حلّ بالجزائر وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في زيارة للتشاور السياسي بين البلدين، في وقت نقلت مصادر إعلامية امتعاض السلطات الجزائرية من الموقف السعودي الأخير، الذي تصرف بشكل منفرد في موضوع عودة سوريا للجامعة العربية.
وتعتبر زيارة المقداد للجزائر الثانية من نوعها في ظرف سنة، وينتظر أن تتخللها محادثات مطولة مع وزير الخارجية الجزائري الجديد أحمد عطاف، ولقاء مع الرئيس عبد المجيد تبون، الذي سيسلم له المقداد رسالة من رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وفي تصريح للصحافة عقب استقباله من قبل عطاف بمطار هواري بومدين الدولي، قال وزير الخارجية والمغتربين في النظام السوري: “إن لدى الجزائر رمزية خاصة لدى الشعب السوري ولدى كل شعوب العالم”، مؤكدا أن العلاقات بين الجزائر وسوريا “كانت ولا زالت وستستمر بين بلدينا الشقيقين”.
ولفت إلى أن “المشاورات بين الجانبين حول كافة التطورات في المنطقة والعالم لم تنقطع”، مضيفا: “نحن بحاجة إلى تعزيز تلك العلاقات، لأننا بذلك نعكس الرؤية الصادقة لشعبي وقيادتي البلدين، لتطوير العلاقات في كافة المجالات، ومهما قلنا لا يمكننا وصف الدور الهام الذي تقوم به الجزائر على مختلف المستويات”.
وأعرب المقداد عن تفاؤله بمستقبل بلاده على الرغم من كل التحديات والصعوبات، مضيفا أن بلاده تحارب اليوم الإرهاب الذي استهدفها كما استهدف بالأمس الجزائر خلال العشرية السوداء لكون “البلدين قاما ويقومان بأدوار أساسية في مواجهة التحديات المفروضة على المنطقة، لذلك أتيت لأعبر عن هذا الامتنان وعن الرغبة الكبيرة في العمل سويا من أجل مستقبلنا جميعا”.
وترتبط الجزائر بعلاقات طبيعية مع السلطات في دمشق، حيث كانت من الدول القلائل التي رفضت قطع تواصلها الدبلوماسي مع النظام السوري، وبقيت المكالمات بين الرئيسين والزيارات على مستوى وزراء الخارجية قائمة.
وتأتي زيارة المقداد في مرحلة مفصلية تشهد تحولا على الساحة العربية من رفض تام للعمل مع النظام السوري، إلى سعي لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وهي مساع تتصدرها حاليا المملكة العربية السعودية، التي ستستلم رئاسة القمة العربية شهر أيار/مايو المقبل، في حال انعقدت في تاريخها الدوري ولم تتأجل.
وفي البيان الختامي الصادر عن اجتماع جدة، أكد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر، والأردن، والعراق، على أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد للأزمة السورية، وشددوا على أهمية الدور القيادي العربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات المناسبة لهذا الدور، وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاح هذه الجهود.
كما أكد وزراء الخارجية أهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، وهو ما يشير إلى اعتراف ضمني بالنظام السوري، لكن دون حديث صريح عن موافقة جماعية على عودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية.
وتبدو الجزائر بعد الإعلان عن اجتماع جدة الذي جمع 9 دول عربية لغرض تباحث المسألة السورية، ممتعضة من الموقف السعودي الذي يتصرف بشكل منفرد دون مراعاة لكون الجزائر لا تزال إلى غاية الآن الرئيس الفعلي للقمة العربية.
ونقل موقع “كل شيء عن الجزائر” الناطق بالفرنسية، عن مصادر دبلوماسية جزائرية قولها إن “الموقف السعودي غير مفهوم”، وهو “يتصرف كما لو أن السعودية هي الرئيس الحالي للجامعة العربية”.
وأضافت المصادر الجزائرية، أن السعودية “يجب أن تنسق” مع الجزائر التي تتولى الرئاسة الحالية لجامعة الدول العربية، للإعداد بشكل أفضل للقمة المقبلة للجامعة العربية.
واعتبر الموقع الذي نشر خبر الامتعاض الجزائري، أن ولي العهد السعودي الأمير محمـد بن سلمان يبحث عن الأضواء حتى على حساب دول أخرى مثل الجزائر، التي عادت بقوة في السنوات الأخيرة إلى الساحة الدولية، وأصبح دورها الآن أساسيًا على المستوى الإقليمي وداخل جامعة الدول العربية.
وأضاف أن السعودية من خلال التصرف بهذه الطريقة، تظهر مرة أخرى أنها محرجة من الدور الجديد للدبلوماسية الجزائرية، في وقت تحتاج الجامعة العربية التي ابتليت بالصراعات الداخلية حسب قراءته، إلى دبلوماسية متعددة الأطراف لخلق الإجماع داخلها بدلاً من مناورات أحادية الجانب.
وما يزيد في حدة التساؤل جزائريا، هذا الاندفاع السعودي المفاجئ لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية بعد 6 أشهر فقط من قمة الجزائر التي سعت فيها الدولة المستضيفة بشكل حثيث لتحقيق هذا الهدف، وقوبلت بفيتو من دول عربية وازنة، وعدم حماس من دول أخرى، وهو ما أدى لظهور قراءات في مواقع جزائرية تعتبر أن السعودية تريد البحث عن تحقيق صدى دبلوماسي في القمة التي ستحتضنها.
وكانت خلافات العام الماضي، قد دفعت دمشق لإعلان عدم حضورها قمة الجزائر حفاظا على وحدة الصف العربي، كما برر ذلك وزير خارجيتها فيصل المقداد في أيلول/سبتمبر الماضي.
وأعلن وزيرا الخارجية الجزائري والسوري بالمقابل الاتفاق على “تكثيف الجهود ضمن هذه المقاربة خلال فترة الرئاسة الجزائرية، قصد تحقيق انطلاقة جديدة للعمل العربي المشترك، تقوم على لم الشمل، وإعلاء قيم التضامن، والتكاتف، في خضم التغيرات المتسارعة على الصعيدين الإقليمي والدولي وما ينتج عنها من تحديات وفرص”.
ويظل مقعد سوريا شاغرا في الجامعة العربية منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، عقب اجتماع طارئ في القاهرة، علق فيه وزراء الخارجية العرب عضويتها بأغلبية 18 دولة، بعد نحو 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات والثورة التي تحولت فيما بعد إلى حرب أهلية طاحنة حصدت آلاف القتلى، وملايين المهجرين، ودمارا هائلا في البلاد.
تعليقات الزوار
تبييض الدكتاتوريات
مجهودات الجزائر فى لمِ شمل المجرمين وقتلة الشعوب .