نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرًا أعدته لافدي موريس وزكريا زكريا وميغ كيلي، قالوا فيه إن إسرائيل تقوم ببناء نقاط مراقبة في سوريا، ما يثير مخاوف من احتلال دائم للأراضي السورية.
وذكرت الصحيفة أن صور الأقمار الاصطناعية تظهر أبنية حديثة. فمع اجتياح الجيش الإسرائيلي لسلسلة من القرى السورية، الشهر الماضي، أكد الجنود لسكان المنطقة أن الوجود سيكون مؤقتًا، والهدف يقتصر على الاستيلاء على الأسلحة، وتأمين المنطقة بعد انهيار نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. ولكن المركبات التي جاءت بعد ذلك تشير إلى وجود أكثر ديمومة.
وتساءل محمود مريود، رئيس مجلس قروي جباتا الخشب، الذي شاهد القوات الإسرائيلية تبني موقعًا عسكريًا جديدًا على حافة قريته: “إنهم يبنون قواعد عسكرية، كيف يكون هذا مؤقتًا؟”.
وأضافت الصحيفة أن صور الأقمار الاصطناعية التي تحققت منها تظهر عددًا من المباني والعربات العسكرية في القاعدة الإسرائيلية المسورة، مع بناء متطابق تقريبًا على بعد خمسة أميال إلى الجنوب. ويرتبط كلاهما بطرق ترابية جديدة بأراضٍ في مرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل في حربها عام 1967.
ويمكن رؤية منطقة من الأراضي التي تم تطهيرها، والتي يقول الخبراء إنها تبدو وكأنها بداية لقاعدة ثالثة، على بعد بضعة أميال أخرى إلى الجنوب.
وبعد ساعات من انهيار حكم الأسد، في كانون الأول/ديسمبر 2024، اخترقت الدبابات والقوات الإسرائيلية “خط ألفا”، الذي مثّل، وعلى مدار نصف قرن، حدود وقف إطلاق النار، وأصبحت الأراضي فيه منطقة عازلة تشرف عليها قوات الأمم المتحدة داخل الأراضي السورية، وفي بعض الحالات أبعد من ذلك.
وأضافت الصحيفة أن القوات الإسرائيلية تدخل وتخرج من المنطقة العازلة، التي تبلغ مساحتها 90 ميلًا مربعًا، والتي من المفترض أن تكون منزوعة السلاح، وفقًا لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 بين إسرائيل وسوريا. وقالت إسرائيل إنها تعتبر هذه الاتفاقية باطلة بعد انهيار نظام الأسد.
وقال مسؤولون محليون إن المنطقة العازلة يبلغ عرضها في أوسع نقطة حوالي ستة أميال، ولكن في نقاط معينة تقدمت القوات الإسرائيلية عدة أميال أبعد منها. وبحسب ويليام غودهيند، محلل الصور في شركة “كونتيكست غراوند”، فإن موقعي البناء الجديدين، الواقعين داخل ما كان حتى وقت قريب تحت سيطرة سورية، يبدو أنهما قاعدتان للمراقبة الأمامية، متشابهتان في البنية والشكل مع تلك الموجودة في الجزء الذي تحتله إسرائيل من مرتفعات الجولان.
وأضاف أن القاعدة في جباتا الخشب أكثر تطورًا، في حين يبدو أن القاعدة الواقعة إلى الجنوب قيد الإنشاء. وقال إن الأولى ستوفر رؤية أفضل للقوات، في حين أن الثانية لديها وصول أفضل إلى شبكة الطرق في المنطقة، كما هو الحال بالنسبة للقاعدة الثالثة إذا تم بناؤها على منطقة من الأراضي المطهرة إلى الجنوب.
وكانت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قد ذكرت في الأصل إنشاءات في الموقع في جباتا الخشب. وتظهر صور الأقمار الاصطناعية أيضًا طريقًا جديدًا يقع على بعد حوالي 10 أميال جنوب مدينة القنيطرة، ويمتد من خط الحدود إلى قمة تل بالقرب من قرية كودنة، ما يوفر للقوات الإسرائيلية نقطة مراقبة جديدة.
وقال مريود إن الجرافات الإسرائيلية قامت بجرف أشجار الفاكهة في القرية وأشجار أخرى في جزء من محمية طبيعية محمية من أجل بناء البؤرة الاستيطانية بالقرب من جباتا الخشب. وقال رئيس البلدية: “أخبرناهم أننا نعتبر هذا احتلالًا”.
ومنذ التوغل في سوريا، أقام الجنود الإسرائيليون أيضًا نقاط تفتيش وأغلقوا الطرق وداهموا المنازل وشردوا السكان وأطلقوا النار على المتظاهرين الذين تظاهروا ضد وجودهم، كما يقول السكان في المنطقة.
وفي الليل، تم رصد دوريات على الطرق الخلفية مع إطفاء الأنوار، قبل العودة إلى القاعدة. وقالت بدور حسن، 55 عامًا: “لا أحد يعرف ماذا كانوا يفعلون، لا أحد يجرؤ على السؤال”. وكانت تتحدث وهي تقطف أوراق الشاي من حقل يقع على بعد بضع عشرات الأمتار من حاجز أقامه الجيش الإسرائيلي.
وردًا على أسئلة حول طبيعة ومدة أنشطتها في سوريا، قال الجيش الإسرائيلي إن القوات الإسرائيلية تعمل في جنوب سوريا داخل المنطقة العازلة وفي نقاط إستراتيجية، لحماية سكان شمال إسرائيل. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قال، في وقت سابق، إن وجود القوات غير محدد، مشيرًا إلى مخاوف أمنية.
وفي رده على استهداف المتظاهرين بالنيران، أجاب أنه تصرف بناء على الإجراءات العسكرية، بعد أن طلب من المتظاهرين الابتعاد عن الجنود.
ويأتي التوغل في سوريا في وقت تشن فيه إسرائيل حربًا على عدة جبهات، ردًا على هجمات “حماس”، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على إسرائيل، وأدت إلى رد انتقامي في غزة، دمر معظم بناه التحتية، وشرد سكانه، وقتل عشرات الآلاف منهم.
وتقول الصحيفة إن مقاتلي “هيئة تحرير الشام”، الذين يسيطرون على معظم سوريا، غائبون بشكل ملحوظ عن المنطقة العازلة. ونقلت الصحيفة عن هايل العبد الله، 77 عامًا، شيخ قبيلة قرية الصمدانية الغربية الصغيرة: “ربما لديهم صفقة مع إسرائيل لا نعرفها”.
وقال إنه عندما أغلقت القوات الإسرائيلية طريقًا جنوب منزل عبد الله بالتراب والصخور، اعترض. وقال: “أخبرتهم أن هذا ليس غزة. لا يمكنك منعنا من الدخول”.
وتقول إسرائيل إن جزءًا من مهمتها الاستيلاء على الأسلحة لمنع الهجمات على سكانها. لكن مريود قال إنه لم يتبق أي منها. وقال إنه عندما وصلت القوات الإسرائيلية إلى قرية مريود، طالبت السكان بتسليم الأسلحة التي تركتها قوات النظام الهاربة. ووافق السكان على جمع الأسلحة وتسليمها لتجنّب الغارات التي كانت القوات الإسرائيلية تنفذها في أماكن أخرى، ولكنهم عادوا مرتين أخريين.
وقال مريود وهو جالس في غرفة اجتماعات مفروشة بالسجاد وتطلّ على مناظر واسعة للريف المحيط: “في المرة الثالثة التي جاءوا فيها، أخبرتهم أنه حتى لو كان لدينا أسلحة، فإن سوريا لديها حكومة جديدة، وسنسلمها لحكومتنا الجديدة”.
وقالت القوات الإسرائيلية، يوم السبت، إنها تعرضت للرصاص وردت “بإطلاق النار”. وأعلنت مجموعة تطلق على نفسها “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا” المسؤولية. لكن المقاتلين في المنطقة قللوا من أهمية الحادث. وقالوا إنه وقع عندما اعتقدت عائلة معروفة بالجريمة أن القوات السورية تحاول اعتقال أفرادها.
وأعلنت إسرائيل ضم الجولان في عام 1981 رغم المعارضة الدولية. وقالت إن العملية مهمة لمنع تعرض المستوطنات للقصف، مع أن مرتفعات الجولان مهمة بسبب مصادر المياه التي تغذي بحر الجليل ونهر الأردن. وتشمل المنطقة العازلة سدًا على خزان يزود مساحات واسعة من جنوب سوريا بالمياه. وهناك شكوك بين السكان في المنطقة بأن إسرائيل تسعى إلى الاستيلاء على المياه وغيرها من الموارد. وعلى الرغم من عملياتها في المنطقة، فإن الجيش الإسرائيلي يقول إنه لا يسيطر على السد.
وبالنسبة للسكان الذين يعيشون قرب خط وقف إطلاق النار، مثل شيخ القبيلة عبد الله، فإن وجودهم عنى وقوعهم وسط خط صدع جيوسياسي بين نظام الأسد وإسرائيل.
ولا تزال بعض المباني هنا مشوهة بسبب المعارك التي اندلعت بين الحكومة والجماعات المتمردة ومقاتلي “حزب الله” اللبناني، حيث لا تزال علامات الرصاص والثقوب الفارغة من نيران المدفعية مرئية.
وفي آب/أغسطس، بدأت القوات الإسرائيلية في حفر خندق جديد بطول 5.5 أميال على عمق 100 قدم داخل الجانب السوري من السياج الحدودي، حسب صور الأقمار الاصطناعية.
ويخترق الخندق أرض أحمد بكر، 35 عامًا، الذي يعيش في منزل مبني يتكون من غرفتي نوم مع زوجتيه و10 أطفال. تراقب المسيرات التي تحلق في السماء الزوار الذين يأتون إلى بيته. وهو ليس غريبًا على التواصل مع الإسرائيليين. فقد ولدت ابنة بكر البالغة من العمر 9 سنوات في إسرائيل، بموجب مبادرة إسرائيلية لبناء الدعم والنفوذ على الجانب السوري من المنطقة العازلة.
ونقلت إسرائيل أثناء الحرب الأهلية الجرحى من قوات المعارضة عبر الخط الفاصل لتلقي العلاج في المستشفيات الإسرائيلية، وذلك حسب المسؤولين في المنطقة، كما مولت الجماعات المسلحة التي كانت تقاتل الأسد وداعميه من “حزب الله”.
والآن تقوم القوات الإسرائيلية بمداهمات للبيوت ودوريات وقطعت القاعدة العسكرية سكان القرى عن حقول الرعي، ما أجبرهم على شراء المزيد من علف الماشية. وقال بكر: “الكل يشعر بالقلق وليس أنا فقط”.
وهم يخشون من التشريد، فعاصمة المنطقة، مدينة البعث، تبعد ميلًا واحدًا عن خط وقف إطلاق النار. وقامت الحكومة السورية ببنائها عام 1986 لسكان مرتفعات الجولان الذين تشردوا أثناء حرب عام 1973. ولم يسمح لمعظم سكان الجولان، الذين يقدر عددهم بحوالي 100,000 نسمة، بالعودة إلى قراهم ومدنهم هناك.
واليوم تحاصر الدبابات الإسرائيلية مقر المحافظة الذي كان يشغله “حزب البعث”. ويمر السكان بسرعة من شارع قطعه حاجز إسرائيلي وعمود إنارة ساقط.
ويقول بلال سليمان، رئيس البلدية المحلية: “لن نسمح بحدوث نفس الشيء مرة أخرى، لا توجد احتمالات بأننا سنغادر”.
وقال جاب الله حمود، 52 عامًا، الذي توقف لمعاينة الطريق المسدود والمؤدي إلى بيته: “سمح لمعظم الذين أمروا بمغادرة منازلهم أثناء التقدم الأولي للقوات الإسرائيلية عبر الخط العازل في كانون الأول/ديسمبر بالعودة، ولكنهم أخبروني أن بيتي أصبح في منطقة عسكرية”.
وأضاف أنه يقيم وزوجته وأولاده الثمانية مع أصدقاء في بلدة قريبة. واستطاع تأمين مزارع آخر ليعتني ببقرتيه وأغنامه الـ15، لكنه اضطر لترك كلابه ودجاجه لعدم توفر مكان لها. وغير سكان مدينة البعث اسمها، الشهر الماضي، إلى مدينة الشام.
تعليقات الزوار
لا تعليقات