أخبار عاجلة

قطار التنمية في المغرب لا يسع جميع المغاربة بل 10 % من المحظوظين

تحت عنوان “زمن بلا يقين، حياة بلا استقرار: صياغة مستقبلنا في عالم يتحوّل.. صورة لمجتمع عالمي يترنح بين أزمة وأخرى ويخاطر بالاتجاه نحو تزايد الحرمان والمظالم” أصدرت الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي، تقريرها السنوي حول التنمية البشرية، وهو التقرير الذي يرصد “مؤشر التنمية البشرية” في دول المعمور، مستندا في تصنيفه وتنقيطه لتلك الدول إلى ثلاثة معايير ومعطيات فرعية أساسية؛ ترتبط أساسا بـمتوسط العمر المتوقع والتعليم والمستوى المعيشي للساكنة، في علاقة بالقدرة الشرائية.

في هذا التقرير، الذي يُعَدّ واحداً من أرقى مؤشرات قياس التقدم الذي تحققه البلدان بطريقة شاملة، نجد أن المغرب قد حقق تراجعا من المرتبة 122 إلى المرتبة 123، من أصل ال 191 دولة، التي شملها التصنيف العالمي لـ”مؤشر التنمية البشرية”، حيث جاء بعد دول عديدة ما زال يشهد بعضها صراعات وحروبا تهدد كيانها الوجودي.

هذه المرتبة المتدنية، ليست وليدة اليوم، فحسب تقارير سابقة، (منذ سنة 1998) فالمغرب كان دائما، يقبع في قعر ترتيب دول العالم؛ وفي كل سنة يتمّ ترتيبه في المرتبة العشرين بعد المائة، لا يتزحزح عنها قيد أنملة، في الوقت الذي نجد فيه دولا تتقدم وأخرى تنمو.

أمام هذا الوضع فإن أول سؤال يتبادر إلى ذهن كل مغربي بعد الاطلاع على هذا التقرير هو: لماذا بقي المغرب وفيا لهذه المرتبة المتدنية قابعا في ذيل ترتيب الدول؟ ثم هل يبدو الأمر معقولا، إذ كيف تحتل دول تعيش حروباً وصراعات مرتبة أفضل من المغرب الذي يعيش “الأمن والاستقرار” بحسب خطاب السلطة؟ وهل يعقل أن يظل مستوى التنمية البشرية في هذا المستوى من الجمود بعد مرور عشرات السنين؟

هي أسئلة محيرة بالفعل، لكن الجواب عنها نجده في تقرير آخر، صدر مؤخرا عن “مختبر اللامساواة العالمية” والذي وصف حالة اللامساواة في الثروة بالمغرب بأنها متطرفة، بحيث ان الشريحة الأغنى (10 % فقط من السكان) يسيطرون على أكثر من 63% من ثروات البلاد، بينما لا تمتلك الشريحة الأفقر (50 % من السكان) أية ثروة، أو على نحو دقيق، يملكون جميعا أقل من 5 % من إجمالي ثروات البلاد.

لا بد أولا وقبل كل شيء، من الاعتراف أن النموذج التنموي، الذي بشّر به العهد الجديد قد فشل، وأن أحلام فقراء المغرب قد تبخّرت تحت ضغط سدنة العهد القديم، فلا يجدي إنكار هذا الواقع البئيس، ولا توجيه الاتهام لهذا التقرير أو ذاك، بالتحامل على المغرب والتحيز ضده، لأن التقرير الأممي، حول التنمية البشرية يعتمد على عدة معايير لقياس التقدم الذي حققته الدول، من بينها؛ الناتج الداخلي الإجمالي، والدخل الفردي لكل مواطن، وأمد الحياة في كل بلد، وجودة التعليم، ونسب البطالة، والمساواة بين الجنسين، والمشاركة السياسية للمرأة، ورفاهية العيش، ومستوى معدلات الفقر، وجودة الرعاية الصحية. وهي المؤشرات التي أجمع كل المختصين والمراقبين -سواء الدوليين أو المحليين-  تدنيها وضعفها في سلم التنمية البشرية.

هل يمكن لأحد، مهما تفاءل، أن ينكر أن الدخل القومي الفردي في المملكة الشريفة دون المتوسط ومتدنٍّ؟ وهل يمكنه أن ينكر أن دور المدرسة العمومية في تراجع؟

إن هذه الأسئلة تفضي إلى طرح أسئلة أكثر حدّة حول طريقة اشتغال الدولة المغربية؟ وعدد الفرص التي ضيعتها طوال السنين الماضية؟ وجدوى المشاريع البراقة الخادعة من قبيل القطار فائق السرعة وغيره من المشاريع التي ينتفع منها الذين أنجزوها؟

لنخلص إلى جواب شافٍ وكافٍ، ألا وهو أن سبب الوضع الذي يعيشه المغرب هو الأمراض الخبيثة التي تنخره: مرض الفساد، ومرض الاستبداد، ومرض الانفراد بالقرار والتحكم في الثروة، الثلاثي القاتل، الذي لا يمكن لأي دولة أُصيبت به، أن تتقدم وتنمو مهما فعلت.

ونتائج هذه الأمراض نجدها في تقارير مندوبية التخطيط المغربية التي أحصت ملايين المغاربة الذين يعيشون تحت عتبة الفقر وملايين مضاعفة أخرى فوق عتبة الفقر، جميعهم من سكان هوامش المدن. ونجدها في الطرق غير المعبدة، وفي المدارس المعزولة، وفي المستوصفات الطبية التي تفتقر لأدنى شروط التطبيب. ونراها في أولئك المنسيين من سكان الجبال، الذين يحلمون فقط بتشييد طريق تفكّ عزلتهم، ومستوصف صغير لنسائهم الحوامل، ومدرسة تعطيهم بصيصا من الأمل في تغيير وضعيتهم.

هناك من يزعم أن المغرب قد عرف دينامية جديدة في العهد الجديد، لكن الحقيقة أن الدينامية الوحيدة التي عرفها المغرب هي دينامية الفقر، حيث تضاعف عدد الفقراء في السنوات الأخيرة بشكل متسارع، وكأن المغرب لا ينتج سوى الفقر.

فلاش: قبل صدور تقرير التنمية البشرية لهذه السنة، توقعتُ وأنا أحاور أحد الأصدقاء، أن المغرب سيظل وفيا لنفس الرتبة التي حققها في السنة الماضية، وقد يتراجع إلى الخلف، دون أن يحقق أي تقدم يذكر، صديقي الذي يحاورني، كان أكثر تفاؤلا منّي، قال لي بأن المغرب، مع صعود هذه الحكومة الجديدة، سيعرف بعض التقدم، وحين سألته كيف عرف ذلك؟ قال من خلال  البرنامج الحكومي الذي قدمه رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، والذي تضمن مجموعة من الالتزامات الدالة على البعد الاجتماعي منها إحداث مليون منصب شغل صافي خلال 5 سنوات المقبلة، وتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة، وإخراج مليون أسرة من دائرة الفقر والهشاشة، وحماية وتوسيع الطبقة الوسطى وتوفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية لبروز طبقة فلاحية متوسطة في العالم القروي، وتعميم التعليم الأولي لفائدة كل الأطفال ابتداء من سن الرابعة مع إرساء حكامة دائمة وفعالة لمراقبة الجودة؛ وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.

قلت لصاحبي لا تصدق كل ما يقال، خاصة من السياسيين الذين يضعون مصلحتهم الشخصية فوق مصلحة الوطن. ألا ترى يا صاحبي، أن ثروة عزيز أخنوش-حسب آخر تحديث لمجلة فوربس الأمريكية- قد ارتفعت، بشكل كبير، إذ تجاوزت مليارين من الدولارات الأمريكية، وذلك منذ أن تولي رئاسة الحكومة. قال بلى، قلت إذن عليك أن تبتعد عن التلفزة المغربية فأخبارها كلها رسمية.

أمين بوشعيب كاتب مغربي مقيم في إيطاليا

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

باحماد

Buona giornata

حتى يكون مقالك موضوعيا كان عليك ان تتطرق الى الاكراهات و الظرفية السياسية و العالمية لهذا فأنت لم تأت بجديد و كل ما ذكرت معروف لدى المغاربة بعضه يجانب الصواب و الآخر يبقى نظري . مشاكلنا نعرفها بالتفصيل لأننا نعيش داخل البلد بحلوه و مره و كما اننا نستنكر كل اعوجاج في التسيير ، نأدي الواجبات كذلك لكننا لا نجلس في مقاهي إيطاليا و نحتسي البيرة ثم نطلق احكاما تدور حول أرقام تصدرها الامم المتحدة و غيرها من الهيئات .. بالتاكيد هناك اختلالات و الطريق مازال طويلا إلا أن المغاربة لهم من الطموح و العزيمة و الوطنية ما يجعلهم في مستوى التحدي الذي ينتظرهم

عمار

مكري حنكو

كلام جاف ينم عن كراهية اكثر من المصداقية لان ما وصل اليه المغرب اليوم لم يتنبا به احسن المتفائلين واتمنى ان تبقى على رايك اتجاه اخنوش في ظرف الاربع سنوات القادمة على ابعد تقدير