«حلل يا دويري».. هذا هتاف أحد رجال المقاومة، بعد أن نجح في قنص فريسته، فجاء الرد من استوديو «الجزيرة» في الحال سيحلل الدويري!
صنع الفتى الخبر، ليأتي دور المحلل، وليس اللواء فايز الدوري واحداً من آحاد العسكريين المتقاعدين، أتيحت له الفرصة «ليحلل»، من على منبر بحجم قناة «الجزيرة»، ولحدث توج بانتصار غير مسبوق على آلة القتل الإسرائيلية، ولكنه بجانب هذا كله نال شرف أن يكون لسان حال أمته، فما ضر الدوري ما فعل بعد اليوم؟!
منذ احتلال العراق، ولدي حساسية من المحللين العسكريين، ولم يكونوا يومئذ محللاً واحداً، بل كانوا ثلة من العسكريين المتقاعدين، وجزموا بأن الاحتلال لن يقع، وأن الجيش العراقي جاهز للمواجهة، وربما بنوا تصوراتهم على ما في البال، ولم يكن يذهب خيالهم بعيداً، حد تصور أن المعركة لن تكون انزالاً عسكرياً يواجه بالقوة العسكرية، ولكنه عملية استباحة، كشفت عنها الظروف بعد ذلك، وأحد قادة الجيش العراقي روى في لقاء مع أحمد منصور، على شاشة «الجزيرة»، كيف كان الاستهداف الأمريكي بصواريخ تفل الحديد، وتجعل من الآليات العسكرية أثراً بعد عين!
كانت نقابة المحامين المصريين قد دعت في وقت سابق لمؤتمر، يحضره بعض السياسيين والفريق سعد الدين الشاذلي، وتصادف أن يكون هذا اليوم الذي سقطت فيه بغداد، حيث عم فيه الحزن الأرجاء، ولم يضع لنا الخبراء العسكريون أي احتمال لوقوع الاحتلال، وقد ذهبت للمؤتمر في انتظار تفسير، وضقت ذرعاً بالخطباء السياسيين في انتظار الخبير العسكري، والذي بدأ حديثه بقوله: لا أدري ماذا حدث؟!
كان الفريق سعد الدين الشاذلي يسأل عن تراخي الجيش العراقي في المواجهة، وكتبت مقالاً قاسياً في حق الرجل، لكن وبعيداً عن التصورات التي كانت تحتاج إلى من يفكر خارج الصندوق العسكري، فهل كان أحد يمكن أن يسمع مع هذا الغضب العربي العارم لـ «الرأي الآخر»؟!
الأبواق الإعلامية من القاهرة
الأمر مختلف الآن، فالمعارك بدأت بانتصار كبير غير مسبوق، يعترف به الجميع حتى داخل إسرائيل، وفي الإعلام الإسرائيلي ذاته، ربما لا تنكره سوى الأبواق الإعلامية التابعة لنتنياهو في القاهرة، لأنه يعز عليهم أن تهزم إسرائيل، وبالمناسبة فلا يزال سؤالنا مطروحاً على المجلس الأعلى للإعلام في مصر، حول المالك الحقيقي لقناة «القاهرة والناس»، ومصادر تمويلها، والسبب في تمكينها من الإفلات من نص قانوني واضح بنشر موقفها المالي سنوياً في صحيفتين من أوسع الصحف انتشاراً؟
وهو نص عتيق، تسرب من قوانين قديمة إلى القانون الصادر في سنة 2018، وفي زمن الانترنت كان يمكن النص بنشر الميزانيات في موقع القناة الإلكتروني، لكن من الواضح أن النية كانت معقودة على أنه نص وضع لكي لا يطبق، وهل يمكن مثلاً نشر الإلزام بنشر ميزانيات قنوات تلفزيونية في الداخل المصري تمولها دول خارجية بعلم السلطة نفسها وليس من وراء ظهرها؟!
في عام حكم الرئيس محمد مرسي، وقد فوجئنا بقناة تلفزيونية وصحيفة يومية تصدر فجأة وتقود الحملة ضد الرئيس، طالبت بأن يجري الترخيص في إطار القانون، وفي نصوصه ما يكفي لوقف أي اختراق للمشهد المصري دون الوقوع في جريمة تكميم الأفواه، فقط بسؤال من أين المال المؤسس لعقود بملايين الجنيهات للفيلق الإعلامي، ورئيس تحرير الجريدة اشترط أن يتقاضى راتبه بالدولار، وكان ثلاثون ألف دولار شهرياً!
ويومها كنا نتحدث في واد غير ذي زرع، وأحياناً كان يرد علينا بأن مالك القناة والصحيفة عمل لمدة عشرين عاماً في دولة خليجية، وقلت لو كان يعمل أميراً هناك، فلن يمكنه أن ينفق على هذه الترسانة الإعلامية! وبعد الانقلاب العسكري، تبين أنه كان مالكاً صورياً، ودفع الثمن من حريته وسمعته ليكون لمن بعده آية!
التسليم الإسرائيلي بالهزيمة
ما علينا، فلو استبعدنا الأبواق الإعلامية في القاهرة، لوجدنا أن هناك تسليماً بوقوع الهزيمة للكيان في يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول (المجيد) ومع العدوان على غزة، كانت «الجزيرة» حاضرة، لتقدم المشهد بالصوت والصورة، من الجبهات كافة، ولم يستطع أحد في تل أبيب أن يشكك في معلومة واحدة، أو يطعن في مصداقية فيديو واحد، أو يشكك في مصداقية الرسالة الآتية من غزة، سواء من وائل الدحدوح أو من زملائه، فرغم البلاء الذي وقع عليهم وعلى أسرهم، إلا أن مصداقيتهم ليست مثار شك، أو موضع طعن!
والرسالة الآتية من غزة تكفي بدون انحياز للتأكيد على أن انتصار المقاومة وهزيمة الجيش الإسرائيلي، الذي لم يستطع، رغم مرور كل هذه الفترة من بسط نفوذه على حي واحد من أحياء غزة، بل إن المقاومة جعلت من دبابته التي جعلوها عنواناً لحروبهم المقبلة وقت صناعتها هشيماً تذروه الرياح، أقصد بذلك «ميركافا»، فخر الصناعة الإسرائيلية، بينما تستهدف بصواريخ بدائية الصنع!
هتف هاتفهم «حلل يا دويري»، وقال مذيع «الجزيرة» إن «الدويري» سيحلل في الفقرة المقبلة، وقال الرجل «سأحلل»، ليصبح الهتاف عنواناً من عناوين هذا الانتصار، ولم يكن عجباً أن يصبح «تريندا» بعد ذلك، ليكون الدويري نفسه هو أحد عناوين هذا الانتصار، وقيمة الهتاف أنه كان بعد أن صنع صاحبه الحدث، وصاغ الخبر، في معركة تفوقت فيها المقاومة بإجادتها لاستخدام سلاح الكاميرا الى جانب السلاح التقليدي، بينما الجانب الآخر يستهدف المستشفيات، ويقتل المرضى، ويضرب النساء، وكما قالت امرأة من غزة في فيديو عبر الـ»سوشيال ميديا»، يأخذون الضربة من حماس فيضربون النساء!
الشرف العسكري
تذكرت وقت إذ حديث لم يعد أحد يذكره الآن، وهو «الشرف العسكري»، الذي ضاع في ظروف غامضة، ولم يعد أحد يتذكر هذا الاصطلاح، فحتى الخطباء العسكريين لم يعودوا يذكرونه، لكن في المقابل فإن المقاومة هي من تحافظ على شرفها، وهو «شرف المقاومة»، الذي لا بد من التمييز بينه وبين شرف منسوب للجيوش، إذا قدرت فسوف تمرق من أي قيمة أخلاقية، كما يمرق السهم من الرمية، فضلا عن أنه صار اصطلاحاً مبتذلاً، حتى تجاهله الجميع، فمن يُذكر جيش الدفاع الإسرائيلي به؟!
اللعب صار على المكشوف، ولم يجد جنود إسرائيليون في أنفسهم حرجا وهم يقومون بنهب بيوت الفلسطينيين في غزة، ولم يهتز لأحدهم رمش وهو يفخر بقتله لطفل أو امرأة، وانتشر الحديث عن تحولهم الى مافيا لسرقة الأعضاء البشرية، وفي الأخير لم يجدوا انتصاراً يعلنونه إلا العثور على «فردة حذاء» للسنوار، فهتفوا انتصرنا، وجار البحث عن «الفردة الأخرى»، ثم يبدأ البحث عن جواربه «فردة فردة»! «شرف المقاومة» لم تثبتها رسائل «أبو عبيدة»، ولكن أثبتتها مقابلات الأسيرات الاسرائيليات اللاتي تم إخلاء سبيلهن، وفي محطات تلفزيونية إسرائيلية، فتسمع لهن عن أخلاق المقاومة، فيخيل لك أنهم من زمن الصحابة!
لقد صنع الرجل الحدث، وهنا يأتي دور التحليل، فاختار محلله بعناية؛ اللواء فايز الدويري! «حلل يا دويري».
أرض – جو: أحسنت إدارة قناة «تي جي آر تي « التركية بإنهاء خدمات مذيعة «ستاربكس»، ولم أكن قد اطلعت على تفاصيل الخبر عندما كتبت أنها ارتكبت خطأ مهنياً جسيماً، لأنها قامت بدعاية لمشروب للمحل بوضعه أمامها على الطاولة، وهذا يكفي للاستغناء عن خدماتها، فلا يجوز الخلط بين الإعلام والإعلان، وبعد الاطلاع على البيان وجدت أن قرار الإدارة اتسم بالحصافة، عندما أرجع القرار لدواع مهنية.
هذا سلوك يؤهل المذيعة المفصولة أن تتحول إلى مذيعة إعلانات، ولا بد من أن تطالبها إدارة القناة بالمدة التي ظهر بها الكوب يحمل اسم «ستاربكس»، حسب سعر دقيقة الإعلانات، على أمل أن تترقى فتصبح ممثلة إعلانات تتمايل وهي تقدم المنتج!
والحديث من منطلق مهني، فقد راعني أنه، رغم أن الصحافيين العرب ومراسلي المواقع الناطقة بلغة الضاد في تركيا ربما يكونون أكثر من أعداد الصحافيين الأتراك، فقد كان المنشور واحداً وغير مكتمل بالتفاصيل، وكأن موقعاً واحداً نشر والباقي نقل عنه، فلا كلام عن توجه القناة، ولا معلومات عن مالكها، ولا تصريح على لسان مسؤول بها، ولا مقابلة معها لعرض وجهة نظرها وحصارها بهذه المخالفة المهنية ودوافعها.
هل هذا القصور بسبب تراجع المهنة، أم كسل الصحافيين في زمن الانترنت؟!
سليم عزوز
تعليقات الزوار
لا تعليقات