أخبار عاجلة

قراءة في مسيرات الجزائر تضامنا مع غزة والعالم

لم أكن مرتاحا كثيرا وأنا أشارك في المسيرة التي نظمتها السلطات في الجزائر الخميس الماضي، دعما للشعب الفلسطيني في غزة، لعدة أسباب منها، أنها لم تكن عفوية تماما، ولا تعبر عن قوة ونوعية مواقف الشعب الجزائري المؤيدة للقضية الفلسطينية، التي يقتضيها الظرف الجديد الذي أفرزته عملية طوفان الأقصى، بكل تداعياته الممكنة. يجمع الجزائريون، على تأييد الذين خرجوا بعفوية في مسيرات، في أكثر من مدينة، تم منعها والتضييق عليها، للتعبير عن موقفهم المؤيد لهبة الشعب الفلسطيني في غزة، قبل هذه المسيرة الوطنية التي تم السماح بها أخيرا، بعد أن تم التفاهم مع بعض أحزاب السلطة للترويج لها رسميا والدعوة لها كواجهة سياسية. مسيرة رغم هذا التأطير شبه الرسمي خرج فيها عشرات الآلاف من الجزائريين في أكثر من مدينة جزائرية في يوم عمل (الخميس) خوفا ربما من الجمعة يوم العطلة الذي قد لا تستطيع السلطات التحكم فيه في الحضور الشعبي الكبير الذي يمكن أن يعرفه.

حصل كل هذا بسبب استمرار حالة الخوف التي ما زالت حاضرة لدى السلطات الرسمية من خروج أي تجمع للجزائريين بعيدا عن قبضتها الأمنية الصارمة، حتى لو كان لصالح القضية الفلسطينية التي تؤيدها هي كذلك، وهو ما يفسر تعليق مقابلات كرة القدم وغلق الملاعب في البلد. نتيجة الخوف من الحضور الشعبي في الشارع الذي تطور بشكل لافت، بعد تجربة الحراك التي أقلقت النخب الحاكمة وكادت أن تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه بالنسبة لها ولمصالحها على رأس السلطة. مسيرات رغم ذلك عرفت مشاركة واسعة من قبل الجزائريين، تميزت بحضور لافت للمرأة الجزائرية والأجيال الصغيرة في السن، الذين قد تكون أول مسيرة يشاركون فيها للتعبير عن موقف سياسي. في وقت تعيش فيه الجزائر مرحلة تضييق سياسي وإعلامي مسّ كل أشكال التعبير، تعلق الأمر بالقضايا الوطنية قبل الدولية، التي وصل فيها المنع إلى مستويات غير مسبوقة، أوصل بعض الجزائريين إلى الحنين لفترة حكم الرئيس بوتفليقة، التي كان التضييق فيها أقل من الحاصل هذه الأيام. تضييق لم يعد مقبولا من قبل هذا الجيل الذي عاش أجواء مختلفة في سنوات الحراك الشعبي، التي كونت أرضية لتنشئته السياسية والاجتماعية، سيكون من الصعب أن يتنكر لها.
رغم أن التأييد الشعبي للقضية الفلسطينية، التقى على الدوام مع التأييد الرسمي للقضية نفسها، ما جعلها، دون رهانات سياسية داخلية في الجزائر، نظرا لهذا الإجماع بين المستويين الرسمي والشعبي حولها، الذي عبّر عن نفسه منذ استقلال الجزائر وهي تحتضن الفصائل الفلسطينية والمساهمة في تسليحها وتدريبها والدفاع عنها في المحافل الدولية، لغاية الجديد الذي ظهر مع التيارات الدينية الإخوانية في الجزائر التي تريد منح صبغة دينية وأيديولوجية إسلامية على هذا التأييد التقليدي للدولة الوطنية الجزائرية والعمل على احتكاره لصالحها في إطار لعبة سياسية دولية، بين أبناء التيار الإسلامي الدولي، دون أن تنجح في هذا المسعى. إجماع شعبي جزائري في تأييد الشعب الفلسطيني لم يتأثر ببعض الأصوات النشاز، كما هو حال حركة الماك الانفصالية وقيادتها المطالبة باستقلال منطقة القبائل من الاستعمار الجزائري! التي أكدت الخروج على هذا الموقف الشعبي الجزائري المؤيد للقضية الفلسطينية، وهي تشارك في مسيرة تضامنا مع الشعب الإسرائيلي ضد الإرهاب، وهو حال بعض الصحافيين والكتاب تقريبا -على قلتهم – من الحاصلين حديثا على الجنسية الفرنسية، أو الطامعين فيها، الذين يقومون بمسايرة الجو السياسي والإعلامي الخانق في فرنسا، وهو يتجه في الغالب نحو أقصى اليمين، وتبني الأطروحات الصهيونية، في السنوات الأخيرة، عكس التنوع الذي كانت تعيشه فرنسا – وأوروبا – في فترات تاريخية أقدم. لم يكن فيها مطلوبا من أصحاب الرأي- بمن فيهم الأجانب من المقيمين في فرنسا – التماهي مع الموقف الرسمي الفرنسي، التعددي بالضرورة. كجزء من التراث الليبرالي الفرنسي المعروف. اختراقات تقوم بها الفكرة الصهيونية للمجتمع الجزائري ومثقفيه مرشحة للزيادة في ظل التطبيع السائد عربيا بالضغوط التي من الوارد جدا أن تزيد على الجزائر، لثنيها على مواقفها التقليدية المعروفة لصالح الفلسطينيين. أجواء وصل صداها عند بعض الكتاب والروائيين باللغة العربية هذه المرة، الذين تم إسكاتهم عبر التلويح لهم بمشاريع جوائز محتملة، طال انتظارها، جعلتهم يبتعدون بشكل واضح عن تأييد القضية الفلسطينية، بحجة تبنيها من قبل التيارات الإسلامية التي يعادونها لأسباب سياسية وفكرية في بعض الحالات، كما يعاديها ممولو هذه الجوائز في منطقة الخليج والغرب. أسماء أدبية وإعلامية معروفة تميزت بمواقف تنم عن أنانية مفرطة جعلتها تمتنع عن اتخاذ أي مواقف داخل الجزائر نفسها لصالح الحريات وحقوق الإنسان، في وقت زاد فيه التضييق على المواطنين الجزائريين وارتفع فيه عدد المساجين من كل الشرائح الاجتماعية في السنوات الأخيرة التي أعقبت توقف مسيرات الحراك، التي أصروا على المشاركة في بعضها لأخذ صور تضاف إلى ألبومهم الشخصي من الصور المعروضة يوميا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، دون الذهاب أبعد من ذلك، خوفا من ممولي الجوائز المعروفين بالعداء لكل مطالب التغيير السياسي في المنطقة العربية، بعد انحسار موجة الربيع العربي الأخيرة.
عكس ما هو حاضر في بلدان المركز – أوروبا تحديدا وجزء مهم من بلدان افريقيا، آسيا وأمريكا اللاتينية – التي تميزت على الدوام بحضور تيارات شعبية قوية مؤيدة للحق الفلسطيني، عبرت عن نفسها من خلال المسيرات التي انطلقت منذ الإعلان عن طوفان الأقصى، لم ينجح التعتيم الإعلامي المعادي في تغيير بوصلتها، يمكن التعويل عليها كرافد اجتماعي وسياسي لصالح القضية الفلسطينية، إذا عرفنا كيف نربط بينها وبين ما يمكن بناؤه في بلداننا التي تبقى في حاجة إلى حريات أكبر لصالح شعوبها، حتى تتمكن من الدفاع عن حقوقها وحقوق الفلسطينيين، لأن فاقد الحرية لا يمكن التعويل عليه للدفاع عن حرية الآخرين.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

بالمرصاد

حق الرد

اللهم كن في عون الجزائر، مهما فعلت فعلها قبيح. قرأت عديد المقالات والتعليقات التي عابت على الجزائر عدم تنظيم المسيرات، ولما نظمت مسيراتها، طعنوا فيها وبخسوها. ورد في المقال 4073 كلمة. خُصِصت 3605 كلمة للطعن وبخس مسيرات الجزائر، سواء المُنَظمَة مسبقا أو العفوية، وخُصِصت 468 كلمة (13%) لمسيرات العالم. المقال قفز على العنف والمنع الذي شهدته المسيرات في الدول الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، لا سيما في أمريكا وأوروبا. كما قفز على تجريم المسيرات في بعض الدول العربية، ومنع حتى وضع الكوفية أو الشارة الفلسطينيتين، وحمل والالتحاف بالعلم الفلسطيني.. المقال أثار التضييق الذي طال المسيرات العفوية، وهو سيد العارفين، أنه لا توجد دولة في العالم تسمح بالمسيرات العفوية. حتى الاستثناء الذي تتميز به الجزائر عن باقي الشعوب العربية والإسلامية، المتمثل في التناغم بين الحكومة والجيش والشعب والأحزاب، موالات ومعارضة حول القضية الفلسطينية، حاول المقال بخسه. تناغم عبر عنه الرئيس تبون بما نصه: "إن فلسطين قضية مقدسة للشعب وللحكومة وللجيش".

غزاوي

مجرد تساؤل.

مجرد تساؤل. ماذا تفعل الجزائر !!!؟؟؟ اللهم كن في عون الجزائر، مهما فعلت فعلها قبيح. قرأت عديد المقالات والتعليقات التي عابت على الجزائر عدم تنظيم المسيرات، ولما نظمت مسيراتها، طعنوا فيها وبخسوها. ورد في المقال 4073 كلمة. خُصِصت 3605 كلمة للطعن وبخس مسيرات الجزائر، سواء المُنَظمَة مسبقا أو العفوية، وخُصِصت 468 كلمة (13%) لمسيرات العالم. المقال قفز على العنف والمنع الذي شهدته المسيرات في الدول الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، لا سيما في أمريكا وأوروبا. كما قفز على تجريم المسيرات في بعض الدول العربية، ومنع حتى وضع الكوفية أو الشارة الفلسطينيتين، وحمل والالتحاف بالعلم الفلسطيني.. المقال أثار التضييق الذي طال المسيرات العفوية، وهو سيد العارفين، أنه لا توجد دولة في العالم تسمح بالمسيرات العفوية. حتى الاستثناء الذي تتميز به الجزائر عن باقي الشعوب العربية والإسلامية، المتمثل في التناغم بين الحكومة والجيش والشعب والأحزاب، موالات ومعارضة حول القضية الفلسطينية، حاول المقال بخسه. تناغم عبر عنه الرئيس تبون بما نصه: "إن فلسطين قضية مقدسة للشعب وللحكومة وللجيش".