استفحلت أزمة الخبز في تونس، خلال الأسابيع الأخيرة، بشكل ملحوظ، حيث سجلت البلاد نقصا فادحا في هذه المادة التي تعد من أكثر المواد الغذائية استهلاكا لدى التونسيين.
وفيما تبادل منتجو الحبوب وأصحاب المخابز الاتهامات فيما بينهم بالوقوف وراء ظاهرة غياب الخبز، اعتبر الرئيس التونسي قيس سعيد أن “لوبيات معارضة تسعى لتحريك الأزمة” وأن تلك الأطراف هي المسؤولة عن فقدان المواد الأساسية لإنتاج الخبز.
وخلال لقائه برئيسة الوزراء نجلاء بودن بن رمضان ووزيرة المالية سهام بوغديري، أثار سعيد قضية انعدام مادة الخبز بشكل لافت، قائلا إن “الخبز والمواد الأساسية بالنسبة للمواطن خط أحمر، هناك أطراف تسعى لتأجيج الأزمة ولابد من اتخاذ إجراءات صارمة بحقهم حماية لقوت التونسيين وغذائهم.”
وشدد سعيد على أن “تقسيم المخابز إلى مصنفة وغير مصنفة، يثير مسألة التلاعب بالخبز عبر تقسيمه إلى خبز للفقراء وخبز للأثرياء”.
مؤشرات الأزمة
وتشكو المخابز في تونس منذ فترة ليست بالقصيرة نقصا في المواد الأولية، خاصة الدقيق، وذلك في ضوء تراجع في المحاصيل الزراعية من الحبوب بفعل استفحال الجفاف وتداعيات أزمة الحرب في أوكرانيا.
وتواترت ظاهرة الطوابير الطويلة أمام المخابز أو المحلات التجارية التي تعرض الخبز بشكل لافت ونسق مرتفع، حيث يضطر الكثيرون إلى الانتظار طويلا قبل أن يعودوا أدراجهم دون حاجتهم بسبب نفاد الخبز سريعا.
ويعتبر الكثير من التونسيين أن أزمة مادة الخبز التي تعد عنصرا أساسيا من غذائهم اليومي ناتجة عن توقف أصحاب المخابز عن إعداد الخبز العادي المدعوم من الدولة مقابل إنتاج أصناف أخرى من الخبز تبلغ أسعارها خمسة أضعاف سعر الخبز العادي.
في المقابل، يرى آخرون أن الأزمة مردها عدم التزود بالفارينة (الدقيق) المدعوم من الدولة والذي يذهب لغير مستحقيه.
وتستورد تونس 60 في المئة من القمح من أوكرانيا وروسيا، وفقا لوزارة الزراعة في تونس.
تعليقا على تفاقم أزمة الخبز في تونس، كشف الصادق الحبوبي، أمين مال غرفة الخبازين، أن “الأسباب المناخية تلعب دورا هاما في النقص المسجل في توفير الخبز، الجفاف الذي تشهده تونس أثر بشكل واضح، ثم أن الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة من شأنه أن يؤثر على نسق العمل والإنتاج”.
كد الحبوبي في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” الذي اورد الخبر، “أن هناك أطرافا تسعى لتأجيج الأزمة واحتكار الدقيق المدعم، لكن وزارة التجارة تسعى لتعقب هؤلاء”.
وتعمد بعض المخابز غير المصنفة (العشوائية) إلى الحصول على الحصة الكبرى من الدقيق المدعم من الدوائر الحكومية بطرق ملتوية مقابل حصول المخابز المصنفة على كميات قليلة جدا، وهو ما تسبب في نقص فادح في نسق توزيع الخبز لدى المخابز المنظمة، بحسب الحبوبي.
ويرى أن “الوضع يسير نحو الانفراج حاليا، خصوصا أن وزارة التجارة وفرت مؤخرا الدقيق المدعم وهو ما سيساهم في عودة عمل المخابز إلى نسقه العادي، الأزمة ستنفرج لا سيما أن الكميات المتوفرة حاليا تكفي المخابز حتى شهر سبتمبر المقبل”.
من جهته، يقر الخبير في السياسات الزراعية فوزي الزياني بأن: “أزمة الحبوب في تونس ليست وليدة الأسابيع الماضية بل تعود إلى نحو 10 سنوات ومن مؤشراتها أن البلاد تستورد أكثر من 65 في المئة من حاجياتها من الحبوب”.
ويضيف الزياني في تصريحه لـ”سكاي نيوز عربية”: “الدولة التي تستورد أكثر من 60 بالمائة من حاجياتها من الحبوب تعيش تبعية غذائية، هذا أمر ثابت نبهنا له منذ سنوات، ولكن الحكومات المتعاقبة على تونس لم تصغ لتحذيرات الخبراء”.
ويرى المتحدث أن “أزمة الخبز والحبوب تفاقمت بسبب غياب استراتيجية واضحة من السلطات رغم وجود مؤشرات عن الأزمة أبرزها انتشار كوفيد 19 والحرب في أوكرانيا والتغيرات المناخية (الجفاف واشتداد الحرارة).”
استهلاك الحبوب في تونس
ووفقا لأرقام رسمية عن المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، فإن معدل استهلاك الخبز للفرد الواحد في تونس يصل إلى 70 كيلوغراما سنويا، لكن هذا المعدل يرتفع بوضوح خلال شهر رمضان الذي يشهد تغيرا في نمط الاستهلاك ليرتفع معدل استهلاك الخبز بنسبة 34 في المئة للفرد.
وتشير تقارير المعهد التونسي للاستهلاك إلى أن نحو 900 الف قطعة خبز يتم إلقاؤها في سلة المهملات أو تركها لعدم الحاجة إليها، وتصل تكلفة التبذير في استهلاك مادة الخبز إلى 100 مليون دينار (ما يعادل 33 مليون دولار) في السنة.
وتحتاج تونس إلى خمسة ملايين طن من القمح سنويا لتغطية حاجياتها الغذائية، وذلك حسب أرقام منظمة الأغذية والزراعة العالمية.
وتستورد تونس 80 في المئة من حاجياتها من الحبوب من أوكرانيا.
من جهته، يرى حسن الشتيوي، وهو فلاح وباحث زراعي، أن السبب الرئيسي لأزمة الخبز في تونس هو التخلي عن اعتماد سياسة إنتاج تقوم أساسا على تحقيق الاكتفاء الذاتي، مما جعل البلاد ترزح تحت تداعيات التوريد من السوق الأوروبية وأوكرانيا على وجه الخصوص.
ويضيف الشتيوي لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “أفق أزمة الحبوب لا تبدو واضحة بسبب غياب استراتيجية واضحة لاستصلاح آليات قطاع الزراعة بشكل عام، المزارعون التونسيون يزرعون بذورا غير تونسية، وهي بذور أجنبية هجينة تم تسجيلها رسميا في مراكز الجينات الزراعية، ويضاف إلى ذلك غياب مراكز تجميع ومخازن لتخزين الحبوب حتى لا يصبح إتلافها ضرورة وشرا لابد منه نتيجة العجز عن حفظها”.
ويرى المتحدث أن الدولة مطالبة بتنقيح بعض القوانين الخاصة بقطاع الحبوب وأبرزها مواعيد الحصاد.
يختزل الخبير الزراعي والفلاح حسن الشتيوي الحلول لأزمة الحبوب التي تعد الشرارة الأولى لمعضلة قطاع المخابز في:
*التعويل على الموارد الذاتية والقطع تدريجيا مع التوريد غير المجدي من أوكرانيا والذي تتخلله عراقيل عديدة لعل أبرزها بطء وصول شحنات القمح المستوردة بجانب ارتفاع تكلفتها.
*إعادة النظر في سياسات الدولة بخصوص ملف البذور الأصلية وفتح تحقيق في مسألة تسجيل البذور الأجنبية الهجينة مقابل طمس البذور التونسية الأصلية.
*تغيير العادات الغذائية للمستهلك في تونس وتجنب الإسراف في تناول مادة الخبز وتبذيره.
تعليقات الزوار
لا تعليقات