أخبار عاجلة

انتخابات ما قبل السياسة في الجزائر

وصف ينطبق تماما على الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي تم تقديمها ليوم 7 سبتمبر المقبل، من دون تبرير جدي ومقبول لهذا التسبيق الذي كان أحد تبريراته المضمرة، كثرة الانتخابات، على مستوى العالم في هذه الفترة، التي كان يفترض فيها تنظم الجزائر لانتخاباتها. قد تجعل المواطن يسرح بخياله لمقارنة ما يحصل في بلده مع ما يجري في العالم، وهو ما حصل فعلا هذه الأيام ونحن نشاهد يوميات الانتخابات التشريعية الفرنسية المسبقة، والانطلاقة المبكرة للانتخابات الأمريكية عبر المناظرات التلفزيونية المتسمة بالكثير من الحيوية والتشويق، كما يحصل في فرنسا التي تبقى محل اهتمام جزائري خاص، رسمي وشعبي، لما لهذه الانتخابات من تداعيات ممكنة، مرتبطة بالتخوف من صعود تيارات أقصى اليمين، التي يمكن أن تصل قصر الإليزيه بعد الفوز في التشريعيات المقبلة.. احتمال وارد يعكس الكثير من التحولات في المجتمع الفرنسي ونخبه، وصلت لمرحلة التعبير عن نفسها سياسيا بمناسبة هذه الانتخابات، ستكون لها تأثيرات سلبية أكيدة على العلاقات بين الدولتين والشعبين، مرتبطة بتاريخ هذا التيار السياسي الفرنسي مع الشعب الجزائري، كما تجسده علاقة عائلة لوبان الدموية.
الحيوية نفسها، يمكن الحديث عنها في الحالة الأمريكية التي يتسابق فيها رئيس أسبق من اليمين الشعبوي، يرزح تحت اتهامات قانونية خطيرة، بما فيها تلك المتعلقة بالجانب الأخلاقي، ورئيس وصل أرذل العمر، لم يعد قادرا على التعامل مع ما يفرضه النظام الانتخابي من التزامات سياسية وإعلامية، كما ظهر في أول مناظرة تلفزيونية الأسبوع السابق. انتخابات لم تعد شأنا أمريكيا أو فرنسيا داخليا، نظرا للدور القوي الذي يلعبه الاعلام بسطوته المعروفة، في الترويج لها على مستوى العالم.
وهو ما يزيد في ازمة الانتخابات الرئاسية الجزائرية في عيون المواطنين، وهم يغامرون بمقارنتها بما يحصل من حولهم من انتخابات، يتابعونها على المباشر هذه الأيام. تبدأ في الحالة الجزائرية من مستوى النتائج المفروغ منها والمحسومة مسبقا، وما يميز الحياة السياسية ذاتها عندنا، باعتبارها انتخابات لا تعكس التحولات السياسية والفكرية التي يعيشها المجتمع الجزائري، الذي بقي معلقا في مرحلة الستينيات، ونحن نشاهد كيف استمر التيار الوطني الشعبوي ونخبه في فرض سيطرته، كما ستعكسه النتائج النهائية لهذه الرئاسيات، التي لا تعرف أي تشويق أو حيوية وهي تقول للمواطن والنخب السياسية، إن مركز القاضي الأول في البلاد ليس مجالا للتنافس الانتخابي. وكأننا في مجتمع راكد لم يصل مرحلة السياسة بعد، بما تعنيه من صراع فكري وسياسي وما تعكسه من تحولات ديموغرافية، وانتشار للتعليم على مستوى الرجل والمرأة، وانتقال للعيش من الريف نحو المدينة. كما وقفنا عليه من نتائج بعض الدراسات التي أنجزناها على المستوى الشخصي، أو تلك المنجزة من قبل زملاء آخرين في تخصصات شتى، اهتمت بسوسيولوجيا الانتخابات في الجزائر على قلتها.

بكل الخصوصيات التي تميز الانتخابات الرئاسية في الجزائر، مقارنة بالانتخابات التشريعية، أو المحلية على سبيل المقارنة، في شكلها السائد الذي ما زال يعيش مرحلة ما قبل السياسة، التي عادة ما يتم فيها اختيار الرئيس مسبقا داخل دوائر ضيقة ليتم تسويقه لاحقا للمواطنين، لتزكيته عبر انتخابات لا تتوفر على شروط التنافس الفعلي. انتخابات رئاسية كان يمكن أن تساعدنا في فهم التجنيد الذي تنجزه بين المواطنين والمواطنات على المستوى الجهوي، في حالة تعدد المرشحين. كما حصل في مرحلة ما بعد الإعلان عن التعددية. كما كان يمكن أن تساعدنا هذه الانتخابات في فهم بعض مظاهر السلوك الانتخابي عن الجزائريين، اعتمادا على متغيرات سوسيولوجية وثقافية معروفة، عادة ما تنشر بمناسبة هذه الانتخابات، كما هو حال متغيرات السن والجنس والمستوى التعليمي والجهة، رغم مسألة المصداقية، التي ما زالت تلاحق هذه المعطيات، التي يبقى الحصول عليها صعبا وغير متاح دائما للباحثين، مما لا يساعد المتخصصين في العلوم الاجتماعية والسياسية، على القيام بما هو مطلوب منهم مهنيا، وهم يحاولون عقلنة السلوك الانتخابي واعطاءه معاني تبعده عن محطة ما قبل السياسية، التي ما زال فيها بعيدا عن التناول الاستشرافي، الذي كان يمكن أن تقوم به عمليات سبر الآراء، التي لا تملك غطاء قانونيا في البلد لحد الساعة، رغم أهميتها السياسية والبيداغوجية بالنسبة للمواطن وصاحب القرار. لنبقى أمام انتخابات ما قبل السياسة التي ستنظمها، الجزائر في سبتمبر المقبل، العاجزة عن منحنا معلومات عن التحولات التي تعيشها النخب السياسية على المستوى الجيلي ولا عن تطورها الفكري والسياسي في نظام سياسي يكاد يختفي فيه الحزب السياسي – رغم ما اعترى الظاهرة الحزبية من ضعف في الجزائر والعالم – ليستبدل بما سمي بالمجتمع المدني الذي يراد له أن ينجز أدوارا سياسية، بل حزبية كأشخاص- يسهل التعامل معهم- في تناقض واضح مع ما هو مطلوب من هذه الكيانات التي يتم التضييق عليها إن اهتمت فعلا بما خُلقت من أجله.
الساحة الإعلامية بمستوى الغلق والجمود الذي تعرفه، لن تكون عونا للجزائريين في الرفع من منسوب تشويق وحيوية هذه الانتخابات التي عادة ما تفتح فيها وسائل الإعلام للمترشحين مدة الحملة الانتخابية فقط، لتغلق بعد ذلك مباشرة. لنكون أمام أهم أشكال التزوير القبلي لهذا النوع من الانتخابات، ظاهرة غلق أنتجت ذلك المرشح «العقون» الذي لا يعرف كيف يعبر عن أفكاره ولا كيف يدافع عنها، يرتكب حماقة في كل جملة يتفوه بها، في مجتمع زاد فيه منسوب الشائعات والأحكام المسبقة، إزاء نخب لا يعرفها المواطن، إذا استثنينا بعض الوجوه القديمة التي يفترض أنها على أبواب التقاعد، لنكون أمام الصورة السريالية المعروفة عن الجزائر، مجتمع شاب ومتعلم، صغير في السن، يحكمه الكهول والمتقاعدون، لتغيب بذلك إحدى وظائف الانتخابات في كل مجتمع يسير بشكل عادي، المتمثلة في إنتاج النخب المتنوعة، سياسيا وفكريا واقتراحها للمواطنين عبر هذه الآلية التي تسمى انتخابات، كوسيلة للتنافس السلمي على السلطة، ما زالت غائبة في الجزائر التي ما زالت تعيش مرحلة ما قبل السياسة بكل عيوبها المعروفة والمستترة.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات