لا حديث في موريتانيا هذه الأيام إلا عن فاطمة عليوات البنت المنحدرة من أفقر أسرة من مجموعة الحراطين (الأرقاء السابقون)، لأبيها صمبه عليوات الستيني المقعد الذي يعيش على بيع براميل الماء، ولأمها مارية بائعة الكسكس الشعبي.
فاطمة بظروفها هذه، احتلت الصدارة في قائمة الفائزين في شهادة البكالوريا شعبة الآداب الأصلية بحصولها على معدل 14.51، وجعلت أكي قريتها الصغيرة الواقعة على بعد 200 ميل شرق العاصمة نواكشوط، محطة للزائرين وللإعلاميين والمدونين والمهنئين.
وقدانهالت المساعدات والإكراميات على فاطمة عليوات: فهذا رئيس الجالية الموريتانية في الكويت يتبرع لها بمليون أوقية، وهؤلاء متطوعون يؤمنون لعائلة فاطمة سكنا مجهزا في العاصمة سيمكنها العام القادم من الانتقال للعاصمة لمتابعة دراساتها الجامعية؛ وهذا الأستاذ الدكتور الحاج إبراهيم يكرم الفتاة فاطمة بمكتبة الكترونية كاملة مكتوبة وصوتية بالعربية والانجليزية، و40 رواية ورقية عربية وإنكليزية، وبلوح الكتروني من نوع “آيباد-إيبل”.
ويواصل فريق من المتطوعين المنبهرين بتفوق فاطمة عليوات، التحضير لحفلة تأسيس وسام الأب المثالي تكريما للوالد المكافح والقنوع صمبه عليوات، وذلك ضمن رسالة توعوية موجهة لآلاف الآباء حول خطورة ما يقومون به من حرمان لأبنائهم من الدراسة، وتوجيههم للعمل المبكر، الشيء الذي يتسبب في ضياع مستقبلهم، وبالتالي حرمان آلاف الأسر من تغيير حالها نحو الأفضل.
واقترح رئيس الفريق زيارة ميدانية لعائلة الأب المٌكرم تقوم بها اللجنة التي سيتم تشكيلها للإشراف على عملية التكريم، مع تنصيب لافتات كبرى تحمل صورة الأب المثالي عند مدخل قرية أوكي وفي مدن أخرى؛ والعمل من أجل توفير إيجار سكن لائق في العاصمة نواكشوط لمدة سنة على الأقل في حالة قررت العائلة السكن في نواكشوط لكي تواصل فاطمة دراستها الجامعية هناك؛ والسعي لإيجاد مشروع تجاري صغير يناسب صاحب وسام الأب المثالي، وتنظيم ندوة نقاشية عن دور الأسرة في تربية الأبناء وتفوقهم الدراسي، ثم الختام بتنظيم حفل تكريمي لائق لتسليم درع الأب المثالي للمُكرم.
وعن هذه القصة كتب الإعلامي محفوظ السالك، قائلا “والدها صمبه عليوات، سقاها ماء الحياة لكن بعزة وإباء، وعلمها أن الدنيا تؤخذ غلابا، أما والدتها فقد تعلمت منها كيف تشق طريقها بشرف، وأن تعمل من أجل حاضر ومستقبل، طريقهما سالك، والوصول إليه ممكن، ولو على متن عربة”.
“في جو الإصرار هذا، يقول الكاتب، ترعرعت فاطمة صمبه عليوات، أحد الأسماء الأكثر تداولا هذه الأيام في موريتانيا، فقد قادها تبوؤها المركز الأول في شهادة البكالوريا الأصلية، على الصعيد الوطني، إلى البروز للواجهة، بعد أن عاشت دهرا، على الهامش، بعيدا عن الأضواء، والضوضاء”.
وأضاف “قوة الإرادة، والطموح لدى الأبوين، جعلا فاطمة تختلف، فدرست القرآن وأكملت حفظه، وكان ذلك طريقها نحو التميز، والنبوغ الذي رعياه وسقياه طويلا”.
وتابع الكاتب “اليوم يتنفس صمبه ومارية الصعداء، فقد كسبا الرهان مرتين، مرة حين حفظت فاطمة القرآن، ومرة حين تصدرت الفائزين وطنيا في البكالوريا، لتبدأ مشوارا جديدا نحو دراسة القانون، والسعي لولوج سلك القضاء مستقبلا، وهي التي عاشت وعايشت كيف أن هناك من يعيش على الهامش، ومن يعيش في كنف الرخاء والثراء، وهناك من يقتات من بيع الماء على عربة يجرها حمار، ومن يركب آخر صيحات السيارات، ويمتلك أرصدة مالية كبيرة، ومع ذلك فكلهم يحمل صفة مواطن”.
اليوم دخل والِدا فاطمة: صمبه وماريه التاريخَ من بابه الواسع، وسطّرهما التاريخُ بين دفتيْه بأحرف من ذهب: إنهما، يقول المدون محمد سالم عبد الله، رائعان فقد صنعا بصبرهما وطموحهما وعملهما المتواضع مجداً خالداً ستنقلها الأجيال عبر سنين طويلة، وستجعله بعضُ الأسر طريقاً معبَّدا تسلكه للنجاح والتميُّز”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات