جددت قضية الصحافي المسجون بلقاسم حوام في الجزائر، طرح النقاش السياسي والمجتمعي حول حرية الصحافة في البلاد. وأصدرت عدة أحزاب ومنظمات بيانات تنديد ضد حبس الصحافي وطالبت بالإفراج عنه، فيما أعلن عدد من زملائه تنظيم وقفة احتجاجية للمطالبة بالإفراج عنه.
يقضي صحافي جريدة الشروق بلقاسم حوام يومه الرابع في سجن الحراش بالعاصمة الجزائرية، على خلفية مقال له يتحدث عن قرار منع تصدير التمور وهو ما نفته لاحقا وزارة التجارة.
وذكرت مصادر قانونية مطلعة على الملف، أن الصحافي متابع بموجب قانون مكافحة المضاربة غير المشروعة الذي صدر في 28 كانون الأول/ ديسمبر 2021، على خلفية موجات ندرة مست بعض المواد الأساسية.
ويعتبر هذا القانون، من قبيل المضاربة غير المشروعة، ترويج أخبار كاذبة أو أنباء كاذبة مغرضة بين الجمهور، بغرض إحداث اضطراب في السوق ورفع الأسعار بطريقة مباغتة وغير مبررة. وتتراوح عقوبة هذه التهم بين 5 إلى 30 سنة في أوقات الكوارث والأزمات الصحية والحالات الاستثنائية.
ولقيت قضية الصحافي حوام تفاعلا منقطع النظير، بالنظر لكون الدستور الجزائري يمنع إخضاع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية، فضلا عن استشعار زملائه وجود ظلم في القضية، لأن الصحافي حسبهم حاول لفت الأنظار لقضية المعالجة الكيميائية للتمور الجزائرية حتى لا يتكرر مشكل سحبها من أسواق بعض الدول التي تضع اشتراطات صحية مشددة لاستيراد المواد الغذائية.
واتفق معظم المتفاعلين مع القضية على وجود تضييق في حرية الصحافة في البلاد، بينما لم تصدر وزارة الإعلام أي رد فعل لحد الآن.
وعبّر وزير الاتصال والثقافة السابق، عبد العزيز رحابي، عن صدمته لسجن الصحافي على خلفية مقال يتناول قضية تجارية بحتة، كان يحق للحكومة حسبه، نفيها أو تكذيبها بإحدى الأشكال المعمول بها في جميع وسائل الإعلام في العالم الحديث.
وذكر السفير السابق والمعارض البارز فترة الرئيس السابق في منشور له على صفحته الرسمية، أن “مصادرة حرية صحافي بعد نشره معلومات ذات طابع تجاري بحت دليل على استمرار استغلال العدالة لأغراض سياسية في الجزائر، مشيرا إلى أن “هذه المسألة تتعلق بممارسات بالية، كنا نظنها انتهت”.
وأبرز رحابي أن سجن صحافي الشروق لا يشكل عملاً منعزلاً لأنه يعقب سجن صحافيين من يومية “ليبرتي” لأسباب لا تتعدى المضايقات السياسية ضد صحيفة أُجبرت على الاختفاء، كما أنه يأتي في سياق قضية جريدة “الوطن” التي قال إنها تتعرض لنفس الضغوط، ويمكن أن تختفي بدورها من مجال إعلامي.
وأضاف أنه يتعين على حكومتنا تَقبُل أن المجتمع يطالب بالمساءلة بدلاً من الاستبداد، الذي جربته دون نجاح أو جدوى السلطات السابقة.
من جانبها، نددت حركة مجتمع السلم بالتعسُّف في استعمال “الحبس المؤقت” مباشرةً، دون استكمال إجراءات المحاكمة الكاملة والعادلة، وقالت في بيان لها، إنَّ “ما أُعلِن عن سبب اعتقال الصحافي يمسُّ بحرية الرأي والتعبير، وأنه يكفي من الجهة المتضرِّرة أن تستعمل حقَّ الرَّد، لا أن تلجأ إلى توظيف القضاء في ذلك”.
وأشارت الحركة التي تمثل المعارضة في البرلمان، إلى أنه “من حقِّ الصحافي أن يتناول أيَّ قضيةٍ تهمُّ الرأي العام الوطني، ومن حقِّه الاحتفاظ بسرِّية مصدر معلوماته، وهو ما يكفله له الدستور، ابتداءً من خصوصيته الإعلامية إلى منع العقوبة السَّالبة للحرِّية عنه”.
واعتبرت مجتمع السلم أنَّ تكرار مثل هذه الممارسات يؤكد التدهور الملاحظ في مجال حقوق الإنسان، والتراجع عن المكتسبات في مجال حرية الرأي والتعبير والصحافة، وهو ما يخلُّ بالنصوص القانونية والدستورية، ويضرب صلب التعهدات المعلنة من قبل السلطات، ويسيء إلى صورة الجزائر.
بدوره، قال حزب جيل جديد إن حبس الصحافي في إطار ممارسة مهمته الصحافية يطرح عددا من الإشكاليات والتساؤلات القانونية والسياسية. وجدد استياءه من اللجوء الآلي والمفرط للحبس الاحتياطي واعتباره عقوبة مقنّعة قبل صدور الحكم ما يخالف قرينة البراءة، أحد المبادئ الأساسية لحقوق المتهم في القانون الجزائري.
وأضاف أن استعمال حق الرد وشرح الموقف الرسمي كان ليكون تجسيدا ميدانيا لالتزامات الدولة باحترام الحريات الأساسية للمواطن بما فيها حرية الصحافة، عوض محاكمة صحافي لتناوله ملفاً يهم صحة المواطن واقتصاد البلاد.
وفي سياق التفاعل مع القضية، أصدر عدد من الصحافيين بيانا للتنديد بحبس الصحافي، وتوجهوا للرئيس عبد المجيد تبون، بصفته القاضي الأول في البلاد، بنداء لإطلاق سراحه، معتبرين أن ما حدث يمثل مساسا بالإجراءات القانونية والدّستور. كما أن حبس صحافي على مقال خبري، حسبهم، يشوّش على صورة الجزائر في الخارج، خاصة في ظل الظروف الرّاهنة وما تفرضه من تحديات على بلادنا التي تتهيأ لاحتضان اجتماع القمة العربية.
ودافع البيان عن الصحافي الذي لم يقم من وجهة نظر زملائه إلّا بواجبه في تنوير الرّأي العام، وتنبيه السّلطات إلى ضرورة اتّخاذ الإجراءات اللّازمة لحماية المنتوج الوطني، وذلك لأجل هدف أسمى هو الحفاظ على سمعة الصّادرات الجزائرية خارج المحروقات. كما دعا الموقعون إلى وقفة تضامنية مع الصّحافي بلقاسم حوام بدار الصّحافة يوم الأربعاء.
وحتى خارج الأوساط السياسية والإعلامية، أبدت عدة جمعيات مثل منظمة حماية المستهلك واتحاد التجار تعاطفهم مع الصحافي ودعوا للإفراج عنه.
تعليقات الزوار
لا تعليقات