أخبار عاجلة

فرنسا تخسر موطئ قدم محوري في منطقة الساحل الافريقي مع تصاعد النفوذ الروسي

 غادر وفد المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) النيجر بعد أن عرض على الانقلابيين مقترحات للخروج من الأزمة، خالي الوفاض بينما أعلن المجلس العسكري الحاكم قطع علاقاته مع نيجريا وإلغاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا في خطوة كانت متوقعة لكنها جاءت أسرع مما كانت تعتقده باريس التي تلقت لتوها ضربة قاصمة أخرى بخسارتها موطئا محوريا آخر في منطقة الساحل بعد كل من مالي وبوريكينافاسو مقابل تصاعد النفوذ الروسي.  

وفي وقت متأخر من مساء الخميس أعلن المجلس العسكري في بيان تُلي عبر التلفزيون إلغاء اتفاقيّات عسكريّة عدّة مبرمة مع فرنسا تتعلّق خصوصا بتمركز الكتيبة الفرنسيّة التي تشارك في محاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة.

وعلقت فرنسا الجمعة على هذا القرار مشددة على أن "وحدها سلطات النيجر الشرعية" مخولة فسخها، في إشارة إلى نظام الرئيس محمد بازوم المعزول.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية "تذكر فرنسا بأن الإطار القانوني لتعاونها مع النيجر في مجال الدفاع يستند إلى اتفاقات أبرمت مع السلطات النيجرية الشرعية" مضيفة أن فرنسا "تعترف شأنها في ذلك شأن كامل الأسرة الدولية، فقط" بهذه السلطات.

وخلال الليل، غادر وفد الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا برئاسة رئيس نيجيريا السابق عبدالسلام أبوبكر نيامي من دون أن يلتقي رئيس المجلس الوطني لحماية البلاد الجنرال عبدالرحمن تياني ولا الرئيس المخلوع محمد بازوم، لكنه التقى في المطار عددًا من المسؤولين الانقلابيين الذين بحث معهم "آخر مقترحات الخروج من الأزمة" التي عرضتها إكواس، وفق صحيفة الساحل.

وفرضت إكواس عقوبات شديدة على نيامي وأمهلت الانقلابيين حتى الأحد لإعادة بازوم إلى منصبه تحت طائلة استخدام "القوة".

ويعقد رؤساء أركان بلدان إكواس اجتماعًا يفترض أن يُختتم بعد ظهر الجمعة في أبوجا فيما أعلنت جيوش عدد من دول الجماعة بما في ذلك جيش السنغال أنها مستعدة لإرسال جنود إذا تقرر التدخل العسكري.

مُنفّذو الانقلاب الذين قالوا إنهم سيردّون "على الفور" على أيّ "عدوان أو محاولة عدوان" ضدّ بلادهم من جانب الجماعة الاقتصاديّة لدول غرب إفريقيا، أعلنوا الجمعة رفع حظر التجول الذي فرضوه لدى توليهم السلطة في 26 يوليو/تموز.

ورأت موسكو الجمعة أن التدخل الأجنبي لن يسمح بحل الأزمة. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف "من غير المرجح أن يسمح تدخل قوات من خارج المنطقة بتحسن الوضع"، داعيا في الوقت ذاته إلى "العودة سريعا إلى النظام الدستوري".

ودعت وزارة الخارجية الألمانية إلى مواصلة جهود الوساطة مع المجلس العسكري. وقال متحدث باسمها "من المهم أن نُفسح المجال لجهود الوساطة"، مضيفا أنه يأمل أن تفضي إلى حلّ سياسي.

وصباح الجمعة، تجمع نحو مئة شخص ينتمون إلى عدد من بلدان غرب إفريقيا في نيامي للاحتجاج على أي تدخل عسكري في النيجر.

من جانبه، نشر بازوم مقال رأي في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية حذر فيه من "العواقب المدمرة" للانقلاب على العالم ومنطقة الساحل التي قد تنتقل برأيه إلى "نفوذ" روسيا عبر مجموعة فاغنر المسلحة.

ودعا "الحكومة الأميركيّة والمجتمع الدولي بأسره إلى مساعدتنا في استعادة النظام الدستوري". وقال بازوم البالغ من العمر 63 عامًا والمحتجز مع عائلته منذ إطاحة حكومته، "أكتب هذا بصفتي رهينة"، مشددا على أنّ "هذا الانقلاب ... ليس له أيّ مبرّر".

وعدا عن التوتر بين الانقلابيين وجماعة إكواس، يزداد التوتر بينهم وبين فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة ودول أخرى. ومن ثم قرروا إقالة سفراء النيجر في فرنسا والولايات المتحدة وتوغو ونيجيريا.

لكن سفيرة النيجر في فرنسا عيشة بولاما كانيه قالت الجمعة إنها ما زالت في منصبها الذي عينها فيها "الرئيس الشرعي محمد بازوم" وإنها تعتبر قرار المجلس العسكري "باطلا وكأنه لم يكن".

كما أوقف الخميس بث برامج "إذاعة فرنسا الدولية" (RFI) ومحطة "فرانس 24" التلفزيونية في النيجر "في قرار اتخذ خلافا للأطر القانونية" على ما أفادت شركة "فرانس ميديا موند" التي تشرف على الوسيلتين الإعلاميتين. ونددت فرنسا "بشدة" بهذا لقرار.

وسبق أن عُلق بث هاتين الوسيلتين في بوركينا فاسو ومالي المجاورتين إلى حيث أرسل الانقلابيون وفدين الأربعاء.

وأكدت مالي وبوركينا فاسو أن أي تدخل مسلح في النيجر سيعتبر "إعلان حرب" على بلديهما.

ضربة قاصمة لفرنسا

وشكل إعلان المجلس العسكري الذي تشكل لقيادة البلاد عقب الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد بازوم، إلغاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا ضربة جديدة للنفوذ الفرنسي في منطقة الساحل بعد خطوة مماثلة لتلك التي اتخذها المجلس العسكري في مالي ونظيره في بوركينافاسو، لتخسر باريس موطئا آخر في منطقة تعتبر حيوية لمصالحها ونفوذه.

وكان القرار متوقعا على وقع موجة عداء العسكر في النيجر للوجود الفرنسي وتنامي الشعور لدى الجيش ولدى معظم شعوب المنطقة بأن المستعمر السابق وعلى مدى عقود استغل ثروات البلاد والمستعمرات الإفريقية السابقة ولم يتعامل بمنطق المصالح المتبادلة ولم ينفذ مشاريع تنموية تخدم مصالح تلك الدول.

وتمثل النيجر المحور الأخير لمحاربة الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل بالنسبة لفرنسا التي تنشر فيها 1500 جندي بعد اضطرارها للخروج من مالي في صيف عام 2022، لكن الانقلابيين أعلنوا مساء الخميس في نيامي التخلي عن اتفاقات عسكرية عدة معها.

وبعض هذه الاتفاقيات تنص بشكل خاص على شروط تمركز الكتيبة الفرنسية و"مكانة" الجنود المتواجدين في إطار مكافحة الجماعات الجهادية، وفق بيان صحفي تُلي على التلفزيون الوطني في النيجر.

والثلاثاء، قالت هيئة الأركان الفرنسية إن الانسحاب من النيجر "ليس على جدول الأعمال على الإطلاق".

وتحت ضغط المجلس العسكري المالي الذي استعان، على الرغم من نفيه ذلك، بمرتزقة فاغنر الروس، خرجت فرنسا من مالي حيث طاردت الجماعات المسلحة طيلة تسع سنوات ونقلت الجزء الأكبر من قواتها إلى النيجر المجاورة.

وبالمثل، اضطُرت القوات الخاصة الفرنسية المتمركزة في بوركينافاسو إلى الانسحاب منها العام الماضي نزولًا عند طلب العسكريين الذين نفذوا انقلاب سبتمبر 2022 .

ورافق إعادة التنظيم هذه التي كانت إيذانا بنهاية عملية برخان، انخفاض حاد في عدد العسكريين الفرنسيين في منطقة الساحل من نحو 4500 إلى 2500، بمن فيهم 1500 في النيجر و1000 في تشاد.

وبينما شكلت النيجر في السابق قاعدة عبور لتنفيذ عمليات في مالي، صارت تستضيف القسم الرئيسي من القوات الفرنسية في الساحل في قاعدة جوية في نيامي حيث يتم نشر خمس طائرات بدون طيار من طراز ريبر بشكل دائم وثلاث على الأقل من طائرات ميراج العسكرية.

وعزز الفرنسيون تواجدهم في القاعدة وأرسلوا مئات الرجال إلى جنوب غرب النيجر لا سيما إلى أولام وأيورو بالقرب من الحدود مع مالي حيث ينفذون عمليات مناهضة للجهاديين إلى جانب جيش النيجر، تحت قيادة قوات النيجر.

ولتقليل الانتقادات الموجهة للوجود العسكري للقوة الاستعمارية السابقة في إفريقيا، أمر الرئيس إيمانويل ماكرون بالالتزام بصرامة بالمطالب المحددة للنيجر.

وحصلت الجيوش الفرنسية على تفويض لتقديم الدعم للقوات النيجرية في القتال ومساعدتها على بناء جيشها بعد تصاعد تهديد تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء على الحدود مع مالي.

وقال قائد القوات الفرنسية في منطقة الساحل الجنرال برونو باراتز في مايو إن "الرؤية التي يستند إليها الموقف الفرنسي في النيجر وفي كل مكان في إفريقيا تختلف عما كانت عليه الحال في مالي. اليوم تنطلق مساعدتنا في المقام الأول من حاجة الشريك".

ومن ثمة فإن النيجر هي الدولة الإفريقية الوحيدة التي تحتفظ فيها فرنسا بما يسمى بالشراكة القتالية ضد الجهاديين. أما تشاد فتستضيف الأركان العامة للعمليات الفرنسية في منطقة الساحل، بالإضافة إلى القوات المنتشرة في إطار شراكة عسكرية مع نجامينا.

وتنتشر في القواعد الفرنسية الأخرى في القارة قوات تسمى قوات دائمة متمركزة تشارك في حماية المواطنين وهي على استعداد للتدخل لتعزيز العمليات والتعاون مع الجيوش الوطنية في تنفيذ مناورات وأنشطة تدريب وما إلى ذلك. وتنشر فرنسا قوات دائمة في جيبوتي (1500 فرد) وساحل العاج (900) والسنغال (400) والغابون (350).

وفي مقابل تراجع النفوذ الفرنسي يتنامى النفوذ الروسي بقوة، حيث ملأت مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية، الفراغات الأمنية التي خلفها انسحاب القوات الفرنسية في مالي وبوركينافاسو (بحسب تقارير غربية) ومن المتوقع أن تقوم بدور مماثل بينما يطرق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقوة أبواب القارة الافريقية من بوابات التعاون الاقتصادي والعسكري والمساعدات المالية.

واستثمرت روسيا موجة العداء لفرنسا في مستعمراتها الافريقية السابقة لتؤسس وجودا قويا ومتينا مركزة على مبدأ المصالح المتبادلة ومشاريع التنمية وهي الحلقة المفقودة أو الغائبة في سياسات الحكومات الفرنسية المتعاقبة.

وأجلت فرنسا 577 من مواطنيها من النيجر يومي الثلاثاء والأربعاء بعد حوادث جرت الأحد خلال تظاهرة أمام سفارتها في نيامي، لكن الجنرال تياني قال إنه "لا يوجد أي سبب موضوعي ليغادر" الفرنسيون البلاد.

وهبطت صباح الجمعة طائرة عسكرية تابعة للقوات الجوية الإسبانية في نيامي لإجلاء الرعايا الإسبان الراغبين في مغادرة النيجر ويُقدر عددهم بنحو 70 شخصًا، بحسب مدريد.

وخصصت الولايات المتحدة طائرة لإجلاء موظفيها غير الأساسيين في البلاد فيما دعا الرئيس جو بايدن إلى "الإفراج فورا عن الرئيس بازوم".

وتظاهر آلاف الأشخاص الداعمين للانقلاب بهدوء الخميس في شوارع مدن عدة في النيجر بدعوة من حركة "ام62" وهي ائتلاف يضم منظمات مجتمع مدني "سيادية". وردد الكثير منهم شعارات تنتقد فرنسا ورفعوا أعلام روسيا التي تقربت منها مالي وبوركينا فاسو.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات