تساؤلات عميقة حول الأسباب الحقيقية وراء هذا الارتفاع المفاجئ والنقص الحاد للعملة الصعبة.

يأتي ذلك في وقت تعمل فيه البلاد على تنفيذ مخططات اقتصادية جديدة لرفع مستوى النمو وخفض درجة التضخم، ويصطدم ذلك بتحكم بارونات الصرف في السوق الموازية وغياب حلول ناجعة من الجهات الرسمية لحد الساعة، رغم مساعيها لإعادة سعر الأورو لنصابه في أقرب وقت.

وأمام هذه التحديات، يجد المواطن نفسه عالقًا بين الارتفاع الحاد لسعر الأورو وتعقيدات سوق الصرف، فيما تتطلع الحكومة إلى إيجاد مخرج يعيد الاستقرار المالي ويكبح جماح المضاربات غير المشروعة.

غموض حول أسباب لهيب الأورو

يعتقد الخبير الاقتصادي أبو بكر سلامي أن أسباب لهيب العملة الأوروبية الأورو في السوداء للعملة الصعبة وندرته بشكل غير مسبوق خلال الساعات الأخيرة حيث تجاوز عتبة 260 دينارًا لكل وحدة أوروبية لا يزال غير مفهوم ومحل تحقيقات من طرف السلطات العليا، متسائلًا : "كيف لأشخاص يعدون على الأصابع أن يقتنوا كميات ضخمة من السوق ويجففوا مصدر تموينه في بضعة ساعات ويرفعون الأسعار بطريقة سريعة وعالية جدًا"؟.

ويوضح سلامي في حديث صحفي أن سعر الأورو بالأساس كان قد ارتفع إلى مستويات عليا قبل أسابيع بسبب موسم العمرة الذي يكثر خلاله اقتناء العملة خاصة عمرة المولد النبوي الشريف، وأيضًا نتيجة توقيف استيراد السيارات، وهو ما جعل المواطنين يقبلون على مركبات أقل من ثلاث سنوات، وبالتالي يقتنون الأورو من السوق الموازية، وأيضًا رحيل المغتربين عن الجزائر بعد نهاية عطلة الصيف وبالتالي توقفهم عن ضخ كميات جديدة من الأورو، كل هذه العوامل تسببت حسبه في رفع الطلب مقابل تراجع العرض، وهو ما رفع الأسعار.

إلا أن سلامي عاد ليقول أن الأزمة المسجلة خلال الساعات الأخيرة ليس سببها سيارات أقل من ثلاث سنوات التي سارعت الحكومة لتجميد استيرادها بتعليمة، فذلك لن يؤدي- حسبه- لخفض قيمة الأورو بالسوق السوداء، وإنما الأمر يفرض تحقيقات جدية وبحث معمق للوصول إلى الأسباب والحلول.

"بارونات" سوق الصرف تسعى لتحقيق الربح

من جهته، يقول عضو لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، عبد القادر بريش، في إفادة لـ "الترا جزائر" إن سوق الصرف غير الرسمية، والمعروفة بـ "سوق السكوار"، تعتمد في أساسها على قانوني العرض والطلب، مما يعني أن الأسعار في أي سوق حرّة تتحدد بناءً على التفاعل بين هذين العاملين.

وأوضح المتحدث أن ما نشهده مؤخرًا من ارتفاع في أسعار العملات الأجنبية مقابل الدينار الجزائري في السوق الموازية يرجع إلى عدة عوامل، أبرزها زيادة الطلب على العملات الأجنبية، مع ثبات العرض أو تقلص مصادره، مضيفا أن تقلص قنوات عرض العملة الأجنبية هو أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في هذا الارتفاع.

وأشار بريش إلى أن ارتفاع الأسعار قد يكون نتيجة تحكم "بارونات" سوق الصرف غير الرسمية، الذين يسعون لرفع الأسعار لتحقيق أرباح كبيرة؛ حيث يدفع هؤلاء  بالسعر لتجاوز حاجز 250 دينار جزائري لكل واحد أورو، ويستهدفون الإبقاء على الأسعار عند هذا المستوى من خلال سيطرتهم على السوق.

ونظرًا لأن هذه السوق غير منظمة ولا تخضع لضوابط قانونية واضحة، يصعب التنبؤ باتجاهات الأسعار المستقبلية. ورغم ذلك، يتوقع بريش أن تظل الأسعار مرتفعة إذا استمرت الظروف الحالية دون تغيير.

وعن الحلول الممكنة، يؤكّد بريش أن المسؤولية تقع اليوم على عاتق الجهات الرسمية، لا سيما البنك المركزي ووزارة المالية، مشددًا على ضرورة  تسريع اعتماد مكاتب الصرف الرسمية وهي خطوة ضرورية للسيطرة على السوق الموازية وتلبية احتياجات المتعاملين من العملة الصعبة. بالإضافة إلى ذلك، شدّد بريش على ضرورة تجفيف منابع العرض غير الشرعي للعملة الأجنبية، وتطبيق عقوبات صارمة على المتورطين في المتاجرة بالعملة بطرق غير قانونية.

كما أكد بريش على أهمية إدماج المتعاملين الناشطين في السوق غير الرسمية ضمن النظام القانوني والشرعي، مشيرًا إلى أن تحقيق ذلك ممكن من خلال انتهاج سياسة صرف مرنة من قبل البنك المركزي، والبدء في تحرير تدريجي لسعر صرف الدينار.

وأكد - محدثنا- على أهمية أن تخفف الحكومة القيود المفروضة على الحصول على التمويل بالعملة الأجنبية للمتعاملين الاقتصاديين، مع فرض رقابة صارمة على الفواتير والتحويلات المالية إلى الخارج، لتفادي تضخيم الفواتير والحفاظ على احتياطيات العملة الصعبة.

 إصلاح منظومة الصرف وحركة الأموال

وفي إطار السعي للسيطرة على السوق الموازية واحتوائها، يشدد الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف على ضرورة الإسراع في إصلاح المنظومة المصرفية وتحرير حركة الأموال من وإلى الجزائر.

ويؤكد هادف أن تحسين كفاءة النظام المصرفي يعد خطوة أساسية نحو معالجة الاختلالات في سوق الصرف، من خلال تسهيل عمليات التحويل المالي وتوفير قنوات رسمية آمنة لاستقبال العملة الصعبة.

كما شدد- محدثنا- على ضرورة تحديث المنظومة المالية، بما في ذلك اعتماد التكنولوجيا الرقمية وتخفيف القيود على التحويلات المالية، الأمر الذي يساهم مستقبلا في جذب الأموال المتداولة في السوق الموازية وتحويلها إلى السوق  الرسمية .

ويؤكّد هادف على ضرورة  تحسين الخدمات المصرفية وزيادة الشفافية المالية الأمر الذي من شأنه أن يعيد الثقة في النظام البنكي، ويشجع الأفراد والشركات على استخدام القنوات الرسمية بدلاً من اللجوء إلى السوق السوداء.

ووفقًا للقانون النقدي والمصرفي، يقول هادف إن الوضع الحالي يتطلب رفع القيود المفروضة على حركة الأموال وعصرنة المنظومة المالية لتتماشى مع التحديات الحديثة قائلًا: " تحسين منظومة الصرف يبدأ بتوفير تسهيلات أكبر لاستلام العملة الصعبة واستغلالها بشكل أكثر كفاءة، إلى جانب إعادة بناء الثقة في النظام البنكي الوطني".

ومن الضروري يقول الخبير الاستفادة من التكنولوجيات الرقمية لتحديث المعاملات المالية، مما سيسهل الوصول إلى البطاقات البنكية ويعزز من تلبية احتياجات الزبائن، بما في ذلك تغطية تكاليف الدراسة والعلاج في الخارج.

ويرى هادف أن هذه الإصلاحات في حال تم تبنيها بسرعة ستفتح الباب لاستقطاب الأموال الموجودة في السوق الموازية، بما في ذلك التحويلات غير الرسمية، وتحويلها إلى المسار البنكي الرسمي.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات