أخبار عاجلة

هل أفلست المعارضة العربية وأصحاب الرؤى السياسية والفكرية؟

أين ذهبت المعارضة العربية؟ وأين اختفى المناضلون والمفكرون والمقاومون وأين تبخرت الأحزاب السياسية والجمعيات الوطنية وأصحاب الرؤى السياسية والفكرية؟ لماذا أقفرت الساحة فجأة إلا من بعض الأصوات الفردية التي لا حول لها ولا قوة؟ أين ذهب أصحاب الدكاكين الأيديولوجية من القوميين واليساريين والإسلاميين والليبراليين وكبار المشعوذين؟

ما يلاحظ اليوم أنها اختفت من الساحة المحلية باستثناء بعض الأصوات في المهجر والتي لا تملك أية قدرة على التأثير في الداخل أو تغييره. من جهة ثانية استتب الأمر أو يكاد للأنظمة الانقلابية مشرقا ومغربا وصارت الفوضى عنوان المرحلة فلا نكاد نجد في كامل الشريط العربي قوة سياسية قادرة على تفعيل التوازن مع قوى الدولة العميقة بما هي الحاكم الحقيقي للبلاد العربية.

السياق الجديد

انتهت تجربة الثورات أو الموجة الثورية الأولى وعاد النظام الرسمي العربي كما كان من قبل بل أشد قسوة وبطشا واكتسح كامل الفضاء السياسي والفكري ونجح في شيطنة الثورات ووصمها بكل النعوت حتى يمسح من الذاكرة الجماعية كل حنين للتغيير. من جهة ثانية تغير السياق الدولي واندلعت الحرب الأوروبية الروسية بعد كارثة الجائحة وصار العالم على شفى الانهيار الاقتصادي.

من جهة أخرى وضع السياق الجديد عملية إعادة إحياء الاستبداد في مأزق بسبب الظروف الاقتصادية والمالية العالمية التي تضرب المجتمعات والطبقات الفقيرة في العمق. هذه الطبقات لن تصمد طويلا قبل الانفجار الكبير لكن المفاجأة أنّ النخب العربية والأحزاب السياسية لم تجعل من هذه الأزمات المتواصلة منذ أربع سنوات تقريبا أداة للتخلص من أنظمة القمع ولوضع تصورات بديلة لمجتمعات عادلة تضمن حرية المواطن وكرامته.
يمكن القول إذن دون مبالغة إن الساحة السياسية والفكرية العربية شاغرة لا يملؤها غير خطاب الاستبداد وسرديات أبواقه الإعلامية.  سياسيا اختفت الأحزاب أو تكاد من الساحة إلا من بعض الدكاكين التي صنعها الاستبداد نفسه ليؤثث بها المشهد البائس وتبخرت الواجهات السياسية كأنها لم تكن . فكريا كان التيار الإسلامي المحافظ طاغيا منذ عشر سنوات (أو هكذا أريد له أن يكون) لكنه اليوم قد شارف على الاختفاء بعد أن هربت قياداته إلى الخارج وسجن منهم من سجن خاصة في مصر وبعد أن اكتشفت الجماهير عجز الإسلاميين عن إدارة الدولة والحكم خاصة في تونس ومصر وليبيا.

من أخطر ما يميز السياق الجديد هو عزوف المواطن عن فكرة التغيير وهو المجال الذي حقق فيه الاستبداد العربي نجاحات كبرى بعد تحويل الثورات إلى برك من الدماء. فباستثناء قلة من الجماعات والأفراد المدركين لأحابيل الخطاب الرسمي فإنّ أغلبية الجماهير لم تعد ترى في الثورات إلا شرا مطلقا خاصة حين تواجهك بالسؤال التالي : وماذا ربحنا من الثورات ؟ وهي في ذلك محقة حسب مقاييس فهمها هي.

نهايات المعارضة العربية

إن عزوف المواطن عن المشاركة السياسية وانعدام ثقته تقريبا في الأحزاب والشخصيات والكتل السياسية يعتبر أخطر مخارج السنوات العشر الماضية. لكن من جهة أخرى ألا يؤشر ذلك على نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة؟ كيف؟

قد لا تبدو هذه المسلمة مقولة مكتملة الأركان فالصورة لا تزال ضبابية لكنه يمكن القول إنّ المرحلة والمراحل القادمة في تاريخ المنطقة لن تكون كما كانت قبلها في علاقة المعارضة العربية بالسلطة من جهة وبالمجتمع من جهة ثانية. لا نقصد هنا المعارضة التي صنعها النظام نفسه خاصة من الكتل القومية واليسارية وحتى من بعض الإسلاميين بل نقصد بها المكونات المدنية أو السياسية القادرة على تكوين رافعة تسمح بتحقيق قدر من التوازن في علاقة المجتمع بالسلطة الحاكمة.

بل يمكن طرح سؤال آخر أكثر حسما : هل وجدت يوما معارضة عربية ؟ هل يمكن اعتبار الإخوان الطيف المعارض الوحيد ؟ لماذا لم توجد جبهة معارضة مدنية موحدة تجمع أطياف مختلفة من التوجهات والمشارب والرؤى؟ ما الذي يمنع ذلك؟
في الحقيقة لم توجد يوما ما معارضة مدنية حقيقية بالمعنى الهيكلي المنظم إلا في حالات نادرة في مصر مثلا قبل الانقلاب العسكري 1952 أو في مراحل استثنائية لكن الثابت هو طابع التناحر الذي كان غالبا على علاقة هذه الأحزاب ببعضها البعض. وهو الأمر الذي استمر طيلة عقود تقاتلت فيها الكتل القومية واليسارية واللبرالية والإسلامية حتى نجحوا في إخلاء الساحة لصالح النظام الرسمي الذي لم يكن يحلم بمعارضة أفضل من هذه.

ثم جاءت الثروات وقفزت المعارضات العربية والشخصيات الفكرية والمناضلون والمفكرون إلى الواجهة لكنهم أحيوا أحقادهم القديمة ولم ينجحوا في غير التقاتل والتناحر والإقصاء والشيطنة والتخوين. نجحت المعارضة العربية في تسهيل عودة الدولة العميقة وفي الرجوع المظفّر للدكتاتوريات العسكرية بسبب فشلها في إدارة الصراع وإدراك تحديات المرحلة. بل إن جزءا كبيرا مما يسمى معارضة عربية كان أشد على الثورات وعلى مسارات التغيير من النظام الاستبدادي نفسه.

اليوم يتشكل مشهد جديد قائم على أنقاض الأحزاب القديمة والشخصيات النضالية الكرتونية واع بأن التغيير لا يتم عبر النظريات والشعارات بل عبر الشارع القادر وحده على تغيير المعادلة. كما أن جيل الشباب الجديد لن يسمح مرة أخرى للعجائز والشيوخ أن تصادر ثورته وأن تتحدث باسمه وأن تسطو على دور الأجيال الجديدة في صناعة مستقبلها ومستقبل أبنائها.

لن تكون أشكال المعارضة الجديدة أيديولوجية ولا حزبية بالمعنى الكلاسيكي للحزب بل ستكون تشكيلات واقعية عملية تتأسس مقولاتها على برامج اقتصادية ومشاريع ملموسة قادرة على إخراج المنطقة من حالة العجز التي شارك في صناعتها النظام الرسمي العربي سلطة ومعارضة على حدّ سواء.

محمد هنيد

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات