أخبار عاجلة

هل تنتصر الحنجرة الليبية على السلاح ؟

 

 

 

تشهد ليبيا حاليًّا موجة تظاهرات هي الأكبر والأكثر تأثيرًا منذ سنوات، فعلى مدار الفترات الماضية، وتحديدًا منذ دخول الجنرال خليفة حفتر إلى المشهد عام 2014، كان السلاح هو العامل الحاسم في المشهد السياسي، فيما توارى صوت الشارع لصالح المليشيات العسكرية والمرتزقة وأمراء الحرب، بينما لم يستطع السياسيون السيطرة على المشهد، بل راحوا يتناحرون على كراسي السلطة ومناطق النفوذ السياسي والاقتصادي، لذا فمهما اختلفت التقييمات حول مدى تأثير الحركة الاحتجاجية الحالية في ليبيا وقوتها، فلا شك أنها تعد تطورًا مهمًّا، يستحق التوقف والتحليل.

«بالتريس».. من يقود الحراك الحالي؟

انطلقت التظاهرات الحالية في ليبيا في الأول من يوليو (تموز) 2022، بدعوات من تيار «بالتريس» الشبابي، وهو تيار تأسس عام 2011، ويُعرِّف نفسه، وفقًا لموقعه الرسمي، بأنه:

«‎تيار شبابي يمثل فئة الشباب داخل المجتمع الليبي، كانت انطلاقته من منصات التواصل الاجتماعي في سنة 2011، وتطور في شكل منتظم ليتحول إلى كيان يجمع الشباب من مختلف المدن والبلديات في عموم المدن الليبية، كفكرة وصوت شبابي، بات لا غنى عنه ولا يمكن استثنائه».

وقد حدَّد أهدافه وفقًا للآتي:

  1. وحدة التراب وسيادة الوطن.
  2. ضمان حق الشباب في التعبير عن آرائهم بما يضمنه قانون الحريات الليبي.
  3. المحافظة والذود عن الهوية المجتمعية الليبية والنضال في سبيلها.
  4. محاربة الأفكار الهدَّامة الدخيلة على المجتمع.

وغالبًا ما كانت ترتكز أحاديث التيار في السابق حول ضحايا الحرب الأهلية، وضرورة دفع البلاد لإنهاء حربها التي استنزفت موارد ليبيا وشبابها، وبعد أن كان التيار يضم بالكاد نحو 3 آلاف شاب، ويرتكز عمله في المجال الافتراضي، أعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، من مقره في طرابلس، عن تأسيس حراك شبابي جديد على أرض الواقع، وليس العالم الافتراضي فقط.

حتجاجات في ليبيا

وأكد قادته أن هدفهم هو «تكوين مجتمع شبابي حر وبدون قيود، في ظل حالة التشرذم والانقسام، مبتعدين بذلك عن الصراع السياسي الذي أدى إلى حروب أهلية بين المدن والقبائل في الوطن ليبيا، ومتبنين خطابًا تصالحيًّا، ووقوفهم صفًا واحد ضد الحرب بنبذ التفرقة السياسية والقبلية».

وكانت أبرز أنشطة التيار في ديسمبر (كانون الأول) 2021، بعد إلغاء الانتخابات الليبية التي كان من المقرر إقامتها في الشهر نفسه، إذ نظَّم التيار مظاهرة احتجاجية في طرابلس، ضمت العشرات، رفضًا لتأجيل الانتخابات، والتي ينظر إليها التيار بوصفها المخرج الوحيد للأزمة التي تمر بها ليبيا، وقد دعت التظاهرة جميع الشباب في أرجاء ليبيا بالخروج بشكل منظم في مظاهرات في جميع المدن والقرى الليبية للمطالبة بسرعة إجراء الانتخابات.

ونظرًا إلى ما سبق، لم يكن من المتوقع أن تحقق دعوات التيار للنزول مُجددًا إلى الشارع حاليًّا كل هذا القبول والنجاح، إذ استجاب الشباب لدعوات «بالتريس» من مختلف أنحاء ليبيا، منذ الأول من يوليو 2022، وهو ما دفع التيار إلى الدعوة إلى تنظيم عصيان مدني في الرابع من الشهر نفسه، وبعد نصب الخيام بالفعل في ميادين طرابلس، تراجع التيار عن هذه الخطوة، بذريعة أنه لم يحصل على التصاريح الأمنية المطلوبة، دون أن يُحدِّد موعدًا لاحقًا للعصيان.

طبيعة التظاهرات وكيف تعاملت الأطراف السياسية معها؟

عاشت ليبيا في الأول من يوليو يومًا استثنائيًّا بكل تأكيد، إذ بدا الحراك الشعبي مُغايرًا لما كان عليه الوضع في السنوات السابقة، فقد انطلقت التظاهرات من مختلف أنحاء البلاد، رافعة شعارات مناهضة لكافة الأطراف السياسية، ولم تعفِ أحدًا من مسئولية تردي أوضاع البلاد.

هذا الوضع المشحون عززته حالة الإحباط التي استشرت في البلاد منذ تأجيل الانتخابات العامة، والتي كانت محور كافة الجهود الدبلوماسية والسياسية منذ نحو عام ونصف العام، ووضع الكثير من الليبيين آمالهم على أن تُسهم هذه الانتخابات في استقرار الأوضاع، وتحسين أحوالهم المعيشية. وقد تسبب تبدُّد كل تلك الآمال في المزيد من الإحباط للشارع.

احتجاجات في ليبيا

وتفاقم الوضع أكثر مع اندلاع الحرب الأوكرانية، وتصاعد أزمات الاقتصاد والغذاء العالمي، وتأثر أحوال المواطنين في ليبيا بها، مما ترك أثارًا مؤلمة على رجل الشارع، ويأتي ذلك بالتزامن مع إدراك المواطنين قدر الفساد الذي تعانيه البلاد، شرقها وغربها، وامتلاك النخب السياسية للسيارات الفاخرة والفيلات الخاصة، وتنفيذ المليشيات في كلا المعسكرين عمليات تهريب «ضخمة» للوقود.

وانطلقت المظاهرات انطلاقًا متزامنًا في مناطق الشرق والغرب والجنوب، بأعداد غير مسبوقة منذ عام 2014 تقريبًا، وشملت التظاهرات مدن طرابلس، ومصراتة، وسرت، وبني وليد، وسبها، وطبرق، والبيضاء، وبنغازي، وأجدابيا، وسلوق.

وفي العاصمة طرابلس، تجمَّع المحتجون أمام مقر رئاسة الوزراء وأغلقوا الطرقات وحرقوا إطارات السيارات، وفي مصراتة، اقتحم المتظاهرون مبنى البلدية، وأغلقوا الطريق الرئيسي، وكذلك الأمر في بني وليد وفي سرت، أمَّا في شرق البلاد، فقد اقتحم المتظاهرون مقر مجلس النواب بطبرق، وكسروا بوابته الرئيسية وأضرموا النيران فيه، وكذلك رفعوا شعارات ولافتات مناهضة للجنرال خليفة حفتر.

واتفقت المظاهرات في الشعارات التي رفعتها في جميع أنحاء البلاد، والتي ركَّزت على ما يلي:

  1. تسريع إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
  2. تفويض المجلس الأعلى للقضاء أو المجلس الرئاسي بحل جميع الهيئات السياسية.
  3. إعلان حالة التعبئة العامة.
  4. حل أزمة الكهرباء.
  5. توضيح الحقائق للناس.
  6. إلغاء مقترح رفع الدعم عن المحروقات.
  7. تعديل حجم رغيف الخبز وسعره.
  8. خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من شرق وغرب وجنوب البلاد.

وفي معظم الحالات، وقفت قوات الأمن، سواء أكانت شرطة رسمية أم جيشًا أم مليشيات معترف بها رسميًّا، موقف المتفرج من الاحتجاجات ولم تتدخل ضد المتظاهرين، وإن كانت هناك بعض الاستثناءات البسيطة.

أمَّا بشأن تفاعل الأطراف السياسية المختلفة مع التظاهرات، فقد كان الوضع معقدًا، والسبب في ذلك، هو أن تلك المظاهرات تسحب الثقة من كافة مؤسسات الدولة، بشكل صريح، وتمنح الشرعية حاليًّا للمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للقضاء، وهي شرعية مؤقتة مرتبطة بإدارة المرحلة الانتقالية، التي يأمل الشارع أن تتم سريعًا.

لذلك، لا عجب أن يُعلن المجلس الرئاسي أنه في حالة انعقاد دائم حتى «تتحقق إرادة الليبيين»، وذلك دون أن يوضِّح إذا ما سيستجيب بالفعل لمطالب الشارع، ويحل كافة المؤسسات السياسية في البلاد، أم لا، وكذلك دون وضع جداول زمنية، ولكنه أكَّد سعيه لتشكيل سلطة جديدة منتخبة.

وبينما التزم رئيس الحكومة المُعينة من قبل برلمان طبرق، فتحي باشاغا، الصمت، أيَّد رئيس الحكومة الليبية في طرابلس، والمنتهية ولايته، عبد الحميد الدبيبة، مطالب المتظاهرين، داعيًا إلى تفكيك كافة الأجسام السياسية الموجودة في البلاد، بما في ذلك حكومته، على أن يتوجه الجميع إلى انتخابات حرة مباشرة، وهو موقف منسجم بالأساس مع الوضع المعقد الذي هو عليه حاليًّا، ومنسجم مع رغبته في السابق بضرورة إجراء الانتخابات، وعدم تأجيلها لصالح قرارات أحادية من برلمان طبرق.

مستقبل الحراك وحدود تأثيره

يمكن القول إن الحراك الشعبي الليبي أحدث نقلة لا بأس بها في ديناميات السياسة الليبية، وأضاف فاعلًا جديدًا للمشهد لم يكن في الحسبان، ولكن تظل قدرته في التأثير في مجريات الوضع مرتبطة بمدى القوة السياسية التي سيكتسبها خلال الفترات القادمة، خاصةً وأن قيادته شابة لا تحمل خبرات أو نفوذًا سياسيًّا أو قبليًّا.

صحيح أن حالة الجمود الحالي تحتاج إلى مُحفِّز جديد، يحرك المياه الراكدة، ولكن لا يبدو أن الحراك يمتلك تلك القوة، أو هكذا يبدو الوضع الآن، وتحديدًا فيما يخص قدرة الحراك على إجبار أطراف المشهد السياسي على التنازل عن مطالبهم الخاصة، والمضي قدمًا نحو انتخاب سطات جديدة تمامًا، فكل طرف يرى أنه يمتلك الشرعية الكافية، والقدرة العسكرية التي تمكِّنه من الاحتفاظ بموقعه الحالي، الموقع الذي قد لا يُكسبه تقدمًا جديدًا، ولكن يحفظ له موقعه الحالي المؤثر.

لذلك يرى البعض، أن أقصى ما يمكن التوصل إليه هو إجراء تعديلات على حكومة باشاغا، بحيث تضم بعض العناصر الجديدة من المعارضة، أو إعادة فتح قنوات تواصل مع الدبيبة مرة أخرى، ولا يبدو أن المجلس الرئاسي في موقع قوة يسمح له بإعادة ضبط المشهد، إلا إذا اصطفت خلفه كافة القوى الخارجية الكبرى، وهو احتمال ضعيف.

الخطورة الحقيقية تتمثل في تدهور الوضع الاقتصادي أكثر، بما يحوِّل التظاهرات السلمية، أو ذات معدلات العنف المحدودة، والتي قادتها مجموعة «بالتريس»، إلى موجات احتجاجية عنيفة، تقضي على الأخضر واليابس، وتجتاح الجميع، خاصةً إذا تلاقى هذا الأمر مع دعم القبائل التي تعاني اقتصاديًّا.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات