نشرت صحيفة “لوس أنجليس تايمز” مقال رأي للناقد الثقافي مارك ديري تساءل فيه عن رابطة مكافحة التشهير في أمريكا المعروفة باختصار “إي دي أل” ونشاطها غير المعتاد في ملاحقة الناشطين المؤيدين لفلسطين أو الناقدين لإسرائيل والشكاوى المتكررة ضد الكليات الموجودة بمنطقة لوس أنجليس.
وجاء في مقاله إن رابطة مكافحة التشهير انغمست في عملية التشهير. فهذه الرابطة التي أنشئت عام 1913 لمواجهة التعصب ضد اليهود وحظيت مرة باحترام لعملها في مجال الحريات المدنية، تقوم الآن ووسط التظاهرات العامة وما قاله المقرر الأممي الخاص للأمم المتحدة أن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة، بتمزيق سمعتها برمي اتهامات معاداة السامية على كل من ينتقد إسرائيل وبطريقة متهورة وبدون أدلة.
وفي ظل رئيسها الحالي، جوناثان غرينبلات، شنت الرابطة حملة ضد أي نقد موجه على ما يبدو لإسرائيل، بشكل يثير السخرية من مهمتها المعلنة وهي ليس “وقف التشهير ضد الشعب اليهودي” ولكن “تحقيق العدل والمعاملة المنصفة للجميع”.
ويقول ديري: “اليوم تطلق المنظمة تهمة معاداة السامية ضد أي شخص يتجرأ على انتقاد إسرائيل، بمن فيهم الأصوات التقدمية والمعادون اليهود للصهيونية، مثل أصوات يهودية من أجل السلام. وشجعت الجامعات على تحويل قوانين مكافحة الإرهاب إلى سلاح وبهدف إسكات الجماعة المؤيدة لفلسطين “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، وتقوم بالتلاعب في بياناتها عن جرائم الكراهية التي يتم الإستشهاد بها على نطاق واسع من خلال وضع اليهود الليبراليين الداعين لوقف إطلاق النار في نفس الفئة لكارهي اليهود مما دفع محرري ويكيبديا من التحذير أنها [ الرابطة] نشرت وبشكل متكرر معلومات غير صحيحة ومضللة عن معاداة السامية والنزاع في إسرائيل/فلسطين”.
وتحولت الرابطة وبشكل متزايد إلى قاتل مأجور للمكارثية الصهيونية. ولم يتردد موظف في الرابطة للحديث إلى صحيفة “الغارديان” والقول إن “إي دي أل متحيزة لإسرائيل ولديها أجندة لقمع النشاط المؤيد لفلسطين. وبالتأكيد فقد تعهد غريبنبلات لـ “استخدام المزيد من الطاقة المركزة لمواجهة التهديد الراديكالي المضاد للصهيونية”. وتحركت المنظمة لتنفيذ تهديدها في جنوب كاليفورنيا. ومن بين أهدافها هي كلية اوكسيندنتال. فقد أعلنت الرابطة في أيار/مايو أنها رفعت مع مجموعة أخرى وهي مركز لويس دي برانديس لحقوق الإنسان شكوى ضد كلية أوكسيندتال وكلية بومونا إلى وزارة التعليم، بتهمة سماح الكليتين “بتحرش قوي ومميز ضد الطلاب اليهود في خرق واضح للبند السادس من قانون الحريات المدنية لعام 1964″، وهو ما يسمح للسلطات الفدرالية حرمان المؤسسات من التمويل لو ثبت أنها مارست التمييز.
واحتوت الشكوى على شهادة مظللة بالأحمر من أربعة طلاب لم يُكشف عن هويتهم، وهي واحدة من عدة شكاوى تقدمت بها الرابطة ضد جامعات وكليات أمريكية، وتزعم الشهادات بأن الطلاب اليهود في كلية أوكسيدنتال عانوا بعد هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر من “التمييز ومعاملة متباينة وتحرش بناء على أصلهم” وأن إدارة الكلية سمحت “بانتعاش المناخ المعادي”.
وزادت الشكوى من إشعال النيران من خلال تصوير الملصقات الطلابية بأنها “مؤيدة لحماس” ، واعتبرت الطلاب الذين احتلوا بناية في الكلية في الخريف الماضي بأنهم محتجون مؤيدون لحماس وقاموا بلصق منشورات معادية للسامية ومعادية لإسرائيل على جدرانها.
ويعلق الكاتب أن الإحتلال المشار إليه كان سلميا وقصيرا. ولا تحتوي الشكوى على تفاصيل أخرى، من أوصاف وصور أو أي دليل يدعم التعاطف مع حماس أو معاداة السامية.
وعندما تحدث الكاتب مع رئيس فرع منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين، ماثيو فيكرز، قال إنه وزملاه الطلاب معادون لإسرائيل ويشجبون قص المدنيين ويعتبرونه إبادة جماعية. ويشجبون التوسع الإستيطاني في الضفة الغربية باعتباره استعمار عنف ويستنكرون هيمة إسرائيل على الفلسطينيين وتجريدهم من إنسانيتهم باعتباره شكلا من التمييز العنصري. ولكنه نفى بشكل قاطع وجود ملصقات معادية للسامية أثناء احتلال للمبنى أو في مسيراتهم، علاوة على أي مناخ معاد للسامية في المبنى. ويعلق الكاتب أن شكوى رابطة مكافحة التشهير ضد كلية اوكسيدنتال، لا علاقة لها بمعاداة السامية، بل بتسليح إتهامات معاداة السامية لتشويه وتكميم ومعاقبة نقاد إسرائيل في وقت أثارت فيه أفعال إسرائيل احتجاجات في الجامعات.
ويقوم زعم الرابطة بوجود “مناخ عداوني ضد الطلاب اليهود والإسرائيليين” في الكلية بناء افتراض أن “الصهيونية هي مكون رئيسي للهوية الإثنية والتشارك في الأجداد لليهود الأمريكيين”، وحتى وقت قريب فقد كان هذا الإفتراض الوارد في الشكوى، مقبول وعلى نطاق واسع، وبناء على دراسة لمركز بيو عام 2020. إلا أن الرد الإسرائيلي الفظيع وغير المتناسب على هجمات حماس حول الصهيونية إلى عامل انقسام حاد ومثير للخلافات حتى بين اليهود وبين الفلسطينيين والعرب والمسلمين. وقالت واحدة من الطلاب الذين وردت أسماؤهم في شكوى الرابطة ضد كلية اوكسيدنتال أنها قررت عدم ارتداء عقدها بنجمة داوود، بعدما تعرضت للنقد في قاعة الطعام. وقالت إنها شعرت بعدم القدرة على تأكيد هويتها اليهودية بدون التعرض للتحرش. ويجب عدم التحرش بأي شخص بناء على هويته. لكن إن “كانت الرابطة بدولة إسرائيل مرتبطة عضويا بهوية الشخص”، كما تؤكد الرابطة، فيجب أن يكون هذا، إلا أن إسرائيل تشن حربا إبادية ولا مبالية ضد مدنيين، فعندها تصبح الأمور فوضوية. و”عندما يتم استهداف إسرائيل بسبب الكراهية المعادية لليهود، فهذه معاداة للسامية”، كما تؤكد رابطة مكافحة التشهير في شكواها بوضوح شديد. وهذا صحيح جدا، كما هو الحال دائما: الكراهية المعادية لليهود هي في الواقع معاداة للسامية. ولكن، الكاتب يؤكد أنه رغم أنه قد يكون من الصعب على رابطة مكافحة التشهير أن تتخيل، هناك أسبابا أخرى لاستهداف إسرائيل، وأهمها مقتل أكثر من 37 ألف شخص على يد القوات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر، وفقا لوزارة الصحة في غزة.
يشدد الكاتب على أن شكوى الرابطة تجعل الكثير من الطلاب اليهود والإسرائيليين يشعرون بعدم الأمان في كلية أوكسيدنتال، ولكن يبدو أن قلقها على سلامة اليهود يقتصر على الصهاينة فقط. فماذا عن الطلاب اليهود المناهضين للصهيونية الذين قد يواجهون ضررا بسمعتهم أو ما هو أسوأ من ذلك من وصفهم بـ “معاداة السامية” بسبب حملة الضغط التي تمارسها رابطة مكافحة التشهير؟ ووفقا لفيكرز، مسؤول فرع طلاب من أجل العدالة في فلسطين في كلية أوكسيدنتال فإن المشاركين في مخيم الاعتصام كان منهم عدد من اليهود.
ويعلق بيري قائلا إن هجمات الرابطة على الخطاب الذي لا يعجبها، وخلط غرينبلات ما بين خطاب معاداة الصهيوية ومعاداة الحرب باعتباره معاد للسامية لا يضر فقط بالطلاب اليهود بل وبالمثليين والملونين الذي شاركوا وبأعداد كبيرة في التظاهرات. ويشعر الطلاب بحس من التضامن مع الناس المستضعفين ويعيشون في النصف الآخر من الكرة الأرضية، وهم مستعدون للمعاقبة من الإدارة الجامعية ومواجهة العنف على يد الشرطة والتظاهرات المضادة لمؤيدي فلسطين، كما حدث مع جامعة كاليفورنيا في لوس أنجيلس، إلى جانب تنمر رابطة التشهير، وهم يفهمون عميقا أكثر من غرينبلات بأنك “لا تستطيع تحقيق العدالة والمعاملة المنصفة للجميع” عندما تقرر الدفاع عن حقوق البعض.
تعليقات الزوار
لا تعليقات