أخبار عاجلة

ماذا يحصل بين الجزائر وموسكو؟

القراءة المتفائلة يمكن أن تجيب على هذا السؤال بالقول، إنها سحابة صيف وإن الملاسنة التي حصلت بين مندوبي البلدين في مجلس الأمن بشأن الملاكمة الجزائرية إيمان خليف، هو سوء تفاهم عابر نتيجة الموقف الروسي التقليدي من بعض الملفات المتعلقة بالمرأة، بما فيها موضوع المتحولين جنسيا ومجتمع الميم، كما وصفه نائب المندوب الروسي في مجلس الأمن. الذي رد عليه نائب المندوب الجزائري بصرامة، ليقفل ملف سوء التفاهم بين الدولتين الصديقتين عند هذا المستوى.
قراءة ثانية غير متفائلة يمكن أن تقول أشياء أخرى، وهي تعود إلى الوراء أكثر لتربط ما حصل في مجلس الأمن بملفات أخرى، قد يكون أهمها الحضور الروسي المقلق بالنسبة للجزائر في ليبيا، ومنطقة الساحل الافريقي، الذي كشفت عنه معارك شمال مالي بين مقاتلي الأزواد، بالقرب من الحدود الجنوبية للجزائر وعناصر من الجيش المالي المدعومين من قبل مرتزقة «فاغنر» الروسية التي يتمدد حضورها في هذه المنطقة المضطربة من الساحل الافريقي. السيناريو نفسه الذي يتكرر هذه الأيام على الحدود الليبية الجزائرية، بالقرب من الدبداب المعبر الحدودي القريب جدا من مدينة غدامس الليبية – أقل من ثلاثة كيلومترات – التي تحاول قوات المشير المتقاعد السيطرة عليها، وضع يمكن أن يتطور بسرعة نحو الأسوأ، بعد كلام الصحافة الدولية عن حضور مرتزقة فاغنر مع ميليشيات المشير المتقاعد. تماما كما حصل في شمال مالي، منذ بضعة أيام، في منطقة معروفة كمعبر تجاري قاري، ونقطة لقاء لقبائل الطوارق الجزائرية -الليبية منذ الأزل. بكل خصوصياتها الثقافية واللغوية الأمازيغية وتركيبتها البشرية القبلية العابرة للحدود.

عودة إلى الوراء أكثر، لملفات سوء التفاهم الجزائري – الروسي، يمكن أن تخبرنا بما شعر به الطرف الجزائري حين تخاذل الصديق الروسي عن دعم ملف انضمام الجزائر إلى منظمة «البريكس»، الذي آمن به الطرف الجزائري بقوة، بما صاحبه من تصريحات غير بريئة لوزير الخارجية الروسي لافروف، الذي لا يمكن أن يتهم بسوء اختيار ألفاظه وهو يتحدث للصحافة عن وزن وهيبة الدول المقبولة للانضمام إلى منظمة «البريكس»، بالإضافة إلى مواقفها الدولية كمقياس للقبول! العتاب نفسه، الذي يمكن أن يقوم به الطرف الروسي للموقف المحتشم للطرف الجزائري في تأييد وجهة النظر الروسية في الحرب ضد أوكرانيا، المصيرية بالنسبة لها، ما يعني أن هناك أكثر من ملف بين البلدين ظهرت فيه اختلافات في المواقف، عرفا كيف يحتويانها. احتراما لمصالحهما الاستراتيجية المبنية على تقارب القراءة الجيو- سياسية التي قربت بين الدولتين، منذ استقلال الجزائر كان الاتحاد السوفييتي قد دعمه، من دون أن يكون من المبادرين الأوائل للاعتراف بالحكومة المؤقتة، الذي لم يحصل إلا في 1960 مراعاة لعلاقات الاتحاد السوفييتي مع فرنسا، في ظل حكم الجنرال ديغول، وهو يظهر بعض مؤشرات الاستقلال عن الحلف الأطلسي والولايات المتحدة، في عز الحرب الباردة، بالغ الاتحاد السوفييتي في منحها قيمة قد لا تستحقها، عكس الصين القوة الصاعدة المعزولة دوليا، التي كانت أول دول المعسكر الاشتراكي في الاعتراف بحكومة الجزائر المؤقتة (1958) ويوغسلافيا (1959) غير المنحازة. إذا اكتفينا ببلدان المعسكر الاشتراكي، التي تقربت منها الجزائر بمجرد استقلالها في 1962، من دون أن تتبني الخلفية السياسية الفكرية – الشيوعية – التي كانت وراء هذا الموقف السياسي، بقيت بالعكس بعيدة عنها وهي تطور خصوصيتها الفكرية المبنية على مبادئ الوطنية الجزائرية، بكل الانتقائية الفكرية المعروفة بها. خلفية فكرية وسياسية عبرت عن نفسها على المستوى الدولي، بالانضمام لمعسكر بلدان عدم الانحياز، التي كانت الأقرب للتوجهات الجزائرية المدافعة عن استقلالية المواقف الدولية لهذا البلد الناشئ، وهو يشق طريقه في غابة العلاقات الدولية التي تتحكم فيها قوة عظمى، تعودت أن تفرض رأيها المبني على مصالحها الوطنية على الجميع. جعل الجزائر تختار تنويع علاقاتها الاقتصادية مع العالم الغربي، في وقت دعمت فيه علاقاتها العسكرية مع الاتحاد السوفييتي، ودول المعسكر الاشتراكي، بما فيها الصين ويوغسلافيا، التي احتفظت لها الجزائر بالجميل نتيجة اعترافها المبكر بحكومتها المؤقتة، قيمة ما زالت تأخذ حيزا مهما في فهم العقيدة الدبلوماسية الجزائرية. في حين بقيت العلاقات الاقتصادية الروسية -الجزائرية على أهميتها -مقتصرة على البعد العسكري، تحولت الجزائر بموجبه إلى زبون مهم ودائم للمصانع العسكرية الروسية، عكس العلاقات الاقتصادية التي لم تتمكن فيها التكنولوجيا والسلع الروسية من منافسة الحضور الغربي، الصيني التركي لاحقا داخل السوق الجزائرية، لا في فترة الاشتراكية والحزب الواحد، ولا بعد الانفتاح والتعددية. علاقات لم تسمح لهذا البلد من تطوير حضوره في المجتمع الجزائري لا على المستوى الثقافي، كما كان يمكن توقعه مع اللغة الروسية، التي استمرت متواضعة الحضور بين الجزائريين، ولا على المستوى الاجتماعي الذي بقي محدودا لا يتجاوز بعض الزيجات لعدد قليل من الطلبة الجزائريين من روسيات. كان من أنجح زيجات الجزائريين مع أجنبيات، حسب بعض الدراسات السوسيولوجية الجزائرية القليلة، التي اهتمت بالموضوع. في وقت رفضت فيه القيادة الجزائرية – بومدين تحديدا – زواج العسكريين من الروسيات، رغم الأعداد الكبيرة منهم التي كانت تتوجه سنويا إلى التدريب العسكري في هذا البلد، لم يسمح للروسيات بتكوين لوبي نسوي في الجزائر، كما كان الحال مع الألمانيات، المعتمد على زوجات بعض الضباط الجزائريين النافذين، خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. كان هذا قبل بروز التوجهات الفكرية السياسية الجديدة في أوروبا والعالم، التي تؤكد أنها تتجه لسيطرة قوى اليمين المتطرف، ليس على مستوى النخب فقط، بل على الحشود الجماهيرية الواسعة. مرشحة للتجسيد على ارض الواقع، كمل يحصل هذه الأيام مع المظاهرات العارمة ضد المهاجرين في المدن البريطانية، لتتوسع كاحتمال وارد نحو بلدان أخرى نتيجة التشابه في الأسباب الكامنة وراءها، قد يجعلها تصل إلى أمريكا، خاصة في حالة عودة ترامب للبيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو ما حصل في دول كبرى في العالم على غرار الهند، ولما لا روسيا، كما عبرت عنها تصريحات نائب مندوب هذا البلد في مجلس الأمن ضد الرياضية الجزائرية إيمان خليف، التي يجب عدم التهوين منها، واعتبارها زلة لسان، فالرجل كأي دبلوماسي منضبط، كان يقرأ في نص مكتوب، عبّر بكل صدق عن فكرة شعبوية يمينية متطرفة منغرسة لدى الكثير من النخب السياسية في العالم، بمن فيهم الرفاق الروس، تقتضي منا كجزائريين أخذها بجدية، ونحن نقوم بما هو مطلوب منا في مجال تجديد عقيدتنا الدبلوماسية، المبنية على مصالحنا الوطنية في هذا العالم المضطرب.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

عابر سبيل

العلاقة الجزائرية الروسية

الجزائر تدعي القوة بتحالفها مع روسيا وإيران وهي التي سمحت لقوات الفغنر التغلغل في افريقيا وجعلت من الصحراء الجزائرية مخبأ للاسلحة النووية والبيولوجية الروسية والارانية وكل مشاكل المنطقة تأتي من تحت العصابة العسكرية الجزائرية