يروج الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لبلاده كدولة يمكنها استضافة فعاليات رياضية كبرى افريقية ودولية، بينما تلاحق نظامه اتهامات حقوقية دولية بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خاصة بعد حملة قمع قاسية طالت العشرات من المعارضين ونشطاء الحراك الشعبي وكذلك إعلاميين حيث زج بالكثير منهم في السجون بعضهم صدر بحقه أحكام وآخرون ينتظرون محاكمات يشكك معارضون في نزاهتها.
وأصبح سجل حقوق الإنسان لأي دولة في قلب النقاشات في الهيئات الرياضية الدولية وفي مقدمتها الاتحاد الدولي لكرة القدم على ضوء حملة الانتقادات الحقوقية التي تعرضت لها قطر في السنوات الأخيرة بعد فوزها بتنظيم مونديال قطر 2022 واستمرت حتى أثناء المونديال وبعده.
وشددت دول من بينها ألمانيا على ضرورة أن يكون ملف حقوق الإنسان على رأس المعايير التي يتوجب على الاتحادات الدولية الرياضية مراعاتها أثناء قبول ملفات الدول الراغبة في استضافة الفعاليات الرياضية.
وتعرض الاتحاد الدولي لكرة القدم لانتقادات حادة بسبب قبوله الملف القطري وفوز الدوحة بتنظيم المونديال في نسخة 2022 دون مراعاة ما ينسب لها من انتهاكات حقوقية.
وأغرت بطولة كأس العالم الأخيرة دولا تتجه للنسج على المنوال القطري من بينها الجزائر التي وقعت مؤخرا اتفاقا مع قطر لتطوير البنى التحتية وبناء فنادق فخمة في منافسة دول الجوار خاصة تونس والمغرب.
ويبدو أن هذا الأمر على علاقة بسعي جزائري لاستنساخ التجربة القطرية والذهاب أبعد قليلا بأجندة سياسية تستهدف المملكة المغربية بمحاولة استقطاب الاهتمام الدولي بعد النجاحات التي حققتها الرباط في كثير من المجالات منها السياحية ومنها الاقتصادية وأكثرها إشعاعا في توقيتها، انجازات المنتخب المغربي في مونديال قطر وهي التي لم تأت من فراغ وكانت نتيجة سنوات من العمل والاستثمار في قطاع الرياضة، بينما تقف أكاديمية الملك محمد السادس لكرة القدم شاهدا على أحد أكبر الانجازات الرياضية.
وهذه الأكاديمية هي التي دشنها العاهل المغربي في مدينة سلا في العام 2009 ضمن برنامج واعد لإعادة تشكيل الرياضة الوطنية واكتشاف المواهب ومساعدة لاعبي كرة القدم على الوصول للاحتراف.
وكان المشروع ضمن سلسلة من البرامج التي وضعها الملك محمد السادس كخطة طموحة لضمان التنمية في المملكة، بينما جاء المشروع الرياضي حينها على ضوء قلة المرافق الرياضية ونقص في لاعبي كرة القدم.
وكما استفادت قطر من إيرادات ضخمة لصادرات الغاز وأنفقت بسخاء لإنجاح المونديال (نحو 200 مليار دولار)، تسعى الجزائر على ما يبدو لإنفاق ضخم ولو متأخرا على منشآت رياضية مستفيدة من فائض إيرادات النفط بعد أن كانت تواجه أزمة مالية خانقة.
لكن هذا التوجه وأهدافه يصطدمان بالكثير من العوائق في مقدمتها سجل حقوق الإنسان الذي من المتوقع أن يصبح شرطا أساسيا في ملفات الترشح لاستضافة الفعاليات الرياضية الإقليمية والدولية.
كما يعتبر الاستقرار والأمن من بين تلك الشروط وهو أمر لا تتمتع به الجزائر إما بسبب الاضطرابات الداخلية أو تلك المتعلقة بتهديدات الجماعات الإرهابية الناشطة في المناطق الجبلية في شمال مالي وأيضا في ليبيا وكلاهما يرتبط بحدود ممتدة مع الجزائر.
وأدلى تبون الخميس بتصريحات دعائية بحضور جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وباتريس موتسيبي رئيس الاتحاد الأفريقي للعبة (كاف)، تحدث فيها عن المنشآت الرياضية المنجزة وأخرى قيد الانجاز أو مخطط لانجازها.
وأكد استعداد بلاده لاستضافة مباريات وبطولات دولية وأفريقية، مضيفا في مؤتمر صحافي بعد إشرافه على تدشين ملعب نيلسون مانديلا بالضاحية الجنوبية للعاصمة "قلت لرئيس فيفا إننا على استعداد لاستضافة مباريات وحتى بطولات دولية وتقديم يد المساعدة لهم في أي وقت. وأبلغت نفس الكلام لرئيس كاف أيضا في حال فكروا في تنظيم مباريات ومسابقات أخرى".
وأعلن جاهزية ملعب نيلسون مانديلا الذي يتسع لأكثر من 40 ألف متفرج لاحتضان بطولة أفريقيا للاعبين المحليين، معربا عن آمال بلاده في استضافة بطولات أخرى.
وأكد كذلك أن ملعبين بولايتي ورقلة وبشار جنوبي البلاد أنجزا بنفس المواصفات العالمية، مشيرا إلى توسعة ملعب الخامس من يوليو وتغطيته بسقف معدني وقرب الانتهاء من ملعبي الدويرة وتيزي وزو بالإضافة إلى إمكانية بناء ملاعب جديدة شرقي الجزائر.
وشدد على أن كل هذه المنشآت موجهة إلى شباب الجزائر.
باعتبارهم الشريحة العمرية الأهم لبلد 72 في المئة من سكانه تقل أعمارهم عن 35 عاما.
ويُعتقد أن حديث الرئيس الجزائري عن الاهتمام بالشباب الذين يشكلون 72 بالمئة من سكان البلاد مجرد خطاب للاستهلاك المحلي ومحاولة لمغازلة فئة شكلت الغالبية العظمى للحراك الشعبي الذي رفع مطلب تغيير النظام خلال الاحتجاجات التي خفتت بفعل القمع والاعتقالات والمضايقات الأمنية.
ويعاني معظم الشباب الجزائري من البطالة، لكن النظام يعمد إلى سياسة شراء السلم الاجتماعي عبر تخصيص أموال من إيرادات صندوق لفوائض عائدات النفط وهي سياسة قائمة منذ عقود.
وقال تبون إن إطلاق اسم نيلسون مانديلا على ملعب براقي الجديد يعود إلى العلاقة الخاصة التي كانت تربط الزعيم الأفريقي الراحل بالجزائر التي كان يصفها بأنها "بلده ووطنه".
واختتم تبون تصريحه بالقول "نحن اليوم أمام إثبات الانتماء والهوية الأفريقية بعدما أثبتنا انتماءنا المتوسطي (تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط) وتنظيمنا باقتدار للقمة العربية".
ويلتقي المنتخب الجزائري مع نظيره الليبي غدا الجمعة في افتتاح النسخة السابعة لبطولة أفريقيا للاعبين المحليين التي تستمر حتى الرابع من فبراير/شباط المقبل.
وقال وزير الشباب والرياضة عبدالرزاق صباغ في تصريح سابق "ملفنا لتنظيم كأس أمم أفريقيا 2025 قوي وثابت على عكس الملفات الأخرى، الجزائر لديها بالفعل منشآت تعمل".
ويؤدي الاتحاد الأفريقي بين 5 و25 يناير/كانون الثاني 2023 زيارات تفقدية قبل الإعلان عن البلد المضيف للبطولة المقررة في 10 فبراير/شباط 2023.
وأكد وزير السكن والعمران والمدينة طارق بلعريبي سعي الدولة الجزائرية لتشييد ملاعب جديدة عصرية وفخمة في الجنوب الجزائري بناء على تعليمات سابقة من الرئيس عبدالمجيد تبون، مضيفا أن السلطات كلّفت مهندسين وخبراء جزائريين بمعاينة قطع الأراضي الصالحة التي ستشيد عليها هذه المركبات الرياضية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات