هذا ما ينتظر الجزائر، وهي على أبواب تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، من المفترض أن تنظم يوم 7 سبتمبر المقبل. انتخابات عبر عن نية الترشح لها امرأتان و16 رجلا. تم رفض 13 مرشحا من بينهم السيدتان الوحيدتان المترشحتان، هما زبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل الرقي والتغيير، وسعيدة نغزة سيدة أعمال مرشحة حرة. بحجة عدم التمكن من جمع إمضاءات التزكية المطلوبة من قبل المواطنين، أو المنتخبين التي يشترطها قانون الانتخابات. بعد الانسحاب المبكر للويزة حنون زعيمة حزب العمال، التي أعلنت عن مقاطعة هذه الانتخابات.
في حين تمت الموافقة على ترشح ثلاثة وجوه سياسية على رأسهم، الرئيس تبون المنتهية عهدته كمرشح حر، مقابل عبد العالي حساني شريف رئيس حركة مجتمع السلم، ويوسف أوشيش الأمين الوطني الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية. وجوه ثلاثة تعبر عن مكونات الخريطة السياسية، كما عرفت تقليديا في الجزائر، المقسمة بين الوطنيين، الإسلاميين وأبناء التيار العصري بقاعدته الأمازيغية، كما يعبر عنها ممثل جبهة القوى الاشتراكية.
انتخابات ستجري حملتها الانتخابية في عز فصل الصيف، لن تكون بالتالي مواتية لتجنيد المواطنين للمشاركة فيها. كرهان فعلي وحيد لهذا النوع من الانتخابات المغلقة التي تعود عليها الجزائريين منذ الاستقلال. في غياب عامل التشويق والمنافسة الفعلية، باعتبار هذا النوع من الانتخابات معروف النتيجة مسبقا. ستكلل بشكل لا لبس فيه بفوز الرئيس المنتهية عهدته، ما يجعلنا نتساءل عن السر وراء المشاركة في هذا النوع من الانتخابات، التي تعوّد الحزبان المشاركان فيها هذه المرة، على مقاطعتها، كما كان يفعل في السابق، حزب جبهة القوى الاشتراكية، أو المزاوجة بين عدة مواقف تميزت بها حركة مجتمع السلم، التي كانت قد شاركت برئيسها الشيخ نحناح في أول انتخابات رئاسية تعددية تعرفها الجزائر عام 1995، ادعت فيها الحركة إعلاميا أنه كان الفائز بها في مواجهة الرئيس زروال، من دون تقديم الدليل المقنع. انتخابات جرت في وضع أمني وسياسي أكثر من متدهور، لتدعم لاحقا مرشح السلطة في ثلاثة انتخابات أخرى بين 1999ـ 2004 وتقاطع في استحقاقين 2014 ـ 2019. مواقف تعكس التذبذب السياسي والفكري الذي يعيشه هذا الحزب الإخواني، وهو يعرف صراعات داخلية بين نخبه المركزية، استفحل لاحقا ليظهر على شكل انشقاقات متتالية، أدت بتيارات داخله إلى الالتحاق بمواقف السلطة بشكل سافر، كما يعبر عنه حزب المنشق عبد القادر بن قرينة وزميلة المسجون عمار غول. لتبقى تيارات أخرى تصارع من أجل مواقف مستقلة داخل هياكل الحركة.
الحال نفسها بالنسبة لجبهة القوى الاشتراكية التي زاد فقدانها لزعيمها التاريخي حسين أيت أحمد -2015- في ضياع بوصلتها السياسية كحزب معارض تقليديا، لم يخرج لحد الساعة من آثار حالة الفقدان السياسي لزعيمه التاريخي التي أثرت سلبا على أدائه السياسي. لنكون في الحالتين أمام مرشحين اثنين من جيل جديد ستكون هذه الانتخابات الرئاسية أول تجربة لهما، سيعملان على استغلالها كفرصة لتدعيم مواقعها داخل هياكل حزبيهما. وهي تعيش حالة صراع بين نخبها المركزية، لن يساعد الجو السياسي والإعلامي المغلق على المستوى الوطني، وداخل الحزبين في بلورته، كما كان يمكن أن يحصل في جو حر ومفتوح إعلاميا، لصالح تقوية الظاهرة الحزبية في البلد الذي يعيش حالة هشاشة كبيرة وابتعاد واضح للمواطنين عنه. في وقت لم يخفت فيه التنافس السياسي والأيديولوجي داخل العائلة السياسية نفسها التي ينتمي لها الحزبان، اللذان سيجدان منافسة من قبل تنظيمات حزبية منافسة في الحالتين، كما هو حال منطقة القبائل التي سيعيش الحزب داخلها تحديا واضحا مع غريمه حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي قرر الامتناع عن المشاركة هذه المرة، ما قد يعيد النظر في منطق المقاطعة – جزئيا على الأقل – الذي عرف به أبناء منطقة القبائل، الذي تتخوف منه السلطات، في حالة تكراره بمناسبة هذه الانتخابات، على غرار ما ساد في 2019. الانقسام نفسه الحاضر داخل العائلة الإسلامية الإخوانية، التي تتراوح فيها المواقف بين تأييد مرشح السلطة ـ كما هو حال حركة البناء، ودعم مرشح حركة مجتمع السلم الذي أيدته حركة النهضة. ليختفي عن المشهد الانتخابي وربما السياسي حزب عبد الله جاب الله .مواقف ستزيد في منسوب التشويش على القاعدة الشعبية الإسلامية التي لم تعد حاضرة بالقوة نفسها في الشارع الجزائري.
لنكون أمام ساحة حزبية مأزومة، فهمها بشكل ذكي مرشح السلطة – الرئيس تبون- الذي فضل حتى الآن الترشح كمستقل، رغم العدد الكبير من الأحزاب التي تتسابق لدعمه ومساندته كاستمرار لثقافة التزلف المعروفة بين أبناء النظام السياسي الريعي. بالفعل فهذه الانتخابات ابانت بشكل جلي عن خوار تنظيمي صارخ جعل رئيس السلطة المستقلة للانتخابات الدكتور محمد شرفي – وزير عدل سابق من مواليد 1946- يرفض للرئيس المترشح 66 ألف استمارة اكتتاب من المجموع الكلي الكبير المقدم للهيئة 482 ألفا، بسبب عدم مطابقتها للشروط المطلوبة قانونيا، رغم عشرات الأحزاب والجمعيات الداعمة التي كانت وراء هذا «الإنجاز التاريخي» الذي عبر عن رداءة النخبة السياسية الرسمية وعدم جديتها، كما تبين بشكل سافر أثناء الندوة الصحافية التي قدم فيه رئيس السلطة المستقلة نتائج عملية الاكتتاب. التي شابها الكثير من الغموض والتضارب في الإعلان عن النتائج، أظهرت بشكل واضح التدهور الذي وصلته النخب الرسمية المتكلسة، القابعة داخل مؤسسات النظام. كما بينته حالة رئيس السلطة الكبير في السن – وزير عدل سابق من مواليد- 1946- الذي بدا غير قادر على تقديم معطيات إحصائية بسيطة، بشكل سلس ومفهوم، من دون أن يثير الكثير من الشكوك كان في غنى عنها، حول معطيات رقمية بسيطة متعلقة بالراغبين في الترشح لهذه الانتخابات المغلقة، رغم الإمكانيات البشرية والمادية الهائلة الموضوعة تحت تصرفه، كما أعلن عنها هو نفسه، بكل افتخار. حوّل هذا النوع من الانتخابات الفاقدة للتنافس الفعلي إلى عملية إهدار للمال العام، لن تساعد البلد ونظامه السياسي على تجاوز عيوبه التي تراكمت مع الوقت.
انتخابات سيفتح فيها الإعلام السمعي البصري مدة الحملة الانتخابية -21 يوما – أمام المرشحين الاثنين المشاركين في هذه الانتخابات الفاقدة للحرية، لتغلق مباشرة بعد الإعلان عن النتائج لتعود حليمة لعادتها القديمة. في اليوم الموالي بعد التعرف على النتائج بفوز الرئيس ـ المترشح لعهدة ثانية، الذي سيستمر في الاستحواذ على مقاليد المشهد الإعلامي السياسي في غياب كلي للأحزاب والمواطنين الذين عليهم انتظار الحملة الانتخابية المقبلة بعد خمس سنوات.
ناصر جابي
تعليقات الزوار
......
اللهم بلد غني وشعب فقير ولا بلد فقير وغارق في ديون كالمغرب فاصبح الشعب لا يعاني فقط من الفقر ولا مفروض عليه ان يؤدي ديون الدولة