ما زلت مقتنعا بأن الرئيس تبون لم يكن محظوظا كرئيس جمهورية خلال عهدته الأولى، التي لم يتمكن من تحقيق أهداف كبرى أثناءها، بعد أن عاش شخصيا محنة وباء كوفيد لمدة طويلة، جعلته يغادر التراب الوطني للتداوي في مستشفيات ألمانيا. زيادة على ما ترتب من آثار جائحة كوفيد على البلد ككل، كالغلق الذي عانى منه البلد بكل التبعات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية، المرتبطة بالظروف السياسية المضطربة، التي جاء فيها لقصر المرادية، بعد حراك شعبي زلزل أسس النظام السياسي، لم يتعاف منه لحد الساعة.

ناهيك عن الأبعاد الدولية التي تولدت عن الحرب الأوكرانية، ما جعله لا يحقق المطلوب منه، كما ظهر في تأجيل زيارة ولاية تيزي وزو، التي لم يزرها إلا في نهاية عهدته. الولاية التي كان قد عرفها كوالٍ سابق. زيارة لم يدشن فيها إلا تلك المشاريع التي تركها الرئيس بوتفليقة معلقة، بكل الفساد الذي ارتبط بها كما حصل مع إنجاز ملعب حسين أيت أحمد، الذي تجاوزت فترة إنجازه كل الآجال المعقولة. ليبقى مشروع زيارة باريس معلقا هو الآخر لغاية إشعار آخر. مشروع زيارة لم ينجزه الرئيس تبون لغاية اليوم، وهو في الأيام الأخيرة من عهدته الأولى، قد تعصف به التطورات التي تعيشها الساحة السياسية الفرنسية، بعد صعود اليمين المتطرف، المعادي للجزائر بشكل سافر، خاصة عندما يتعلق الأمر بملفات الذاكرة التاريخية المتعثر حتى الآن مع الطرف الفرنسي، التي يراهن عليها الرئيس الجزائري.
الأمر نفسه الذي حصل مع زيارة ولاية تيزي وزو، التي تحولت إلى «مشروع فرعوني» لم يحققه الرئيس إلا في نهاية عهدته، هذه الأيام، كان ينتظر بعض الملاحظين، أن يعلن خلالها ترشحه لعهدة ثانية تمت في نهاية الأمر أثناء لقاء إعلامي جاء باردا وغير مقنع، مقارنة حتى باللقاءات السابقة، التي لم ينجح الرئيس لغاية الساعة في تحويلها إلى محطة تواصل نوعي مع الجزائريين نتيجة طابعها المعلب، أكدت خلاله المنظومة الإعلامية الوطنية طابعها البيروقراطي غير الاحترافي، لم تساعد الرئيس على تحسين تواصله مع الجزائريين، حتى وهم يعبرون عن طلب كبير في ملء مكانة الرئيس، بعد اليتم الذي عاشوه مع بوتفليقة المريض. زيارة إلى تيزي لم يقم بها الرئيس، إلا بعد تحييد جزء من النخبة الحزبية القبائلية ممثلة في حزب «جبهة القوى الاشتراكية»، الذي قرر سكرتيرها الأول الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، عكس غريمه حزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» الذي امتنع عن المشاركة، من دون أن يقاطعها كما جرت العادة في هذه المنطقة المعروفة بالمشاكسة السياسية للسلطة المركزية في الجزائر. وهي تعرف ابتعادا واضحا عن الاطروحات الانفصالية التي كان يدعو لها قسم من النخب السياسية المنشقة عن أحزاب المنطقة، التي اعتراها ضعف كبير في السنوات الأخيرة، كما حصل لكل الظاهرة الحزبية في الجزائر. أطروحات انفصالية، تأكد مع الوقت أن لا مستقبل لها بين أبناء المنطقة الذين يؤكدون اندماجهم داخل النسيج الاجتماعي الوطني أكثر، وهم يطالبون بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، كما هو حاصل لسكان المدن الكبرى. عكس بعض أبناء الجنوب والهضاب العليا الذين اختاروا مهادنة السلطة المركزية، كسبيل وحيد للتفاوض وتحسين أوضاعهم، كما يظهر وهي تشارك بقوة في الانتخابات السياسية، مهما كانت فاقدة للمصداقية، تعبيرا عن ذلك التنوع الذي تعرفه الثقافة السياسية الوطنية عند الجزائريين وهي تتلون بجغرافية الجهات وثقافة التنشئة السياسية داخلها، ليستمر ذلك الحضور المميز لأبناء منطقة القبائل بالقرب من الرئيس، وفي مراكز القرار الأخرى، عرف كيف يستعمله في التحضير لزيارته إلى تيزي وزو، وتدجين جزء من النخب السياسية المعارضة التي لم يلتقيها الرئيس هناك، قد يلتقي بها في شوارع باريس عند زيارته لفرنسا، إن لم ينجح النظام السياسي في التخفيف من التضييق الذي يعانيه الجزائري داخل بلده، نتيجة الغلق السياسي والإعلامي، ما يضطره مع الوقت إلى نقل جزء من نشاطه السياسي إلى ما وراء البحار، كما كان يحصل خلال فترة الأحادية في فترة حكم بومدين، قبل إجراءات التهدئة التي انجزها الرئيس الشاذلي مع وجوه المعارضة التاريخية، ما زالت الجزائر في حاجة إلى مثلها وأحسن منها خلال عهدة تبون الثانية، الذي لا يستطيع فيها الهروب من اتخاذ إجراءات تهدئة على مستوى ملف الحريات التي طال انتظارها.
في وقت تحضر بعض القوى السياسية نفسها، لانطلاق حملة انتخابية رئاسية ستعيشها هذه السنة في صيف حار، لا يوجد أي مؤشر على قدرتها على تجنيد الجزائريين الذين يعرفون أكثر من غيرهم، أن منصب الرئيس في النظام السياسي لم يدخل بعد مجال المنافسة السياسية الفعلية، ما يجعلنا نتساءل عن الأسباب العميقة التي تدعو بعض الأحزاب والوجوه السياسية إلى الترشح لهذا المنصب السياسي، الذي ما زالت تتحكم فيه مراكز قوى غير مرئية، هي التي تختار الرئيس بعد تفاوض بين أطرافها الفاعلة، ليُقترح لاحقا للمواطنين لتزكيته بواسطة انتخابات فقدت كل تشويق أو تنافس فعلي.
هذا ما يجعلنا نحاول الالمام بخلفيات ترشح بعض الوجوه لهذا المنصب التي وصلت إلى أكثر من 35 اسما اغلبيتهم من الأحرار، ما يجعل ترشحهم أقرب للعمل السياسي الهاوي، من دون آثار سياسية فعلية، تخضع لاعتبارات نفسية أكثر منها سياسية. لنبقى أمام عدد مرشحين لا يتجاوز اثنين أو ثلاثة مرشحين يملكون فعلا إمكانية تلبية شروط الترشح الرسمي – زيادة على الرئيس تبون – كما هو حال رئيس حركة مجتمع السلم حساني شريف والسكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، الذين اعتمدوا على دعم ممثليهم داخل المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية، وليس توقيعات المواطنين التي يصعب الحصول عليها في هذا الجو السياسي الذي ابتعد فيه المواطن عن انتخابات، يعرف بالتجربة أنها شكلية ومن دون رهانات، كما جربت ذلك الأمينة العامة لحزب العمال، التي أعلنت انسحابها من هذا السباق، لتعلن في الوقت نفسه مقاطعتها للحملة والانتخابات، لتبقى الساحة أمام مرشحين ممثلين لأحزاب أيديولوجية قد لا يهمها الفوز بمنصب الرئاسة، بقدر ما يهمها تسجيل حضور، والحصول على تجربة أولى كمرشح سابق للانتخابات الرئاسية للتموقع داخل هياكل الحزب، في انتظار أيام أحسن قد تفتح فيها المنافسة فعليا على منصب الرئيس في الجزائر. ستؤكد الانتخابات الرئاسية المقبلة في السابع من سبتمبر المقبل أنه ما زال موصدا.

ناصر جابي