بينما يصرّ النظام الجزائري على الترويج لمقولة “نمتلك أفضل منظومة صحية في إفريقيا”، لا يبدو أن كبار المسؤولين أنفسهم مقتنعون بهذه الدعاية الرنانة، وإلا فما الذي يدفعهم إلى حجز أسرّة كبار الشخصيات في مستشفيات باريس كلما أصيب أحدهم بنزلة برد؟
آخر الفضائح التي خرجت إلى العلن ليست سوى تأكيد إضافي على أن شعار “الجزائر الجديدة” لا ينطبق سوى على اللافتات الرسمية، فقد كشفت وسائل إعلام فرنسية أن ديون الجزائر لمستشفيات فرنسا بلغت 45 مليون يورو خلال عام 2023 فقط! نعم، يبدو أن “المنظومة الصحية الأفضل في إفريقيا” تعمل بكفاءة… ولكن في الضواحي الباريسية.
وفي الوقت الذي يصرخ فيه الإعلام الرسمي بكل فخر عن “الاكتفاء الذاتي الصحي” و”نهضة القطاع الطبي”، لا يتردد كبار المسؤولين، مدنيين وعسكريين، في الهروب إلى فرنسا عند أول ارتفاع طفيف في درجة الحرارة. ويبدو أن الوطنية عندهم تتوقف عند أبواب المستشفيات المحلية، إذ أن “حب الوطن” لا يمنعهم من اختيار أفخم المصحات الفرنسية عند الحاجة إلى الفحص الطبي، فيما يُترك المواطن المسكين ليعالج نفسه بالوصفات التقليدية و”الأعشاب السحرية”.
ولأن الحكومة الجزائرية لا تبخل على مسؤوليها في أوقات الشدة، فقد تكفلت بدفع فواتير علاجهم (أو على الأقل تجاهلها حتى إشعار آخر)، مما جعل المستشفيات الفرنسية مضطرة لمطالبة الدولة الجزائرية بتسديد الديون المتراكمة. وكالعادة، ردّ النظام الجزائري بغضب شديد، ليس عبر الدفع، بل عبر مهاجمة فرنسا واتهامها بالمؤامرات والدسائس.
المثير للسخرية أن الرد الرسمي الجزائري على هذه الفضيحة لم ينفِ تلقي كبار المسؤولين العلاج في فرنسا، بل اكتفى بإنكار الأرقام، مشيرًا إلى أن الجزائر تحترم التزاماتها المالية. ولكن إذا كانت الجزائر تملك بالفعل أفضل منظومة صحية في إفريقيا، فلماذا لم يعالج كبار مسؤوليها في “المستشفيات النموذجية” التي يتفاخر بها الإعلام الرسمي؟ ربما لأن هذه المستشفيات موجودة في “الجزائر الموازية” التي لم يكتشفها الشعب بعد!
ولأن السخرية لا تنتهي في بلاد العجائب، فقد حاول الإعلام التابع للنظام إنقاذ الموقف عبر الزعم بأن المسؤولين الجزائريين لم يعودوا يتوجهون إلى باريس، بل إلى ألمانيا! نعم، لم يعد العلاج في فرنسا خيارًا جذابًا، فالمسؤولون انتقلوا إلى مستوى أعلى! لكن، أليس هذا اعترافًا ضمنيًا بأن المستشفيات الجزائرية ليست حتى في المرتبة الثانية، بل ربما في مرتبة لا تزال قيد الاكتشاف؟
وبينما تتراكم ديون الجزائر في مستشفيات فرنسا، يعيش المواطن الجزائري معاناة يومية في مستشفيات بلاده، حيث الاكتظاظ، ونقص الأدوية، وغياب التجهيزات، وهجرة الأطباء الذين لم يعد لهم أي حافز للبقاء في بلد يعتبر الصحة رفاهية مخصصة للنخبة.
أما المواطن البسيط، فله “الحلول التقليدية” التي لا تحتاج إلى موازنة أو ديون: شرب الماء الساخن، وتناول الأعشاب، والاعتماد على “المناعة الطبيعية”، أو ببساطة، “التوكل على الله”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات