أثار قرار سحب تونس اعترافها باختصاص المحكمة الافريقية لحقوق الانسان موجة انتقادات واسعة بين المنظمات الحقوقية والمحلية والدولية، وسط قلق ومخاوف من تراجع مكاسب حقوق الانسان في البلاد مما سيدفع إلى مزيد التضييق على الحريات العامة.
وتعد المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان، التي تتخذ من مدينة أروشا التنزانية مقراً لها، واحدة من الآليات القضائية الرئيسية التابعة للاتحاد الإفريقي، والمكلفة بتطبيق الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، بينما سيحرم قرار الانسحاب التونسيين من أفراد ومنظمات غير حكومية من حق الوصول إلى المؤسسة القضائية والتقاضي الإقليمي والدولي.
وكانت تونس قد منحت مواطنيها والمنظمات غير الحكومية الحق في تقديم شكاوى مباشرة إلى المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان في عام 2017، وذلك في إطار التزامها بحماية حقوق الشعوب بعد أن برزت كواحدة من الدول الديمقراطية النادرة في المنطقة إثر الانتفاضات الشعبية التي عُرفت باسم "الربيع العربي" عام 2011.
وتداول عدد من النشطاء مراسلة وزارة الخارجية التونسية للمحكمة الإفريقية، بشأن الانسحاب، فيما نددت منظمات تونسية ودولية بهذا القرار، معتبرة إياه "تراجعا خطيرا" عن مكاسب حقوقية في البلاد.
وطالبت الشبكة التونسية للحقوق والحريات الحكومة التونسية بمراجعة قرارها ضمانا لاستمرارية المكتسبات الحقوقية والتزاما بتعهداتها الإقليمية والدولية في مجال حقوق الإنسان، مشددة على أنه "من حق الأفراد والمنظمات غير الحكومية أن تحتكم إلى هيئات قضائية إقليمية أو دولية مستقلة كضمانة أساسية لإقامة العدل ضمن منظومة إقليمية حقوقية تُعتبر تونس جزء لا يتجزأ منها".
وأوضحت الشبكة أن حماية حقوق الإنسان في كليّتها ليست مجالا للمقايضة أو المساومة، وهي أحد الضمانات الأساسية لحياة ديمقراطية تحترم فيها القيم الإنسانية، وسبيلا من أجل العيش معا في كنف احترام الاختلاف والتنوع والتعدد"، معتبرة أن "الآلية التي وفّرتها المحكمة الإفريقية المتعلقة بتمكين الأفراد والمنظمات غير الحكومية من حق اللجوء إليها عن طريق تقديم عرائض تظلّم بعد استنفاذ كامل المسار القضائي الوطني، يندرج ضمن الحقوق الأساسية للبشر ويتطابق مع نص الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب التي صادقت عليه الدولة التونسية منذ 1983".
وأشارت إلى أن "تونس قد انضمت إلى بروتوكول المحكمة منذ 2007 وقدمت إعلانها الخاص بالبند 34 الذي يتضمن الفقرة السادسة سنة 2017، بما يجعل من الآلية المشار إليها أحد المكتسبات التي جاءت بها ثورة 17 ديسمبر/كانون الاول 2010-14 يناير/كانون الثاني 2011، ولذا فإن التراجع عن المكتسبات الحقوقية الإقليمية والدولية يعد انتكاسة في مجال الحقوق والحريات التي طالما ناضل وضحى من أجلها أجيال".
ووصفت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قرار الانسحاب بأنه "سري ومباغت"، مؤكدة أنه يمثل "انتكاسة خطيرة" لالتزامات تونس و"محاولة للانسحاب من آلية قضائية مستقلة يمكن أن تحد من الإفلات من العقاب وتضمن الإنصاف للضحايا".
ودعت في بيان الاتحاد الإفريقي واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إلى "مطالبة الدولة التونسية بالوفاء بالتزاماتها بموجب الميثاق الإفريقي"، معتبرة أن "حماية الحقوق لا يجب أن تكون موضع تراجع أو مناورة سياسية"، مؤكدة "مواصلة التزامها بالدفاع عن الحريات بكل السبل المشروعة".
ويأتي هذا القرار في ظل توترات سياسية داخلية، حيث شهدت تونس منذ فبراير/شباط 2023، حملة توقيفات شملت سياسيين وإعلاميين وناشطين وقضاة ورجال أعمال في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".
ويتهم الرئيس التونسي قيس سعيّد سياسيين بـ"التآمر على أمن الدولة، والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار"، بينما تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين للإجراءات الاستثنائية التي فرضها في 25 يوليو/تموز 2021.
وتعتبر قوى سياسية تونسية هذه الإجراءات "انقلابا على دستور الثورة"، فيما تعتبرها قوى أخرى مؤيدة للرئيس سعيد "تصحيحا لمسار ثورة 2011".
وأكد الرئيس التونسي مرارا أن إجراءاته هي "تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم"، مشددا على عدم المساس بالحريات والحقوق، قائلا إن النظام القضائي في بلاده مستقل ولا يتدخل في شؤونه.
تعليقات الزوار
لا تعليقات