أخبار عاجلة

أكذوبة الجيش الإسرائيلي الأكثر تفوقا وإنسانية

منذ عقود تُبذل جهود إعلامية ودعائية كبيرة لإيهام العالم بأن إسرائيل دولة ديمقراطية مثالية وجيشها من الأكثر تطورا وتفوقا وإنسانية في العالم.
انطلت الأكذوبتان على العالم أجمع تقريبا منذ زمن طويل فوقع القادة الغربيون في فخّ ترديد أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في منطقة من الاستبداد والطغيان والتخلف. واُصيب العرب، بسياسييهم وجيوشهم، بالشلل والانبهار لرؤية جنود إسرائيليين مدججين بالأسلحة الفردية والمناظير المتطورة والخوذ وأدوات الحماية يقتحمون البلدات والبيوت الفلسطينية لقتل الأبرياء وترويع النساء واعتقال الفتيان العزّل ثم العودة إلى قواعدهم سالمين.
قبل ذلك ظل العقل العربي سجين صدمة حرب حزيران (يونيو) 1967 التي احتل فيها الجيش الإسرائيلي أراضي ثلاث دول عربية في خمسة أيام.

لم يكن العالم بحاجة إلى السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 ليتأكد من زيف معتقداته حول «الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط وجيشها الأقوى والأكثر إنسانية. فالجرائم الإسرائيلية كانت غذاءً مستمرا من المعاناة ينال الفلسطينيون يوميا، لكن لا أحد يكترث طالما أن القتيل ليس يهوديا والبيوت المهدومة ليست لإسرائيليين.
ثم شاءت المقاومة غير ذلك، فاختارت ذلك السبت المشهود لتذكير الواهمين وإعادة الأمور إلى نصابها: إسرائيل دولة لا علاقة لها بالديمقراطية ومريضة بعنصريتها، وجيشها عاجز ومريض بحقد دفين يستبد بجنوده ومن ورائه قادتهم الميدانيون والسياسيون. الإبادة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة اليوم هي نتيجة لهذا الفشل والحقد والعنصرية المُمأسسة.
لا يوجد سبب حربي أو ميداني يبرر هذا القصف العشوائي الذي أودى بكل هاته الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ، سوى هذا الحقد غير الطبيعي وهذه العنصرية المقيتة.
لكن مهما مارس الجيش الإسرائيلي من قتل وحرق وهدم وتهجير، لن يُغطي ذلك شيئا من حقده وأمراضه. ستبقى الحقيقة الساطعة أنه فشل فشلا ذريعا.
لا يحتاج هذا الفشل إلى جهد كبير لإبرازه. فهو ماثل للعيان وصوره يومية لم يعد ممكنا التعمية عليها أو إنكارها. القتل الجماعي العشوائي دليل على فشل وهدفه الانتقام وزرع الرعب والترويع وتأليب الناس على «مَن تسبب لهم في كل ذلك الأذى». لقد مارس الاستعمار الفرنسي أثناء ثورة التحرير الجزائرية الجرائم المدفوعة بالحقد والعنصرية بالطريقة ذاتها التي تمارسها إسرائيل، وكانت النتيجة مزيدا من الالتفاف حول أبطال حرب التحرير إلى أن طُرد الفرنسيون أذلَّاء حفاة وبما على أجسادهم من ملابس فقط.
هناك حقائق يهم التذكير بها لتثبيت فشل الجيش الإسرائيلي. من ذلك أن مقاتلي المقاومة ينجحون باستمرار في الإجهاز على أعداد من الجنود الإسرائيليين في مواجهات وكمائن. ويكفي أن هؤلاء الشبان، الجيَّاع الحفاة المحاصَرين المطمورين في أنفاق تحت الأرض، لا يكتفون بالإجهاز على عدوهم بل يملكون ترف تصوير أعمالهم وتوزيعها على وسائل الإعلام. مَن يمتلك ترف ووقت تصوير عملياته الحربية حتما ليس في حالة من الذعر أو الخوف أو الاستعجال، وإنما في حالة نفسية إيجابية أحد عناوينها الثقة في النفس وفي أن هذا العدو ليس كما صُوِّر للعالم زورا طيلة عقود من الزمن.
حادثة قتل الجيش الإسرائيلي ثلاثة رهائن إسرائيليين يوم الجمعة ستبقى هي الأخرى في دفاتر التاريخ علامة بارزة على أنه جيش جبان وحاقد. قد يجوز القول إن قتل الرهائن وهم يرفعون الراية البيضاء ويستغيثون بالعبرية كان خطأ. حتى لو صدّقنا ذلك، فهذا الخطأ ليس نابعا من فراغ، بل من الحالة النفسية المرَضية ذاتها ومن عقيدة القتل المتجذرة في هذا الجيش. قتل كل من يتحرك فوق أرض غزة حتى لو كان يحمل الراية البيضاء التي يُعترف بها دوليا كإشارة على الرغبة في الاستسلام منذ حروب الرومان في القرن الأول الميلادي قبل أن تكرّسها اتفاقيات لاهاي وجنيف بداية القرن الماضي. (قبل الراية البيضاء كان المحاربون يضعون الدروع فوق رؤوسهم كعلامة على الرغبة في الاستسلام).
هذه العقيدة ليست نابعة من فراغ، بل نابعة هي الأخرى من العنصرية المُمأسسة والمتجذرة في نفوس جنود أُقنعوا ومعهم العالم بأنهم الأكثر شجاعة وإنسانية.
وصفة العنصرية والحقد تجاه الفلسطينيين ممزوجة بالخوف المفضي إلى الفشل نتج عنها اقتناع الجندي الإسرائيلي بأن حياة الرهائن لا تهم إذا كان الهدف قتل فلسطيني، خصوصا إذا كان من حماس. لكن من ذا الذي يفرّق بين فلسطيني من حماس وآخر من فتح وسط كل تلك الإبادة التي تتعرض لها غزة؟
لا داعي للبحث لأن القتل هو الهدف الوحيد والعقيدة الوحيدة للجيش «الأكثر إنسانية» بين جيوش العالم.. لا اعتقال، ولا إغراء بالاستسلام ولا أي شيء آخر.

توفيق رباحي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

غزاوي

مجرد تساؤل

مجرد تساؤل على من تنطلي الأكاذيب؟ جاء في المقال: "منذ عقود تُبذل جهود إعلامية ودعائية كبيرة لإيهام العالم بأن إسرائيل دولة ديمقراطية مثالية وجيشها من الأكثر تطورا وتفوقا وإنسانية في العالم. انطلت الأكذوبتان على العالم أجمع تقريبا منذ زمن طويل فوقع القادة الغربيون في فخّ ترديد أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في منطقة من الاستبداد والطغيان والتخلف. وأصيب العرب، بسياسييهم وجيوشهم، بالشلل والانبهار"انتهى الغربيون لم يقعوا في الفخ، بل هم من نصبه للعرب، فوقع بعض"القادة" و"أذنابهم" فيه، لكل منهما دوافع، أهمها الجبن، والقابلية للاستعمار، وحب الدنيا، ومركب النقص. الغربيون يعلمون جيدا، أن الكيان أوهن من بيت العنكبوت، فهم من أنجبه بعملية قيصرية، وصفها بوتين بـ "عدم عدالة غير مسبوقة". ولم يفطم هذا الكيان منذ ولادته حتى الآن، فأحاطوه بكل العناية والدعم والرعاية والحماية، ولن يفطم، ويبقى يتصرف كالطفل المدلل حتى يلقى نحره، على يد رجال لم يقعوا في"الفخ"، ولم تنطلي عليهم أكاذيب الغرب. وما أنجزته وكشفته المقاومة في جنوب لبنان وفي غزة خير دليل. "طوفان الأقصى" كشف وهن الكيان وجبن جنده وخردة أسلحته وبدائية تكنولوجيته، ورغم ذلك مازال بعض "القادة"و"الأذناب" متمسكين بتلك الأوهام والأكاذيب.