قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش في السودان عبد الفتاح البرهان، في أول تصريح له عقب محاولة فاشلة لاغتياله عبر طائرة مسيرة استهدفت وجوده في قاعدة عسكرية شرقي البلاد، أمس الأربعاء، “إن الجيش لن يضع البندقية حتى يتم تنظيف السودان من أي متمرد أو مرتزق”، مشيراً إلى مضيهم قدماً في سحق “ميليشيا آل دقلو الإرهابية والقضاء عليها”، على حد قوله.
وأضاف لدى مخاطبته الدفعات المتخرجة من الطلبة الحربيين: “معركتنا مستمرة مع العدو، ولن نتراجع أو نستسلم ولن نتفاوض مع أي جهة مهما كانت”.
وتابع: “لن نخشى أي مسيرات، نحن خرجنا للانتصار أو الموت”. وأردف: “إن السودان يتعرض لمؤامرة كبيرة، وليس لدينا مفر من خوض المعركة”.
ونجا البرهان من محاولة اغتيال عبر استهداف من مسيرة أثناء حضوره تخريجاً عسكرياً في قاعدة جبيت بولاية البحر الأحمر شرقي السودان. وقال مكتب الناطق الرسمي باسم الجيش، في بيان أمس الأربعاء، إن المضادات الأرضية تصدت لمسيرتين معاديتين استهدفتا موقع الاحتفال بتخريج دفعات من الكليات الحربية والجوية والبرية عقب ختامه.
وأعلن البيان مقتل خمسة أشخاص ووقوع إصابات طفيفة يجري حصرها.
وأفاد شهود عيان أن المسيرة الأولى سقطت خلف الصيوان المعد للاحتفال، أما الثانية فوقعت في الميدان وأدت إلى مقتل ضباط وطلبة حربيين يتبعون للجيش.
وعلى وقع الحادثة، انقطع بث التلفزيون الرسمي في البلاد الذي كان يقوم بنقل فعاليات التخريج، في حين عمت حالة من الرعب والهلع بين أهالي الطلاب الحربيين المتخرجين الذين كانوا حضوراً بأعداد مقدرة. البرهان الذي حضر إلى الحفل العسكري وهو يحمل بندقيته ومرتدياً الزي القتالي الذي ظهر به في القيادة العامة في الخرطوم أثناء اشتداد المعارك في أبريل/ نيسان العام الماضي، أفادت مصادر عسكرية “القدس العربي” بعدم تعرضه لأي إصابة.
وتداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة قبيل لحظات من وقوع المسيرات وفيديوهات أخرى للبرهان عقب الحادثة وهو يتفقد جرحى الحادثة بمستشفى جبيت في ظل التفاف كبير للمواطنين حوله.
وفي تصريحاته عقب الحادثة أيضاً، أكد البرهان ترحيبه بكل الجهود المخلصة نحو السلام، مؤكداً عدم ممانعته التوصل إلى اتفاق سلام، ولكنه عاد واشترط أن يكون السلام القادم يحفظ عزة وكرامة الشعب السوداني. وأضاف قائلاً: “نريد أن تتوقف الحرب ورأسنا فوق منتصرين، لا يمكن أن تتوقف الحرب والعدو د في منازل المواطنين ومحاصر بابنوسة وقرى الجزيرة والفاشر”.
وشدد بأن قوات الدعم السريع ما دامت موجودة في هذه المناطق، فإن الحرب مستمرة ولن تتوقف.
وفي السياق، دعا إلى أن تستوعب مفاوضات السلام القادمة كل القطاعات الشعبية وحركات الكفاح المسلح المشاركة في معركة الكرامة، مبيناً أن الجيش ليس وحده من يقاتل في هذه المعركة، لذلك لا بد لأي مفاوضات أن تستصحب معها رؤى القواعد الشعبية، مشترطاً كذلك أن تعترف الجهات الداعية للتفاوض بحكومة السودان وسيادتها على أراضيه.
وطالب البرهان من المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة، بالتشاور مع حكومة السودان بشأن أي مبادرة وعدم تبني أي رؤية للمتمردين.
وأضاف: “حتى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إذا أرادوا المساعدة في قضية السلام في السودان، ينبغي لهم الحديث مع حكومة السودان والاستماع لوجهة نظرها بشأن وقف الحرب وتحقيق السلام”.
الضابط السابق في المعارضة السودانية، حسام الدين ذو النون، قال لـ”القدس العربي”، إن الهجمات بالطائرات المسيرة على معهد المشاة في جبيت ذات دلالات متعددة، وإن اختلفت مسبباتها بسبب شح المعلومات المتوفرة عنها والجهات التي تقف خلفها.
وأكد على صعوبة التكهن في الوقت الراهن لتعدد الجهات التي تقف من خلف تلك المحاولة واختلاف الدوافع، فما بين أنها محاولة جادة للتخلص من القائد العام أو رسالة في بريد البرهان بأن الصبر قد نفد، وربما أيضاً محاولة من جهات أخرى لرفع أسهم البرهان وحثه للسير في طريق مخطط له، لكن في الوقت الراهن من الصعوبة الإدلاء بأي قول قاطع.
واستبعد أن تكون محاولة استهداف بغرض مفاوضات جنيف، مبيناً أن تلك المفاوضات نفسها تواجه صعوبات جمة، لأن غرضها الأساسي هو التنصل من مخرجات اتفاق جدة في مايو/أيار من العام الماضي.
وقال: “مفاوضات جنيف ولدت ميتة، إلا إذا توفرت آلية تجعل قوات الدعم السريع تتوقف عن مهاجمة المدنيين والخروج من الأعيان المدنية، وهو أمر أيسر منه أن يلج الجمل في سم الخياط عبر وسائل تفاوضية.
لذا، أن يكون الاستهداف بسبب العملية التفاوضية المقترحة، هو أمر مستبعد”.
وأشار إلى أن اختراق منطقة عسكرية حصينة كمعهد المشاة بجبيت، هو أمر جلل من حيث التوقيت والمكان، وهو مؤشر على اختراق كبير للمناطق العسكرية نفسها بصورة تدعو للريبة.
وبين أن هناك تأخراً في استجابة المضادات الأرضية لهذا التهديد، وهي التي تصدت أكثر من 90% من هكذا هجمات وأسقطت الطائرات المسيرة دون حدوث خسائر.
ويعتقد الضابط السابق في المعارضة أنه مهما كانت الأسباب والنتائج المترتبة على هذا الفعل، فسوف يكون نقطة فاصلة في مسار الحرب.
وسبق أن تصدت دفاعات الجيش لهجوم نفذته طائرات مسيرة على مقر الفرقة الثالثة مشاة في مدينة شندي بولاية نهر النيل شمالي السودان، وذلك بعد ساعات قليلة من زيارة البرهان للمنطقة في أبريل/نيسان الماضي. ويذكر أن قوات الدعم السريع نشطت خلال الأيام الماضية في استهداف المقار الحكومية والعسكرية بعدد من مدن السودان التي تقع تحت سيطرة الجيش.
وتفيد المتابعات عن وقوع هجمات بأربع طائرات مسيرة في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، استهدفت قيادة الفرقة 18 مشاة ومقر جهاز المخابرات بمدينة كوستي بولاية النيل الأبيض.
وأكدت مصادر ميدانية مقتل أحد ضباط برتبة مقدم في مقر جهاز المخابرات، فيما أكدت قيادة الفرقة الـ 18 أنها تصدت للمسيرات، وأن الجيش والأجهزة الأمنية بولاية النيل الأبيض ترصد “أي محاولات يائسة للمليشيا المتمردة”، وطمأنت المواطنين بأن الأوضاع هادئة ومستقرة، ودعتهم لعدم الالتفات للشائعات.
غرباً، في مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، قال سكان محليون إن طائرة حربية “انتنوف” حلقت في سماء المدينة وأغارت على تمركزات “الدعم السريع” في الأحياء الشرقية، بينما أُطلقت الأخيرة المضادات الأرضية في محاولة للتصدي.
تعليقات الزوار
لا تعليقات