يعصرني الألم وأنا لا أجد تفسيرا لما آل إليه مصير واحد من فرسان الصحافة الحرة في الجزائر، الزميل إحسان القاضي ، الصدمة لا تبرح مفاصلي وهو يقبع في السجن رهن الحبس الاحتياطي، الرجل مناضل منذ أربعين سنة من أجل صحافة حرة قوية ذات مصداقية في بلده الجزائر التي لم يغادرها ولم يطعن في ظهرها بل ظل حركيا (بفتح الراء وليس بالسكون طبعا بمعنى النشاط) بأهداف نبيلة في خدمة مهنة الصحافة وفي خدمة بلده…
عرفته في الثلث الأخير من الثمانينات، بعد انضمامي المبكر إلى حركة الصحافيين الجزائريين ، وعلى الفور نسجت بيننا علاقة زمالة قوية مفعمة بالنضال المشترك من أجل حرية الصحافة وحرية التعبير.. كان إحسان القاضي من أبرز الأعضاء المؤسسين للحركة ممن كانت لديهم قوة الحضور وقوة الاقتراح، منهم على وجه الخصوص : المرحوم عبد الرحمان محمودي، عزيوز مختاري، زبير سويسي، عمار بلحيمر ، يوسف الطاهر، نورالدين خلاصي، فوزية عبابسة، محمد بن تشيكو، مليكة عبد العزيز، فاطمة الزهراء خلفي، عمر بلهوشات، فيصل بن مجاهد، نور الدين إينوغي، لزهري لبتر ، احميدة العياشي ، عابد شارف، محمد علواش، محمد بواسدية ، ومن نشطاء الحركة في الإذاعة ، المرحومة حيزية حيدب و دزاير خلفاوي ومحسن سليماني، وأحمد خيدة، وشادلي بوفروة ، وبديعة حداد ومحمد رضاوي، وهناك الكثير من النشطاء الذين لا تحضرني أسماؤهم في هذه السانحة جمعتهم القناعة الراسخة من أجل النضال في سبيل تكريس مبدأ الممارسة الحرة لمهنة الصحافة.
في حدود ما يمليه القانون وقواعد وأخلاقيات المهنة.. ظل إحسان القاضي محافظا على هذا الوهج النضالي إلى أن أسس مغرب اميرجون ، التي تفرعت عنها راديو آم ، وفي هذه المؤسسة وجد إبني الغالي المرحوم أنيس حمزة الذي عاد من الخارج بشهادة عليا وبناصية التعدد اللغوي، ضالته وفجر موهبته في مجال الصحافة بعد تجربة أولى ناجحة في قناة الشروق، بمؤزارة من الزميلة المتألقة ليلى بوزيدي التي اقترحت عليه الإنضمام إلى فريق التحرير الفرنسي الذي كان يشرف عليه الصحفي البارز خالد درارني الذي أحاطه بالرعاية والتشجيع وبالصرامة التي تقتضيه معايير الاحترافية في العمل الصحفي، إلى جانب الصحفي الأنيق المتألق منصف آيت قاسي الذي صار رفيقه وسنده الدائم.
لقاء المرحوم أنيس حمزة بالإعلامي القدير إحسان القاضي ، كان بمحض الصدفة على متن الطائرة في رحلة جوية، تبادلا أطراف الحديث وكلاهما أعجب بالرصيد المعرفي والثقافي للآخر، وعلى الفور لم يتردد إحسان القاضي في أن يعرض على الفقيد أنيس حمزة الإنضمام إلى أسرة مغرب اميرجون ، ولما عاد المرحوم إلى البيت توجه نحوي مباشرة ليبشرني بنبإ التعرف على رجل إعلام متميز يرغب في ضمه إلى مؤسسته، ولما سألته : من يكون هذا الرجل الأيقونة في مجال الصحافة؟ ، أجابني بنبرة الحائز على جائزة ثمينة : هذا الرجل يدعى إحسان القاضي، ابتسمت وقلت له : هذا الرجل إعلامي متميز فعلا ولي معه ذكريات جميلة في النضال من أجل عزة المهنة ورقيها.
وهكذا فتح إحسان القاضي أبواب الممارسة الحرة لمهنة الصحافة لفقيدي العزيز أنيس حمزة ، وهكذا تمكن المرحوم من التألق في فترة وجيزة وصار أحد أيقونات التغطية الإعلامية للحراك الشعبي الذي أعاد لوجه الجزائر جماله الذي نال منه الخدش والتشويه طيلة عقود الإرهاب والتدمير والنهب والفساد.. هذا التألق اللافت للحبيب الراحل أنيس حمزة لم يدم طويلا وانتقل فقيدنا الغالي إلى جوار ربه في 23 سبتمبر 2021، وكان الزميل إحسان القاضي وفريقه من أكرم الناس مواساة لنا في هذا المصاب الجلل.
ما حز في نفسي أن هناك من الزملاء الصحافيين من تهجم على شخص هذا الرجل وهو وراء القضبان!!!، مهما كانت درجة الاختلاف بيننا كإعلاميين، ليس من الشهامة ولا من المروءة أن نتشفى في زميل يحدث له ما حدث لإحسان القاضي، إذا لم تكن لدينا الشجاعة في الدفاع عن زميل مسجون، وجب علينا، على الأقل ، أن نصمت.
الحرية الحرية لإحسان القاضي.
تعليقات الزوار
لا تعليقات