أعادت عملية طوفان الأقصى، استدعاء التاريخ الجزائري في مقاومة الاستعمار الفرنسي، بشكل مكثف، خاصة في سنواته الأخيرة التي عرفت فيها البلاد ثورة مسلحة، لتفسير أحداث جارية في فلسطين من الناحية العسكرية أو من الجوانب السياسية والدبلوماسية أو مواقف القوى الكبرى التي تتهم المقاومة بالإرهاب تماما مثلما كانت تفعل مع جبهة التحرير الوطني في الجزائر.
وفي هذا الحوار مع “القدس العربي” يقدم نوري دريس الباحث في علم الاجتماع والدارس لتاريخ الثورة الجزائرية، قراءة عميقة للمسارات المتقاطعة بين الثورة في الجزائر والمقاومة الجارية في فلسطين، خاصة أن الاحتلال الفرنسي والإسرائيلي يجمعهما قاسم مشترك من حيث طبيعتهما الإجرامية الاستيطانية الإحلالية ضد أصحاب الأرض.
وفي ما يأتي نص الحوار.
■ منذ بدء عملية طوفان الأقصى، أجرى العديد من المسؤولين والسياسيين والباحثين مقارنات بين الأحداث الحالية والثورة الجزائرية. في رأيك هل هناك عناصر متشابهة بين مسار المقاومة في البلدين؟
■ التاريخ يظهر أنه هناك دائما عناصر مشتركة بين ممارسات الاحتلال وأشكال المقاومة بغض النظر عن السياق الحضاري والثقافي والديني الذي تحدث فيه. أما وأن الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية يستخدم نفس الأساليب ويتبع نفس السياسة التي انتهجها الاستعمار الفرنسي سابقا في الجزائر، فإنه من الطبيعي جدا أن تكون هناك نقاط تشابه كثيرة بين المقاومة الفلسطينية والثورة الجزائرية. تظهر نقاط التشابه هذه سواء في التفاصيل اليومية لأشكال المقاومة أو في النزعات الكبرى التي تخترق المجتمع الفلسطيني اليوم. أو في المراحل الكبرى التي مرت بها الحركة التحررية الفلسطينية.
دعنا نبدأ من النقطة الأخيرة. مع ضرورة الانتباه إلى اختلاف السياقات التاريخية للمقاومتين، نلاحظ أن الاستعمار يشتغل كثيرا على التفرقة بين صفوف المقاومة، ولكن في النهاية دائما يميل الشعب إلى الحركة الأكثر راديكالية من بين كل الحركات وفصائل المقاومة. في الجزائر، أعطى التاريخ الحق لجبهة التحرير الوطني التي تمخضت عن التيار الأكثر راديكالية داخل حزب الشعب/ حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وفي فلسطين تتراجع شعبية حركة فتح يوما بعد يوم، وتزداد شعبية الفصائل التي ترفض أي تطبيع أو اعتراف بالاحتلال الصهيوني.
النقطة الثانية هي عدم فعالية العملية السياسية في سياق استعماري. كذلك الجزائر مرت خلال فترة ما بين الحربية (1919/1945) بحراك سياسي ثري لكن غير فعال لمواجهة الاستعمار. بعد مجازر ايار/مايو 1945 اكتشف الجزائريون، وكذلك النخب السياسية، أن السياسة في سياق استعماري تنتهي إلى امتصاص مقوم المقاومة داخل المجتمع المستعمر واخضاعه تدريجيا، وهذا الأمر يشبه إلى حد ما مسار أوسلو الذي كاد أن ينتهي إلى ابتلاع كل الأراضي الفلسطينية وتشريد الفلسطينيين أو سجنهم في وضع سياسي لا هم فيه بمواطنين عرب فلسطينيين أحرار ولا هم مواطنون داخل دولة الاحتلال.
أما في تفاصيل المقاومة، فدعونا نقف عند نقطة واحدة وهي عملية طوفان الأقصى. نلاحظ العملية، وبعد شهرين، استطاعت إعادة إحياء القضية الفلسطينية، وأصبحت القضية العالمية رقم واحد سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي. صحيح أن الثمن باهظ ولكن التحرير أغلى من كل الأثمان التي يمكن دفعها. بل ليس هناك ثمن للتحرر. في الجزائر استطاعت هجومات 20 اب/اغسطس 1955 التي قادها زيغود أن تحيي الثورة مجددا رغم تكلفتها الباهظة (12000 شهيد تم إعدامهم كانتقام من الهجمات). ماذا لو لم يقم زيغود يوسف ورفقاءه بتلك الهجمات؟ هل كانت الثورة لتموت؟ لا ندري، لكن المؤرخين كلهم يجمعون على أهميتها الاستراتيجية في مسار الثورة الكبرى.
■ عرفت الجزائر استعمارا استيطانيا عمل على سرقة الأرض من أصحابها وتزوير التاريخ. ويقوم الاحتلال الصهيوني منذ ثمانين عاما بنفس الممارسات. هل تنبئنا التجربة الجزائرية بشيء عن مآلات الأحداث في فلسطين؟
■ هناك اختلاف في السياق التاريخي (الدولي أساسا) للثورة الجزائرية وحركة المقاومة الفلسطينية، تجعل من التنبأ أمرا صعبا إلى حد ما. تحررت الجزائر في سياق صعود الحركات التحررية في كل دول الجنوب، بدعم من المعسكر الشرقي آنذاك، ودعم العرب للجزائريين بكل الوسائل. بينما اليوم، لولا عملية طوفان الأقصى لربما تم وأد القضية الفلسطينية، فعملية التطبيع كانت جارية على قدم وساق في الكثير من الدول العربية، وكان المطبعون يتباهون بأفعالهم بل يحتقرون المقاومة ويلاحقون أفرادها ومن يدعمها. ومع ذلك، فالتاريخ يعلمنا أن دولة تقوم على الاحتلال والبهتان فمصيرها هو الفناء مهما طال الزمن. طوفان الأقصى فضح حقيقة المسألة الصهيونية وعرى النخب العربية والمؤسسات الدولية. لكن لن يطول الأمر ليدرك الجميع أن الصهاينة يخدعون العالم، وأن الفلسطينيين لا ذنب لهم في ما حدث لليهود في ألمانيا وأوروبا. إذا لم يعترف اليهود بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة ذات سيادة، فإن الأمر سينتهي إلى سقوط الكيان الصهيوني وسيعود المستوطنون من حيث أتوا، لأن تكلفة العيش على أرض مغتصبة سيكون ثمنها حياتهم وحياة أولادهم. لا يجب أن نعتقد هذا الحل مستحيلا. من كان يتخيل أن مليون ونصف معمر فرنسي وأوروبي سوف يتركون الجزائر ويرجعون من حيث أتوا ومعهم الخونة والمتعاونون مع الاستعمار؟ يظهر التاريخ أن كل شيء ممكن إذا ما تعاملت الشعوب المستعمرة مع الاستعمار بالطريقة التي يعاملها بهم: القوة. وضعت عملية طوفان الأقصى السلطة الفلسطينية وأصحاب الحل السياسي أمام حرج كبير هو: لماذا نعامل الصهاينة بالسلم والسياسة بينما هم يعاملوننا بالحديد والنار؟ أليس هذا ذلا؟ إن اتجاه العلاقة بين المُستَعمر والمستعمِر لا يحددها ميزان القوة العسكرية أي تكافئ القوة العسكرية، بل يحددها نهج الشعب المستعمر. إذا ما قبل بممارسة السياسة مع احتلال يمارس الحرب فمن الطبيعي أن ينتهي الأمر إلى إبادة الشعب الفلسطيني، أما إذا ما واجه الفلسطينيون الاحتلال بالقوة المسلحة (بغض النظر عن وسائلها) فسينتهي الأمر إلى وضع نهاية للاحتلال. السياسة تعني قبول الاستعمار، بينما المقاومة المسلحة تعني رفضه وتعني رفع تكلفة إقامة مستوطنات جديدة. لا يمكن لأية قوة عسكرية أن تفرض نفسها على شعب مُحتَل يقاوم بالسلاح مهما كان السلاح بسيطا. ربما هذا هو معنى الآية القرآنية التي يقول فيها الله تعالى بأن الفئة القليلة تغلب الفئة الكثيرة ما دامت على حق. لاحظ مثلا كيف استطاعت فرنسا بسط نفوذها على الجزائر لمدة قرن من الزمن، ولكن حين رفع الجزائريون السلاح كانت سبع سنوات كافية لدحض الاستعمار. وحتى المعمرون الذين ولدوا في الجزائر وامتلكوا الأراضي والعقارات تركوا كل شيء وراءهم وفروا إلى بلدهم الأصلي لأنهم يعرفون في النهاية أنهم ينتمون إلى أمة أخرى ولا حق لديهم فيما يمتلكون. إذا ما قاوم الفلسطينيون بالسلاح فإن قضية المستوطنات سوف تحل بسهولة: سيعود المستوطنون من حيث أتوا. لكن الاحتلال يريد أن يجعل من مجرد التفكير في هذا أمر غير وارد. إنه يخاف أن يكتشف الناس هذه الحقيقة البسيطة ولهذا يفضل دعم سلطة سياسية دون سلطة على حساب المقاومة، كي لا تخلق ظروف جديدة تصبح فيها دولة الكيان غير جذابة للعيش فيها. حين تقول المقاومة أن الاحتلال بيته أهون من بيت العنكبوت فهي تعي جيدا ما تقول، وهذه هي الواقعية الحقيقية، وليس التسليم بالاحتلال كواقع وقدر.
■ كان أول تدخل للرئيس الجزائري حول فلسطين تأكيده على أن الفلسطينيين ليسوا إرهابيين، مستشهدا بالتاريخ الجزائري الذي وُصمت فيه جبهة التحرير الوطني بالإرهاب. هل ترى أن التاريخ يعيد نفسه في توظيف الغرب لمفهوم الإرهاب لنزع أي شرعية عن المقاومة؟
■ يوظف الاحتلال بغض النظر عن دينه ولغته والسياق التاريخي، كل الأوراق التي تخفف من تكلفة إدامة الاحتلال، والمؤسسات الدولية مصممة لهذا الغرض تحديدا. يتحكم الغرب في المؤسسات الدولية السياسية، والاقتصادية وحتى الإنسانية، ليستخدمها لتخفيف تكلفة الحفاظ على الهيمنة على العالم. ورقة الإرهاب هي إحداها، وهي ورقة قديمة جدا، تستخدمها الأنظمة السياسية ضد معارضيها، كما تستخدمها الأنظمة الاستعمارية ضد المقاومة. الأمر المختلف اليوم هو أن وسائل الإعلام الحديثة أصبحت متاحة للمقاومة وتستخدمها لمقاومة الدعاية الرسمية لأنظمة الاحتلال. ورقة الإرهاب أصبحت تضعف أكثر فأكثر مع فضح المقاومة الفلسطينية ووسائل الإعلام العاملة هناك، لجرائم الاستعمار، بل إن السردية الصهيونية كلها أصبحت موضوع شك في أوساط الرأي العام الغربي.
■ بحديثك عن دور وسائل الإعلام في إحراج المستعمر. لا يلاحظ فرق كبير بين فترة الاستعمار الفرنسي التي ارتكب فيها جرائم فظيعة في غياب وسائل الإعلام بشكلها الحديث وبين ما يجري حاليا في فلسطين وسط تغطية مكثفة. كيف تفسر ذلك؟
■ لا أوافق هذا. صحيح أن إسرائيل تتصرف دون أي اهتمام بالرأي العام العالمي، ولا بأخلاق الحروب وقوانينها، ولكن ثمة بعض المؤشرات التي تؤكد أنها تخسر يوميا أكثر مما تكسب. بل إنها تخسر كل يوم حتى بين أوساط حلفائها ومن يرعاها. تصريحات بايدن الأخيرة، حتى وإن كانت في مناسبة غير رسمية، تبين حجم الضرر الأخلاقي الذي أحدثته إسرائيل في نفسها وفي نفس حلفائها. رغم صهيونية بايدن، فهو غير مستعد للذهاب أكثر من هذا في دعم إسرائيل، لأنه يواجه ضغطا كبيرا من طرف الرأي العام الأمريكي الذي تواصل المقاومة بشكل جيد تصحيح نظرته لما يجري في فلسطين. أما في الداخل الإسرائيلي، فالانقسام بلغ أوجّه، وهناك من يتهم نتنياهو بخداع الإسرائيليين، وتغليب حساباته السياسية على مستقبل دولتهم. وحتى ميدانيا، فالمقاومة توقع خسائر لم يعد بالإمكان تحملها عسكريا واقتصاديا. نجاح المقاومة في الميدان، وعجز إسرائيل عن التصرف كدولة بلجوئها إلى القتل العشوائي والتدمير الشامل، هو نصر للمقاومة على الأمد المتوسط والبعيد. القضية الفلسطينية عادت، وحل الدولتين أصبح مطروحا في كل المحافل، وحكومة اليمين المتطرف تواجه سخطا داخليا وغضبا دوليا.
■ يتحدث رئيس مجلس الأمة الجزائري وهو أحد قادة جبهة التحرير الوطني التاريخية عن أن سر نجاح الثورة الجزائرية كان في توحد كل التيارات تحت راية جبهة التحرير الوطني ويدعو لأن يتكرر الأمر في فلسطين. هل ترى أن الحالة الفلسطينية التي أسقط فيها فصيل مهم المقاومة المسلحة من حساباته يمكنها أن تستلهم من التجربة الجزائرية؟
■ حركة التحرر في الجزائر لم تتوحد في جبهة التحرير الوطني بهذه السهولة التي تبدو لمن يقرأ التاريخ. بل إن ذلك التوحد ليس درسا تاريخيا يمكن تلقينه للمقاومة الفلسطينية اليوم. الشعوب تتعلم بالتجربة ولو أن التاريخ هو درس، لكان الاستعمار أول من يقرأه ويأخذ بحكمة التاريخ.
مرت الحركة التحررية الجزائرية بمخاض عسير جدا كي تصل إلى جبهة التحرير الوطني، وهذا المسار ميزه الصراع والتنافس وأحيانا الاقتتال، وليس التفاوض والتفاهم والتنازلات. الجناح الراديكالي في حزب الشعب أعطى له التاريخ الحق في راديكاليته تجاه الاستعمار، وفجر الثورة بوسائل بسيطة ودون حاضنة شعبية كبيرة. شعبيته اكتسبها مع مرور الوقت، لكنه بقي في صراع مع الأجنحة الأخرى التي كانت تختلف معه في الرؤية (أقصد هنا الحركة الوطنية الجزائرية MNA جناح المصاليين) ومع الخونة الحركى المتعاملين مع الاستعمار. حتى التنظيمات السياسية والجمعوية التحقت بالثورة سنتين بعد تفجيرها (اتحاد أحباب البيان وجمعية العلماء) والخلافات التي برزت داخل قادة الثورة كانت بسبب رفض البعض منح الملتحقين الجدد بالثورة مناصب مسؤولية. تدرك المقاومة الفلسطينية جيدا أنه لن يأتي هناك يوم يتفق فيه الجميع على مقاومة الاحتلال بالسلاح وتحت راية واحدة. مصالح النخب الفلسطينية متعارضة ومتناقضة، وهناك من يفضل المنصب السياسي في جهاز فتح على المقاومة المسلحة وتكلفتها الباهظة. لكن من جهة أخرى، تدرك المقاومة أن هذا هو قدر حركات التحرر: وهي تعرف كيف تتعامل بحكمة مع من يخالفها الرؤية، ومن يعارضها، ومن يقاتلها. لا أعتقد أن اليوم الذي ستكون فيه مقاومة واحدة في فلسطين هو يوم قريب، لكن التاريخ يعلمنا أنه ليس من الضروري أن يكافح جميع المحتلين الاحتلال، فهذا لن يحدث أصلا، ولكن الأغلبية حتما ستكون مع من يقاوم ومن يزرع الأمل بإمكانية قيام دولة فلسطينية ذات سيادة. في الأخير المستفيدون من الاحتلال هم أقلية، بينما ترضخ الأغلبية تحت جحيم الاحتلال وتمييزه العنصري.
■ يرفض بعض المثقفين والساسة دعم المقاومة في فلسطين على اعتبار أن خلفياتها خاصة حماس والجهاد الإسلامي، إسلامية إخوانية، ويرون في انتصار المقاومة انتصارا لهذا التيار الذي يحاربونه. ماذا يعلمنا التاريخ الجزائري في هذا الشأن؟
■ إن تبني حركة المقاومة في فلسطين من قبل حماس والجهاد الإسلامي، جعل بعض المثقفين والسياسيين هنا ينظرون إليها بنفس العين التي ينظرون إليها إلى الإسلام السياسي عندنا، وخصوصا تجربة التسعينات عندنا. وهي نظرة أيديولوجية ضيقة، لا تاريخية، يسقطون بها وضع الإسلام السياسي في دولة مستقلة ذات سيادة على سياق يتكون من كيان محتل وشعب مقاوم. لا يمكن أبدا تصنيف حركة المقاومة الإسلامية حماس ضمن الإسلام السياسي، وكذلك الجهاد الإسلامي، ودعم بعض الدول والأنظمة لا يصلح لتبرير وصفها أنها حركة إخوانية. من الطبيعي أن تلجأ حركات التحرر في العالم الإسلامي إلى الإسلام لتأخذ منها المفردات والقيم والمعجم الذي به يمكنها تجنيد وتعبئة الفلسطينيين ضد الاستعمار. لا يمكن للحركة التحررية في مجتمع مسلم أن تكون علمانية، ولا يمكنها أن تغرف أيديولوجيا وقيميا إلا من الوعاء الثقافي والقيمي والحضاري لشعبها. أتصور أن حركة حماس وغيرها أن تتحول إلى حركات سياسية عادية بعد تحقيق الاستقلال. نحن الجزائريون نتذكر جيدا كيف تحول حزب الشعب من اليسار الماركسي العلماني إلى ماركسية تتغذى من المفردات الإسلامية (الجهاد، الاستشهاد، الأمة…). لم يكن بإمكان حزب الشعب أن تكون له تلك الشعبية، وذلك التفوق التاريخي لو أنه بقي ماركسيا ولم يغرف من الثقافة الإسلامية. صحيح أنه لفق بين ماركسية علمانية ومفردات إسلامية، ولكن لا يجب لومه على ذلك، لأن مهمة تحرير البلاد من الاستعمار كانت تقتضي تجنيد كل المفردات التي بإمكانها تعبئة الجزائريين ضد الاستعمار. جبهة التحرير الوطني، هي مزيج من الثورية الماركسية اليسارية، وبين القيم الإسلامية المحلية وبين التطلعات الحداثية إلى دولة مستقلة ذات سيادة، ولهذا نجحت في مهمتها التاريخية. كانت جبهة التحرير تستخدم مفردات الجهاد، الشهيد…فهل هذا يعني أنها كانت إسلاموية؟ بمنطق مثقفي اليوم الرافضين لحركة حماس فهي كانت كذلك (إسلاموية قبل ظهور الإسلاموية). يجب أن تساءل عن حجم حركة حماس والجهاد الإسلامي شعبيا مع حجم الجبهة الشعبوية والتيارات الأخرى اليسارية أو العلمانية. نحن لا نشكك في وطنيتها ولا في التزامها الوطني، لكن شعبية المقاومة الإسلامية تعود إلى كونها تتبنى القيم المحلية لتعبئة الفلسطينيين.
ثمة نوع آخر من المثقفين الذين يعادون حماس ليس لأسباب أيديولوجية، بل لكون الأنظمة السياسية التي يعيشون فيها تعادي كل حركات المعارضة. وبما أن الإسلام السياسي هو القوة السياسية الأولى التي تستطيع هزيمة الأنظمة ■ بدل انتقاد جرائم الاحتلال والعمل على ملاحقته قضائيا، يفضل هؤلاء الكسالى انتقاد المقاومة مبررين ذلك بعدم تكافؤ موازين القوى العسكرية. في الحقيقة، هؤلاء يحاولون تبرير وإخفاء جبنهم الأخلاقي أمام أنظمتهم السياسية، لأنهم يخجلون فعلا من البطولات التي يسجلها الفلسطينيون يوميا على أرض المعركة، والصمود الكبير للمدنيين أمام الإبادة الهمجية. الفلسطينيون هم الوحيدون من يمتلك حق انتقاد المقاومة من عدمه، وجميعنا يتذكر فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية لسنة 2006. كان ذلك دعما واضحا لنهج المقاومة ورفضا لسياسة الانبطاح التي تتبعها السلطة الفلسطينية منذ مسار أوسلو. كل الدوائر الغربية الجادة، تقول انه لو نظمت انتخابات في فلسطين سوف تفوز بها حماس. لا أحد لديه الحق في الحديث عن ضرورة وقف المقاومة لأن كلفتها غالية إلا الفلسطينيين أنفسهم، أما من غاضته التكلفة فكان حريا به انتقاد الكيان الصهيوني وداعميه غربيا وعربيا، وكان حريا بهم فعل ذلك قبل عملية الطوفان لأن الاحتلال لا يعود إلى السابع أكتوبر، والممارسات الاحتلالية والعنصرية والاجرامية عمرها سبعون عاما.
■ كيف تفسر من منظور علم الاجتماع هذه الشعبية الطاغية التي يحظى بها المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام “أبو عبيدة” في العالم العربي؟ وإلى أي مدى استطاعت حماس التفوق في المعركة الإعلامية؟
أبو عبيدة هو تجسيد للشخصية العربية المقاومة. لقد وجد العرب في أبو عبيدة شخصية آبائهم واجدادهم وبطولات الشخصيات التاريخية، ولهذا أحبه الجميع وتعلق به حتى الأطفال. إنه رمز المقاومة، الشجاعة، وصوت الحق.
أما المعركة الإعلامية، فقد خسرها الكيان الإسرائيلي بسبب جرائمه وهمجيته. لا يمكن أن تخدع الرأي العام العالمي إلى الأبد بالأكاذيب والتلفيق. وقد دفع الجسم الإعلامي الفلسطيني الضريبة غاليا لكسب هذه المعركة. أكثر من سبعين صحافيا استشهد إلى غاية الآن، والصحافي وائل دحدوح تحول إلى أيقونة للمقاومة الصحافية. أما المقاومة، فهي تضرب الرأي العام الإسرائيلي بقوة بفيديوهات البطولات التي يصنعها المقاومون في الميدان. تلك الفيديوهات هزمت جيش الاحتلال نفسيا ومعنويا، وترفع معنويات جميع المتضامنين مع فلسطين.
محمد سيدمو
تعليقات الزوار
فلسطين
والعكس هو الصحيح يااستاذ. الجزائريون هم الذين خدرهم النظام ومازالوا يرقصون على أنغام ثورتهم المجيدة. مازالو يتباكون على الأموات من اجل استمرار النظام العسكري في طغيانه وتخويفهم بالمؤامرات الخارجية التي تحاك ضد الجزائر. وكم ستستمر هذه المهزلة والقوة الضاربة في التاريخ وبلاد المليون ونصف شهيد. لماذا استشهد هولاء ايها الأستاذ الكريم من اجل العيش الكريم لكل الجزائريين واحترام كرامتهم وانتهى الكلام
تحليق خارج الواقع.
خزعبلات: هذا قدر الجزائريين من زملجة الكراغلة إلى الاحتقار الفرنسي ثم همجية العسكر الدي دبح رجالات هذه البلاد خلال العشرية اليقضاء وسجن شبابها خلال الحراك الشعبي العارم الدي لولى أن أوقفته الابئة وبعض العوامل الجانبية لكان قد طرد آخر صعلوك من صعاليك جيش المقبور بوخروبة. المأحورون يتحدثون على الثورة ولا يتوقفون لتقييم مآلاتها ولا محاسبة العملاء الدين اداروا حكم البلاد بعدها. مأخرا مات أحد رموزها الجنرال نزار الدي كان وراء دبح ربع مليون مواطن جزائري .. وينسى أن العصابة الحاكمة خربت الجزائر أكثر من الكراغلة والفرنسيين. واتفقت خيرات الشعب على البوزبال لمجرد معاكسة المملكة الشريفة. العصابة قمعت الجزائريين خلال الحراك فقط لأنهم طالبوا بدولة مدنية ماشي عسكرية. الحزائر الغنية لثرواتها أبناؤها يتبعون في بلدان العالم من أجل لقمة عيش.