ما زالت الأسئلة تتوالى بشـأن أسرار الجريمة التي حصلت في أحد الأديرة التابعة للكنيسة الأرثوذكسية في جوهانسبرغ، عقب وصول جثامين الرهبان الثلاثة وهم: القمص تكلا الصموئيلي، ومينا آڤا ماركوس، ويسطس آڤا ماركوس، الذين اغتيلوا داخل دير القديس مار مرقس الرسولي والأنبا صموئيل المعترف في جوهانسبرغ في جنوب افريقيا. استنكر رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي على التجار تواصل الغلاء، رغم تراجع قيمة الورقة الخضراء.
وفي الشهر الكريم بدأ الاهتمام يتراجع بالحرب، والمشاهد المؤلمة للمذابح المستمرة على مدار الساعة في غزة، بينما يتواصل الاهتمام بالمسلسلات الرمضانية، وتطورات الأحداث بالنسبة لأبطالها.
ومن الحوادث الطبية: فقد 6 أشخاص بصرهم في عين واحدة في مستشفى خاص في مدينة البدرشين في محافظة الجيزة، في يوم واحد فقط. وكان طبيب العيون الشهير في المنطقة «م. ع» قد قام بإجراء جراحة لقسم منهم داخل المستشفى، وأكد لأقارب أحد الضحايا أن سبب فقدان المريضة إحدى عينيها عدم تعقيم غرفة العمليات بشكل مناسب. ومن أبرز القضايا التي أثارت صخبا: تصريحات الدكتورة سعاد صالح الأستاذة في جامعة الأزهر جدلا واسعا حول وجود أنبياء من النساء، وأن السيدة مريم نبية، وأم موسى قد أوحي إليها، ولكن كان شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، قد حسم الجدل في هذا الأمر، حيث بين في تصريحات سابقة له سبب عدم وجود امرأة من بين الرسل قائلا، إن من شروط النبوة الذكورة، أي أن يكون النبي ذكرا. واستدل الإمام الأكبر على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”. وأشار الطيب، إلى أن العلماء قالوا إن وظيفة النبوة هي وظيفة كد ومثابرة ومواصلة الليل والنهار، وتحتاج لمواصلة الرسالة، والمرأة قد تكون متزوجة وحاملا أو مُرضعة، والعادات التي تعترى النساء أيضا، معقبا: “هناخد إجازة من تبليغ الرسالة، فظروف وطبيعة المرأة تتعارض مع مقصود النبوة، وهو مواصلة توصيل الرسالة ليلا ونهارا، وهذا لا يعتبر عيبا”.
الكارثة تقترب
يتوقع فاروق جويدة في “الأهرام”، أن مشروع صفقة القرن أوشك أن يحقق أهدافه، وأن ميناء غزة الذي تشيده أمريكا الآن مع عدد من الدول هو نهاية هذه الصفقة.. كانت أمريكا تستطيع أن تأمر إسرائيل بفتح المعابر ودخول احتياجات سكان غزة بريا، ولكن أن يضيع كل هذا الوقت ما بين إنشاء ميناء ووصول معدات لذلك، وشحن المعونات من قبرص، كل هذا الوقت كان لحساب إسرائيل لإنهاء مهمتها في رفح.. ولا مانع من أن تحمل سفن المعونات آلاف الفلسطينيين إلى قبرص، أو أي مناطق أخري، وينتهي الأمر بتوزيع أهل غزة على مناطق أخرى إذا تطلب الأمر.. في رفح الآن مليونا ونصف مليون فلسطيني، وإذا تم تهجير المليون إنسان فهذا يعني تفريغ غزة من سكانها.. وأخشى أن يكون مشروع الميناء بكل ما يحيط به من الغموض مشروع تهجير وليس معونات. إسرائيل لن تتردد في تحقيق أهداف صفقة القرن، ويبدو أنها خطة متفق عليها بين أطراف متعددة، وأن رفح ستكون آخر حدود المؤامرة، بحيث يهرب الفلسطينيون منها، ويتجهون إلى أي مكان هروبا من الموت. روائح صفقة القرن تفوح في عواصم كثيرة في ظل اتفاقات وتعهدات سابقة، وجاء وقت الحصاد لأنه ليس من المنطقي أن تحشد إسرائيل جيشها وتقتحم رفح دون مبررات اتفقت عليها أطراف كثيرة، لأن الهروب من الموت يمكن أن يكون بديلا أمام اقتحام رفح، تحت دعاوى حماية المدنيين. حالة الصمت التي تحيط بمواقف عواصم كثيرة تخفى جوانب المؤامرة سوف تتكشف كلها في رفح آخر معاقل الدفاع عن غزة، وتكون سفن النجاة والميناء المرتقب آخر مشاهد اللعبة.
مجاعة بايدن
وسط حديث متكرر عن هدنة، أو وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة المنكوب بفعل الهجمات الإسرائيلية الوحشية، يبقى الواقع المرير المهدد بمجاعة أشد قسوة وضراوة في حصد أرواح سكان الشريط الساحلي الضيق الذي يؤوي أكثر من مليوني فلسطيني، باتوا حسب طلعت إسماعيل في “الشروق”، اليوم رهينة لألاعيب «انتخابية» بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي جو بايدن. ينشط الحديث حاليا عن تصعيد بين بايدن ونتنياهو الذي لا يستجيب لسيده في البيت الأبيض، الذي يحاول أن يذكره مرة تلو الأخرى أن السلاح الأمريكي والمساعدات التي تقدمها واشنطن هي الفيصل في بقاء كيان محتل تعرض جيشه في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لهزيمة مذلة على يد المقاومة الفلسطينية، التي لا تزال تقاتل بعد أكثر من 5 أشهر على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما خلفه من قتل وتشريد لعشرات ألوف الفلسطينيين. يواصل نتنياهو التهديد باجتياح رفح، متجاهلا الضغوط من أجل هدنة يمكن من خلالها تكثيف المساعدات الغذائية إلى سكان غزة مع تجديد مسؤولي الأمم المتحدة تحذيرهم من الخطر الوشيك بحدوث مجاعة في القطاع، في ظل موت المزيد من الأطفال جوعا، وهي كارثة إنسانية تفضح الضمائر الخربة والمتخاذلة عن إنقاذ أرواح مئات آلاف البشر. وللوقوف على حجم الكارثة الإنسانية التي تنتظر الفلسطينيين في قطاع غزة، بسبب نقص الغذاء والدواء، واستنادا لأحدث تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية فإن «خطر الموت جوعا في غزة آخذ في التزايد، ما يؤثر بشكل غير متناسب على الأطفال والنساء الحوامل، ويتفاقم بسبب عدم كفاية المياه وخدمات الصرف الصحي والخدمات الصحية، وانقطاع إمدادات الطاقة والوقود، وتدمير إنتاج الغذاء والزراعة».
عمل خبيث
لاحظ طلعت إسماعيل حيلة تقوم المؤسسات الدولية باللجوء إليها تتمثل في المفردات التي تستخدمها تلك المنظمات، ووكالات الإغاثة الإنسانية في توصيف ما يحدث في غزة، مثل «الوضع المأساوي، والكارثي، والمرعب، وانعدام الأمن الغذائي.. إلخ»، وهي كلمات ربما تكون أقل بكثير لوصف الأمر على أرض الواقع، بعد أن أكل الناس الحشائش وشربوا مياه البحر، وناموا في العراء وغرقوا في الماء من أجل حفنة طحين ألقتها طائرات من السماء. وفي ظل هذه المأساة، لا تتوقف الألاعيب الأمريكية، ولا تخجل إدارة بايدن من استغلال حاجة الفلسطينيين للمساعدات، فيقدم ورقته الجديدة لتحقيق أغراض يبدو بعضها مريبا، عبر إرسال سفينة تحمل معدات لإقامة رصيف بحري عائم قبالة سواحل غزة لاستقبال سفن المساعدات، بدلا من الضغط لفتح المعابر البرية جميعا، لإيصال تلك المساعدات التي تتحكم إسرائيل في تدفقها.الرصيف البحري أو الميناء الذي تعمل الولايات المتحدة على إقامته ندد به المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، واعتبره عملا خبيثا، كما قال إنه «للمرة الأولى أسمع أحدا يقول إننا بحاجة إلى استخدام رصيف بحري.. لم يطلب أحد رصيفا بحريا، لا الشعب الفلسطيني ولا المجتمع الإنساني». شبح المجاعة يهدد غزة مع كل طلعة نهار، والصمت على ما يدور جريمة، ومنح تل أبيب وواشنطن الفرص لتحقيق أغراض دنيئة على حساب الشعب الفلسطيني يجب عدم السكوت عليه، بل الواجب فضحة وتعريته.
لندفن ضمائرنا
“نحن نموت يوما بالرصاص وأياما أخرى بالجوع، أولادنا يموتون جوعا”..”أريد زجاجة لبن لابني”، “لنا ثلاثة أشهر ونحن نموت جوعا”، “أكلنا علف الحيوانات”، “الجوع أقسى على أولادنا وعلينا من قذائف الـF16، مات بعض أولادي، وجرح بعضهم، والباقون يكادون يموتون من الجوع”.. كانت هذه كلمات بعض الفلسطينيين المحاصرين في غزة، التي تحتفظ بها ذاكرة الدكتور ناجح إبراهيم في “الوطن”: كل مرة يذهب الفلسطينيون إلى دوار الكويت لتسلم المساعدات تقصفهم الطائرات الإسرائيلية لتقتلهم في “مذبحة الجوع”، حتى الذين يذهبون لتسلم المساعدات يذبحون ويقتلون أمام العالم كله، في إحدى المرات استشهد 100 فلسطيني، جريمتهم الوحيدة أنهم أرادوا إطعام جوع أبنائهم وسد رمقهم ببعض الدقيق أو الأرز، الموت مقابل الطعام، الموت مقابل اللقمة، هكذا تفعل إسرائيل والكل صامت. تكرر ذلك ثلاث مرات والعالم كله صامت لا حراك فيه، أما العرب فهم في سبات عميق، باستثناء الذين نصروا غزة، وهم قليل. وقف الطفل الصغير يبكي ويصرخ: «حرام عليكم موش لاقيين ناكل، جعانين، نأكل علف الحيوانات» كان الطفل الصغير يكاد ينتحب من البكاء من شدة الجوع، ألم الجوع يمزق البطن. الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من الجوع قائلا: «وأعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع»، لم أدرك معنى هذا الدعاء النبوي الرائع، إلا حينما عرفت معنى الجوع الحقيقي في بعض أيام السجن، ولكنني لم أدرك معناه بقوة إلا حينما رأيت الجوع يجتاح غزة وأهلها، الجوع مذل أكثر من الموت نفسه، الجوع مهين ومضيع لكرامة الإنسان، الأب لا يتحمل جوع أولاده، إسرائيل تراهن على تجويع الفلسطينيين، راهنت على إبادتهم ففشلت، صمد الفلسطينيون صمود الأبطال، واليوم تراهن على تجويعهم وإذلالهم به.
كذابون وقتلة
ذكّرنا الدكتور ناجح إبراهيم بأن إسرائيل تقوم كل يوم بما لا يقل عن ثلاثة مذابح للفلسطينيين في غزة تحت سمع وبصر العالم كله، يسقط في كل مذبحة قرابة 120 شهيدا وقرابة 90 جريحا معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، وتكذب على العالم كله وتدعي أنها لا تقوم بالإبادة الجماعية، أو تجويع شعب بأسره، إسرائيل هي الكذب نفسه. وصدق العقيد الأمريكي المتقاعد لورانس ويلكرسون في قوله: «الإسرائيليون كذابون مزمنون، لا تصدق كلمة واحدة تصدر عنهم، دعوني أقُول مجددا إنهم كذابون، لقد كنت في الحكومة لفترة طويلة، وأنا لا أصدق أي أرقام تصدر عنهم من جميع قياداتهم، ولا مجال لتصديق أي شيء يصدر عنهم»، وصدق هذا الكولونيل الذي خبر إسرائيل وجرائمها عن قرب.. وقف الطفل الغزاوي جميل الملامح يحمل طبقا وهو يقول للذي يوزع الطعام: يا عمي، أمانة عليك تعطينى طبيخ كتير، ولحمة، ابتسم الرجل من تلقائية الطفل وأعطاه ما أراد، انصرف الطفل قال له: مبسوط. قال الطفل: أي يا عم مبسوط. أمنية كل طفل غزاوي الآن هي طبق طعام ساخن له ولأسرته، الأطفال يتزاحمون على الذين يوزعون الطعام في رفح، السيدات يخجلن من الذهاب، يرسلن الأولاد، كلٌّ منهم يحمل حلة صغيرة أو طبقا، كل طفل يقف منتظرا دوره، يسعد حينما يوضع الطعام في الحلة، يعود مسرعا إلى خيمة أمه وكأنه يؤدي دورا عظيما. نشرت وسائل التواصل الاجتماعي صورة طفل عربي يحتضن دميته، وينام على سريره آمنا، يتغطى بلحاف جميل، وصورة أخرى لطفل غزاوي يفترش الأرض ويضع قالبا من الطوب كوسادة يضع عليها رأسه ويلبس ثيابا رثة، دون غطاء، ما أعظم الفرق بينهما، لعل هذا الطفل الغزاوي فقد معظم أسرته ولا يدري عنها شيئا.. هناك 17 ألف طفل فلسطيني في غزة فقدوا أسرهم كاملة وهم الآن بلا أب ولا أم ولا أشقاء، ورغم ذلك إسرائيل تواصل الإبادة الجماعية والتجويع لشعب كامل مع صمت عربي وإسلامي مطبق وانحياز غربي أعمى. معظم الشعوب العربية ساهرة مع المسلسلات ومباريات الكرة، ولا يشعر بغزة سوى المصلين في المساجد، الذين يحاولون نفض العار عن أنفسهم بالدعاء لأهل غزة المكلومين.
وهم الدولتين
قديما، والكلام للدكتور أسامة الغزالي حرب في “الأهرام”، قالت العرب إن المستحيلات ثلاثة هي الغول والعنقاء والخل الوفي، واليوم، يبدو لي أن من المناسب أن يقوم عرب اليوم بتحديث مقولة أجدادهم لتصبح المستحيلات هي الغول والعنقاء وحل الدولتين… لسببين، أولهما، أن الخل الوفي لم يعد من المستحيلات.. فهل هناك خل أكثر وفاء لخليله من وفاء الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل؟ ألم يضرب هذا الخل عرض الحائط بكل الشعارات والمثل العليا، التي جاءت في دستوره ومواثيقه الأساسية عن حقوق الإنسان؟ ألا يجتهد هذا الخل الآن في تقديم المساعدات الدفاعية والإنسانية لأوكرانيا، ويفرض أكبر حزمة من العقوبات ضد روسيا، وفي الوقت نفسه يغمض عينيه إزاء جرائم أكبر وأفظع ترتكبها إسرائيل، مناشدا إياها ـ بصوت خافت حنون ـ أن تاخذ بالها من المدنيين وهي تقتحم وتدمر مدن غزة وقراها، بطائراتها ودباباتها بوحشية تشهدها وتدينها اليوم شعوب العالم كله؟ ما هو إذن المستحيل الثالث بدلا من الخل الوفي؟ إنه في الحقيقة حل الدولتين الذي نسمع عنه ولا ولن نراه فهذا الحل طرح في قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في عام 1947 أي منذ ستة وسبعين عاما، وتم إقراره في عديد من القرارات الدولية التي توالت منذ ذلك الحين.. وتتزايد الصيحات في مناسبات عديدة عن حل الدولتين، ولكننا لا نرى ولا نلمس شيئا.. لماذا؟ لأن متشددي كلا الطرفين يرفضونه فرئيس وزراء إسرائيل اليمينى المتطرف، والمسؤول الأول عن مجازر غزة، يرفض بإصرار ذلك الحل، ويضع شروطا تلغي فكرة الدولة أصلا وفصائل فلسطينية لا تزال تنادي بتحرير فلسطين كلها من النهر إلى البحر. والأهم من ذلك أننا لم نر من الفلسطينيين تصورا ورؤية مشتركة، ومشروعا موحدا منهم، لدولة فلسطينية، واحدة وجامعة، تتجاوز تنظيماتهم وجبهاتهم المتعددة، يتفقون عليها ويقولون هذه دولتنا.
فليحيا السريع
لا يحتاج العميد يحيى السريع المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية على حد رأي كارم يحيى في “المشهد” لمن تقول له: “إنت تغمز بعينك”، أو يكتب له: “زوجتك نفسي”. فالرجل أصبح محبوب الملايين لمجرد إلقائه بيانات مهاجمة السفن المتجهة إلى إسرائيل الصهيونية الإرهابية، ولو كان الأداء على شاشات الفضائيات لا يخلو من “كاريكاتيرية” مع رفع الصوت عاليا والحماسة. يدرك الناس عند مطابقة الكلام بالحال والواقع أن السريع يختلف عن الصحاف وزير دعاية فخامة الرئيس “صدام” صاحب مصطلح “العلوج”، وعلى مقربة من دخول الغزاة الأمريكيين بغداد، فالسريع يتحدث عن أفعال حدثت في الواقع، ولا يطلق وعودا ورعودا، أو زخات تهديدات في الهواء، أو يختلق انتصارات للتغطية على هزائم، واصطناع بطولات ورقية وصوتية وتلفزيونية تتوج مهمة “زعيم” اعتاد تمريغ أنوف شعبه في التراب قهرا وإذلالا ومصادرة للحريات والحقوق. ولعله يشفي غليل جيوش عرمرم في البطالة، مزودة بأسلحة متطورة فتاكة باهظة الثمن والعمولات، ولا تخيف إلا شعوبها، أو هي لمجرد مشاركة مناورات الأعداء، أو لاستعراضات الزينة والتفاخر بالقبائل والأنساب والتنابذ بعظيم الألقاب والتغني بأشباه الجمهوريات والملكيات. وعند السريع وشعب اليمن في التضامن مع غزة ضد الإبادة والتجويع والتهجير، ما يغني عن غمز ولمز الأعراب بإضافة أوصاف وتصنيفات الحوثي وعملاء إيران، أو حتى الشيعي، بل معه نتذكر ما لليمن من فضل في إغلاق مضيق “باب المندب” إسهاما في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ومن قبل مهاجمة ناقلة بترول “كورال سي” الليبيرية 13 يونيو/حزيران 1971 قرب المضيق (في عهد اليمن الديمقراطي الجنوبي)، ومنعها من الوصول إلى إيلات. ومن يعود إلى الأرشيف حينها سيجد بيانا رسميا من مصر الدولة تحية لهذا الهجوم ولأهميته في حصار إسرائيل من البحر الأحمر. واليوم الناس في بلادنا تنتظر إطلالة السريع.
كرم أوروبي
ماذا يعني ترفيع العلاقات المصرية الأوروبية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة؟ وماذا يعني حضور رئيسة المفوضية الأوروبية ومعها خمسة من قادة الدول الأوروبية إلى القاهرة، لعقد قمة مصرية أوروبية مصغرة، ستتحول إلى دورية كل عامين؟ من حسن حظ عماد الدين حسين رئيس تحرير “الشروق” أنه كان مطلعا على المفاوضات التي سبقت الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية. القمة المصرية الأوروبية أسفرت عن تقديم أوروبا لدعم اقتصادي لمصر قيمته 7.4 مليار يورو خلال ثلاث سنوات، كمنح وقروض وتسهيلات وبشروط ميسرة جدا وبفائدة قليلة نسبيا وفترة سماح تصل إلى عشرين سنة. وطبقا لما قاله الاتحاد الأوروبي فإن مصر ستحصل على 5 مليارات يورو عبارة عن قروض ميسرة و600 مليون يورو كمنحة منها 200 مليون لملف المهاجرين و1.8 مليار يورو استثمارات أوروبية ستحصل عليه مصر في إطار خطة الشراكة الاقتصادية والاستثمارية مع دول جنوب المتوسط. مفهوم الشراكة الشاملة والاستراتيجية يتضمن 6 أولويات أساسية هي، تعزيز العلاقات السياسية بين الجانبين ودعم الاستقرار الديمقراطي والحريات الرئيسية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. هناك أيضا التزام أوروبي بدعم التعليم من خلال برنامج «هوريزن يورب»، وهي مجالات لم تكن متاحة أمام مصر قبل توقيع هذا الاتفاق، إضافة إلى تعاون مشترك في مجالات كثيرة خصوصا الطاقة، وبالأخص الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر والتحول الرقمي والأمن الغذائي المتمثل في توسيع مشروعات إنتاج وتخزين الحبوب. وبالطبع هناك تعاون بين الجانبين فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
أثمان باهظة
إذن ماذا تعني هذه الشراكة الاستراتيجية والشاملة، وما الذي يدفع قادة 5 دول أوروبية مهمة إلى المجيء للقاهرة في هذا التوقيت؟ المعنى الأول حسب عماد الدين حسين، أن كل جانب يدرك أهمية الجانب الثاني بالنسبة له. من الطبيعي أن مصر تدرك أن أوروبا لها ثقل عالمي كبير على العديد من الأصعدة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، خصوصا أنها في الجانب الآخر من البحر المتوسط. لكن الأهم أن أوروبا بدأت تدرك الأهمية القصوى لمصر ودورها في المنطقة الإقليمية، وربما يكون العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة قد ساعد في إعادة الاعتبار للدور المصري وأهميته المحورية. المساعدات الأوروبية لمصر جاءت في فترة شديدة الحساسية لها، حيث إنها كانت تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، خصوصا ما يتعلق بشح العملات الأجنبية الصعبة، الأمر الذي قاد إلى تراجع كبير في قيمة الجنيه بحيث أن الدولار صار يساوي أكثر من سبعين جنيها في السوق السوداء قبل أن ينخفض إلى أقل من خمسين جنيها بعد توحيد سعر الصرف، وضخ كميات غير مسبوقة من الدولارات في شرايين الاقتصاد المصري. حينما ينضم الاتحاد الأوروبي إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وشركاء التنمية إلى دعم الاقتصاد المصري في هذه الفترة العصيبة، فهو موقف مهم. لكن السؤال الطبيعي: هل الاتحاد الأوروبي جمعية خيرية تقوم بتوزيع ملياراتها يمينا ويسارا على بقية الدول، أو هل هو فقط يقدم لمصر هذا الدعم الاستثنائي «من أجل خاطر سواد عيوننا»؟ الإجابة ببساطة أن كل طرف يبحث عن مصالحه وليس عن عواطفه، وبالتالي فالسؤال هو: ما هي المصالح المشتركة بين الطرفين وكيف يمكن أن نعظم من مصالحنا وندفع الآخرين لمساعدتنا على بلوغ أهدافنا، بأفضل الشروط أو أقل الأضرار ومن دون تقديم أثمان صعبة؟
بمناسبة الحرب
الجانب الأهم في اتفاق الشراكة الشاملة مع الاتحاد الأوروبي هو الإقرار بأن الاستقرار في مصر هو ضمانة لاستقرار المنطقة كلها، وبأن أمن أوروبا ومصالحها الأساسية، لا يمكن أن تتحقق بعيدا عن تعاون مشترك لدول البحر المتوسط وفي المقدمة مصر. اتفاق الشراكة يجري العمل عليه وفقا لجلال عارف في “الأخبار” منذ فترة طويلة. ثم جاءت الأحداث في المنطقة لتؤكد ضرورته في وجه عواصف تجتاح المنطقة وجنون صهيوني يهدد بنشر الفوضى في كل مكان. الحضور الأوروبي لمصر في هذا المستوى الرفيع هو قرار سياسي لا شك في أهميته في هذه الظروف. والإعلان عن الشراكة الشاملة يعني الثقة المتبادلة والتعاون طويل المدى في كل المجالات. ويعني رسالة للجميع بأن الاستقرار في مصر مصلحة إقليمية ودولية، وأن ما قدمته في معاركها ضد الإرهاب وضد زرع الفوضى في دول الجوار أمر مقدّر، وأن موقفها المبدئي ضد حرب الإبادة الإسرائيلية، وخطوطها الحمر ضد مؤامرات التهجير أصبحت موضع إجماع العالم. كان واضحا فيما تم الإعلان عنه من تسهيلات مالية محدودة أنها في الأساس ليست منحا أو مساعداتٍ، بل تسهيلات ائتمانية وضمانات للاستثمار. فالمطلوب هو الشراكة التي تحقق مصالح كل الأطراف. وأوروبا تدرك جيدا أن آفاق التعاون الاقتصادي مع مصر مفتوحة وآمنة وأكثر ربحا من كل الوجوه. كما تدرك أن مصر هي بابها الأهم نحو افريقيا، وأن التنمية في دول الجنوب هي ضمان لاستقرار الجميع. اتفاق الشراكة مع أوروبا ربما جاء في ظروفٍ استثنائية، لكنه يؤسس لعلاقاتٍ شاملة وممتدة تحتاج لجهدٍ كبير من الطرفين وإدارة واعية لكل الملفات. إطفاء النيران المشتعلة في المنطقة لها أولوية. الخطر الداهم من الهوس الإسرائيلي لا بد أن يتوقف. ما رأيناه من توافق في قمة القاهرة على إنهاء حرب الإبادة في غزة، لا بد أن يتم تفعيله، والتعاون مع ملفات السودان وليبيا سيفرض نفسه. قمة القاهرة الأوروبية لم تكن عارضة، بل كانت إقرارا بأن استقرار مصر مصلحة إقليمية ودولية، وأن الشراكة معها هي الضمانة بألا تسود الفوضى في المنطقة، وأن تظل هناك في البحر المتوسط مسافة للأمان وللتعاون المشترك لمنع عاصفة الكراهية والنازيين الجدد من أن ينشروا الفوضى في كل مكان.
لن نتعلم
عندما تنساب الدولارات في شرايين الاقتصاد من جهة ما، أو من مشروع ما، أو حتى من قرض ما، فإنها وعلى الفور تردد وفقا لما أخبرنا عصام كامل في “فيتو” ما يردده أبو قردان “طظ في الاستثمار والمستثمرين”، وأبو قردان في الأسطورة الشعبية هو الطائر الوحيد الذي لا يبتني عشا له، يقضي حياته هكذا بلا بيت يحميه من حر الصيف ولا من برد الشتاء، ويقف على ساق واحدة وسط المزروعات المملوءة بالمياه، ويدفن رأسه تحت جناحه من طقس مزعج. تمضي بنا الحياة بعد حل الأزمة مؤقتا، وبفعل ظرف استثماري نادر أو أموال ساخنة تنساب أو بيع شركات أو أراض فتعود إلى القرار القرداني المؤقت.. لا بد من فتح نوافذ البلد وزيادة الإنتاج والاهتمام بالصناعة والزراعة والسياحة وكل روافد الدولار. وتنفرج الأزمة دون تخطيط، وإنما بفعل ظرف إيجابي أتاح لنا ولاقتصادنا أن يحيا مرة أخرى، وهنا تنسى الحكومة برد الليل وتتجاهل مناخا قاسيا كاد أن يعصف بنا، وتبدأ في تبديد الأموال، أو حتى في وضعها لسد الاحتياجات الأساسية وسد القروض، وفجأة تعود الأزمة فتقرر الحكومة، أنها ستبني لها عشا يحميها من ويلات السوق. بعد صفقة رأس الحكمة خرجنا مؤقتا من عنق الأزمة، وأطلت شمس الدفء علينا وتنفسنا الصعداء، وأعلن البنك المركزي عن قرارات مهمة تأخرت سنوات بحكم الظلمة والبرد القارس، ولكننا لم نعلن حتى الآن عن مشروع تنموي حقيقى يفك طلاسم الروتين الحكومي المؤثر سلبا على جذب رؤوس الأموال خارجيا وداخليا. وتوقف حديث الحكومة عند القرض الجديد باعتباره بشرى تسر الناظرين، وباعتباره نجاحا غير مسبوق، وباعتباره شهادة للاقتصاد المصري، وباعتباره حلا مع أنه وسيلة قليلة الحيلة لتمهيد الطريق أمام انطلاقة، يمكننا من خلالها بناء عش يحمينا من برد الليل. الحكومة ماضية في غيها، وعلى طريق أبو قردان تمشي وتتلكأ، دون أن تعلن عن مشروع حقيقي يخرج البلاد والعباد من شرنقة البرد الذي كاد يعصف بنا طوال سنوات مضت، ونحن في قاع الشتاء الذي يمتد ببلادنا إلى ما هو أبعد من الفصول حيث لا نهاية لبرد الشتاء.
من فعلها؟
بعد أن خمدت النيران التي التهمت “استوديو الأهرام” فجر السبت الماضي، ودمرت ديكوراته وتجهيزاته على سبعة أفدنة، وطالت ألسنة اللهب 10 عقارات مجاورة للاستوديو، يصبح السؤال الذي لا يزال شراره حيا تحت الرماد وفقا لعبد العظيم الباسل في “الوفد”: من حرق استوديو الأهرام، خاصة أن هذه الحريقة ليست الأولى، فحسب رواية الجيران إنها: (كلاكيت ثاني مرة)، بعد أن تمكن الأهالي من السيطرة على النار في المرة الأولى، قبل ثلاثة أسابيع وفقا لما أكده مصدر أمني مسؤول. الأسباب المباشرة للحريق ما زالت قيد التحقيق حتى الآن، بعد أن تضاربت الأقوال بين شهود العيان، فيرى أحد العاملين بالاستوديو الذي هزته مشاهد الدمار، وتحولت، كما وصفها، من مشهد سينمائي إلى كارثة حقيقية: إن النار بدأت بعد خروج أبطال مسلسل “المعلم” من موقع تصوير الحارة الشعبية في الواحدة صباح السبت الماضي، لنفاجأ جميعا بالنيران تندلع من قلب الحارة، وتصاعدت بشكل مرعب ساعدت على اشتعالها مكونات الاستوديو، من خشب وبلاستيك وقماش تستخدم في تبطين الاستوديوهات، ما نشر النار بسرعة البرق لتطول الأشجار والنخيل المحيطة بأسوار الاستوديو، ومنها دخلت إلى العقارات المجاورة لتدمر 150 شقة وتطرد سكانها إلى العراء سبب آخر يرجع الحريق إلى مشهد انفجاري ضمن أحداث المسلسل الذي كان يجرى تصويره، بينما يؤكد ساكنو العقارات المنكوبة أن شققهم دمرت بأثاثها، وأنهم في انتظار تعويض عادل من وزارة الثقافة.
الصراحة مطلوبة
أيا كانت أسباب حريق استوديو الأهرام، التي رجح عبد العظيم الباسل أن يكشف عنها المعمل الجنائى، ويتمنى الكاتب أن تعلن بشفافية في أقرب وقت، فإن احتراق الاستوديو الذي يعود عمره إلى 80 عاما يمثل كارثة كبيرة، لأنه جرى بين أسواره أكثر من 500 عمل درامي من مسلسلات وأفلام، ما زالت تعيش في الوجدان المصري وتمثل علامة فارقة في الدراما والسينما المصرية. ويعد شاهدا على تاريخ الفن المصري منذ تأسيسه على أيدي اليونانيين عام 1944 خلال الحرب العالمية الثانية، فأصبح تراثا فنيا حقيقيا، ويعتبر من ألمع وأعرق الاستوديوهات السينمائية على مستوى العالم العربي. وإذا كانت الحكومة ستقوم بتعويض المتضررين كما أعلنت بـ15000 جنيه لتوفير سكن عاجل لكل متضرر حتى يتم ترميم عقاراتهم، كما ستعيد بناء الاستوديوهات على أحدث السبل المتطورة بالتكنولوجيا الحديثة، فحتى لو حدث ذلك وأعيد بناؤه بطريقة أحدث مما كان عليه، ولكن من يعيد تاريخ السينما والدراما التي صنعت بين جدرانه؟ وهنا ستظل علامات الاستفهام منصوبة، ومنها أين سرعة التحرك لإخماد الحريق فور اندلاعه؟ ولماذا امتدت عملية الإطفاء أكثر من ثماني ساعات؟ دون تكثيف سيارات الإطفاء من مختلف المناطق المجاورة لمحاصرة النيران؟ ويبقى سؤال كبير أين وسائل الحماية المدنية من نظام إطفاء ذاتي، أو أجهزة إطفاء متفرقة، من خلال منظومة كاملة لمواجهة الحريق في مبنى بهذه القيمة التاريخية بدلا من إهماله وتركه ليحدث ما حدث، وحتى تعلن نتائج التحقيقات بصراحة ووضوح، سيظل السؤال مطروحا من حرق (استوديو الأهرام) ولماذا؟
سقطة ترامب
هل هي سقطة، أم هي حقيقة فكرية يعيشها المرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب؟ قال ترامب إنه إذا لم يفز بالانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الأول المقبل، “فسيكون هناك حمام دم في البلاد”. وهو تعبير انتحاري، لمن يسعى لقيادة أي دولة، وفق رأي الدكتور محمد حسن البنا في “الأخبار”. وإذا كان ترامب يقول هذه العبارة التي تسمع لأول مرة خلال حملته الانتخابية وأمام ناخبيه، فماذا يقول من ورائهم؟ الغريب أن زيارة ترامب لولاية أوهايو لم تكن لتعزيز ترشيحه، بل لدعم مرشحه المعتمد للانتخابات التمهيدية لمجلس الشيوخ في أوهايو. إنها حقا مأساة العالم الجديد، حسبما ذكرت قناة CBS News الأمريكية في تقرير على موقعها الإلكتروني: تحدث ترامب خلال فعالية لحشد الدعم للمرشح لمجلس الشيوخ في ولاية أوهايو بيرني مورينو وأشاد بمرشحه المختار في السباق باعتباره بطل أمريكا الأول وجديدا على عالم السياسة، وأمضى حياته كلها في بناء المجتمعات في أوهايو. وقال ترامب عن مورينو، إنه سيكون محاربا في واشنطن. استغل ترامب الحدث ليلقى نسخة مليئة بـالألفاظ النابية من خطابه المعتاد في الفعاليات الانتخابية، ليرسم مجددا صورة مروعة لأمريكا إذا فاز بايدن بولاية ثانية. قال ترامب: لو لم يتم انتخابي في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، سيكون هناك حمام دماء، سيكون حمام دماء للبلاد. وجاء تحذيره أثناء حديثه عن التأثير وأضاف: لو لم يتم الفوز بهذه الانتخابات، فلست متأكدا من أنكم ستشهدون انتخابات أخرى في هذه البلاد. وانتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن تصريحات سلفه دونالد ترامب. وقال في تغريدة: «من الواضح أن هذا الرجل يريد تكرار أحداث السادس من يناير/كانون الثاني (اقتحام أنصار ترامب الرافضين نتائج الانتخابات لمبنى الكابيتول). لكن الشعب الأمريكي سيمنيه بهزيمة مدوية أخرى في انتخابات نوفمبر. وقال المتحدث باسم حملة بايدن الرئاسية في بيان، إن الشعب الأمريكي سيمنح ترامب هزيمة انتخابية أخرى، لأنه لا يزال يرفض تطرفه ومسلكه للعنف وتعطشه للانتقام.
حسام عبد البصير
تعليقات الزوار
لا تعليقات