أخبار عاجلة

مأساة في بلدة 'الحنشة' التونسية بعد فقدان 40 شابا في رحلة هجرة غير نظامية

 تختزل وضعية 40 عائلة تونسية فقدت أثر أبنائها في رحلة هجرة سرية إلى ايطاليا، مأساة عشرات العائلات التونسية التي لا تزال تجهل مصير أبنائها مما اختاروا الهجرة سرا إلى ايطاليا، فكثير منهم انقطعت أخبارهم من أشهر وبعضهم قذفت الأمواج جثثهم أو أعلن عن غرق مركب كان يقلهم باتجاه إيطاليا.

وتكابد تونس في مواجهة هجرة غير نظامية من سواحلها إلى ايطاليا تشمل تونسيين وأجانب من دول جنوب الصحراء، بينما تشهد في الفترة الأخيرة تدفقا غير مسبوق للمهاجرين الأفارقة القادمين بحثا عن نقاط عبور إلى البرّ الأوروبي.

وانطلق نحو أربعين شابا مطلع العام الحالي في محاولة هجرة غير نظامية من السواحل التونسية نحو "الجنّة" في أوروبا، قبل أن تنقطع أخبارهم تاركين عائلاتهم تبحث يائسة عن بصيص أمل يوصلهم لهم.

وترجح المعلومات القليلة التي جمعتها العائلات أن أبناءها انطلقوا من سواحل محافظة صفاقس (وسط)، إحدى أبرز نقاط انطلاق المهاجرين غير النظاميين من تونس إلى إيطاليا، وتحديدا في الليلة بين 10 و11 يناير/كانون الثاني حين كان البحر مضطربا.

وكان غالبية ركاب القارب من الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 17 و30 عاما ينحدرون من منطقة الحنشة وهي بلدة زراعية يبلغ عدد سكانها ستة آلاف نسمة وتقع على بعد 40 كيلومترا شمال مدينة صفاقس. وضمّ القارب أيضا أمّا وطفلها البالغ أربعة أشهر.

ولم تكن لدى إيناس اللاّفي أي فكرة عما يعتزم شقيقها محمد (30 عاما) الذي كان يكسب رزقه من خلال قيادة شاحنة عائلية لنقل أشخاص مقابل المال، القيام به.

وتفصح اللاّفي (42 عاما) التي تعاني من قلّة النوم منذ أن غادر شقيقها "خرج حوالي الساعة العاشرة ليلا يحمل هاتفه بدون أن يعلم والديّ ودون حقيبة أو ملابس إضافية وكأنه ذاهب للقاء أصدقائه".

وشارك يسري (22 عاما) في الرحلة ذاتها. ويؤكد عمّه المدرّس محمد الحنشي أن "أغلبية الشباب لم يبلغوا عائلاتهم وانطلقوا بعد أن تمكنوا من جمع القليل من المال".

وفي المقابل كان مفتاح جلول بائع السمك البالغ 62 عاما يعلم "منذ فترة" أن ابنه محمد (17 عاما) "يريد الهجرة إلى أوروبا" رغم أنه نصحه "بعدم القيام بذلك لكن الفكرة سكنته".

ويبين جلول أنه وفي الليلة المشؤومة، حاول منع ابنه الوحيد من الخروج متوسلا إليه أن ينتظر فقط تحسن الطقس، لكنه "قبّلني على رأسي وغادر".

يتملك هذا التاجر إحساس بالذنب "كل يوم كان يخلق مشاكل في البيت، كان يريد المال للهجرة، أنا من أعطيته المال، لذلك أنا مسؤول".

واحتل التونسيون خلال 2023 المرتبة الثانية على صعيد المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى سواحل إيطاليا (17304 شخصا)، خلف الغينيين (18204) وفق إحصاءات رسمية إيطالية.

ويقول المتحدث الرسمي باسم منظمة "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إنه "لا يمكن تفسير ظاهرة الهجرة غير القانونية فقط استنادا لعوامل اقتصادية واجتماعية"، بل يضاف "العامل السياسي والشعور باليأس لدى التونسيين الذين لا يثقون بمستقبل البلاد".

وتقاسم المفقودون من الحنشة وهم من الطبقة الاجتماعية المتوسطة الدخل وليسوا بالضرورة فقراء هذا "الإحساس بانسداد الآفاق".

وكان لشقيق إيناس عمل يكسبه "20 دينارا يوميّا (حوالي ثلاثة دولارات)، بالكاد تكفيه ثمن سجائره... قال إنه لا يستطيع انجاز مشروع ولا بناء منزل ولا الزواج".

ويقول المدرس محمد الحنشي إن "الشباب الموجود حاليا في إيطاليا ينشرون على شبكات التواصل الاجتماعي تجاربهم وحياتهم اليومية"، مضيفا من بقي من الشباب في منطقة الحنشة "ذلك ويريدون تغيير مستقبلهم. إنهم يتصورون أوروبا جنّة".

ويرجح أن هذا هو حال يسري الذي كان يعمل في مقهى مقابل أجر يومي يبلغ 15دينارا، بعدما انقطع عن الدراسة في المرحلة الثانوية.

وحاول مفتاح جلول إقناع ابنه الذي ترك بدوره الدراسة، بالهجرة بشكل قانوني إلى إيطاليا أو فرنسا أو ألمانيا، مضيفا "لا ينبغي أن يغادر دون مهارات أو مؤهلات، كان بالإمكان أن يتعلم حرفة كالسباكة أو النجارة".

ويكابد جلول حاليا بحثا عن بصيص أمل بشأن ابنه. ويقول والدموع تغالبه "مرت أربعة أشهر وأنا أبكي على فقد ابني وأنا وعائلتي مرهقون".

وتمسّك هو وعائلات أخرى باحتمال أن يكون القارب قد انجرف نحو ليبيا، لكن وبعد إجراء الاتصالات والأبحاث تضاءلت الآمال، بينما عبر كل من محمد الحنشي وإيناس اللاّفي عن خشيتهما من الأسوأ.

ولا تخفي اللاّفي غضبها من المهرّب الذي نظم رحلة شقيقها "كان الطقس سيئا للغاية. حتى الصيادين الذين يعرفون البحر جيدا عادوا" إلى الميناء، مضيفا "كان يعود دائما إلى هنا، لكن هذه المرة لم نره مرة أخرى".

وتطالب العائلات من السلطات مواصلة البحث وتوفير المزيد من فرص العمل في الحنشة.

ويقول الحنشي "يجب علينا تطوير المنطقة الصناعية وتوفير فرص العمل للشباب". وسيكون من الضروري أيضا "خلق حالة ذهنية مختلفة"، لجعل الناس يرغبون في بناء مستقبلهم في تونس من خلال الأنشطة التعليمية للشباب. وبخلاف ذلك "فإنهم يكتفون بالذهاب إلى المقهى أو يلعبون كرة الطاولة أو الكرة الطائرة".

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات