بحث رئيس الحكومة الليبية المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا في أول لقاء يجمعه بقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر منذ توليه منصبه في مارس/اذار من العام الماضي "التواجد العسكري الأجنبي والمسلح على الأراضي الليبية" وقضايا الهجرة والإرهاب.
ويأتي اللقاء على وقع ضغوط غربية على الفرقاء الليبيين للتوافق من أجل تمهيد الطريق لانتخابات عامة تنهي الأزمة السياسية وتعبد الطريق لبناء دولة مدنية، بينما ثمة الكثير من القضايا العالقة والمستعصية من بينها توحيد المؤسسات ومن ضمنها المؤسسة العسكرية.
ويبدي الفرقاء الليبيون في العلن رغبة في حل القضايا العالقة والانتقال إلى المسار الانتخابي، لكن الأمر مختلفا في الغرف المغلقة على الجانبين أي في طرابلس مقر الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة والتي ترفض تسليم السلطة وتتمسك بالشرعية وبين حكومة باشاغا التي تتخذ من مدينة سرت الساحلية مقرا مؤقتا بعد فشلها في دخول العاصمة الليبية.
ويحمل اللقاء الأول بين بين القياديين أكثر من مغزى استراتيجي من شأنه إعادة ترتيب التحالفات السياسية قبل الانتخابات المرتقب إجراؤها هذا العام، فيما يأتي في ظل التطورات السياسية الأخيرة وتكثيف الولايات المتحدة من ضغوطها لطرد مجموعة فاغنر الروسية وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية هذا العام.
وكان مدير المخابرات الأميركية وليامز بيرنز نقل في منتصف الشهر الماضي إلى حفتر دعوة واشنطن الملحة إلى طرد عناصر فاغنر في أسرع وقت، كما شدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال لقائه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في القاهرة موفى الشهر الماضي على نفس الطلب وأكد أن إجراء الانتخابات في ليبيا هذا العام هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق من أجل حل دائم في البلاد.
ويعد هذا اللقاء الأول منذ تعيين مجلس النواب فتحي باشاغا 10 فبراير الماضي رئيسا جديدا للحكومة، وهو ما لم يعترض عليه الجيش الليبي وسهل عملية الانتقال السلمي للسلطة في المناطق التي يؤمنها دون دعم واضح ومعلن للحكومة.
وسبق أن استقبل حفتر عددا من مسؤولي الحكومة الليبية ووزرائها وعلى رأسها لجنة استقرار بنغازي ودرنة الليبيتين اللتين حررهما الجيش الوطني من الإرهاب بعد معارك ضارية امتدت لأعوام.
وكان آخر استقبال معلن من قبل حفتر لباشاغا، في 21 ديسمبر 2021، إبان كانا مرشحين للانتخابات الرئاسية المؤجلة، رفقة عدد من المرشحين الآخرين من المناطق الليبية المختلفة.
وذكر بيان مقتضب صادر عن المكتب الإعلامي للقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية أن حفتر "استقبل في مكتبه بمقر القيادة العامة ببنغازي رئيس الحكومة الليبية فتحي باشاغا"، دون مزيد من التفاصيل.
ومن جانبها، قالت حكومة باشاغا في بيان، إن "الاجتماع ناقش الوضع السياسي الراهن والتواجد العسكري الأجنبي والمسلح على الأراضي الليبية".
كما بحث الاجتماع "مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وحماية الحدود"، وفق المصدر نفسه.
وبحسب حكومة باشاغا، حضر الاجتماع "وزير الخارجية حافظ قدور، ووزير الدولة لشؤون رئيس الحكومة محمد فرحات، ومدير مكتب حفتر الفريق خيري التميمي".
وعين مجلس النواب، ومقره في شرق ليبيا، في فبراير الماضي وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا رئيسا للوزراء وكلف حكومته بمهمة أساسية هي تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية بدلا من الانتخابات التي كانت مقررة في ديسمبر عام 2021 وأجلت بسبب الخلافات حول طريقة تنظيم الاقتراع.
وبين مايو وأغسطس الماضيين، فشل باشاغا في دخول العاصمة طرابلس بقوة السلاح لتمكين حكومته من العمل انطلاقا منها.
وأثارت محاولاته دخول العاصمة اشتباكات دامية قتل فيها العشرات، مما اضطره لاتخاذ مدينة سرت (450 كيلومترا شرق طرابلس) مقرا له.
ونأى قائد الجيش الليبي بنفسه عن النزاع العسكري والتهديدات المتبادلة بين قوات الحكومتين المتنازعتين على السلطة في العاصمة طرابلس، كما نفى في إحدى تصريحاته دعمه لحكومتي باشاغا والدبيبة.
لكن التقارب الحاصل خلال الأشهر الأخيرة بين حفتر ورئيس حكومة الوحدة الوطنية بعد تعيين الدبيبة فرحات بن قدارة، وهو أحد المقربين إلى حفتر، على رأس المؤسسة الوطنية للنفط خلفا لمصطفى صنع الله، وإنهاء إغلاق الحقول والموانئ النفطية، يبدو أنه أثار ارتباك حكومة باشاغا التي كانت تستخدم ورقة النفط للضغط على حكومة الدبيبة، لتسليمها السلطة.
واعتبر مصدر من حكومة باشاغا أن "اللقاء الأول بين الرجلين اللذين كانا على خلاف في السابق وكان كل منهما في معسكر معاد للآخر، يعد اليوم أمرا ضروريا".
وأضاف المصدر -الذي طلب عدم ذكر اسمه كونه غير مخوّل بالحديث لوسائل الإعلام- أن "تلك الضرورة استدعتها عمل الحكومة حكومة باشاغا في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الليبي".
وتباشر حكومة باشاغا عملها إلى حد الآن من سرت دون حصولها على أي ميزانية من المصرف المركزي لتنفيذ برنامجها، فيما بدأ نائبه علي القطراني العمل من مبني ديوان حكومة الوحدة بمدينة بنغازي في مارس الماضي، دون أن تُجرى عملية تسليم وتسلُّم للمهام بينه وبين خاله نائب رئيس حكومة الوحدة، حسين القطراني.
ولفت المصدر إلى أن باشاغا "ينوي بذلك أمران، الأول تسهيل عمل الحكومة في مناطق شرق ليبيا، والثاني تحقيق تقدم في ملف التفاوض بشأن توحيد المؤسسة العسكرية وإخراج المرتزقة، كما وعد في وقت سابق ضمن تعهّده بدعم اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)".
وتضم اللجنة المشتركة 5 أعضاء من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا و5 من طرف قوات حفتر في الشرق، يجرون حوارًا منذ عامين لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا برئاسة عبد الله باتيلي.
وفي 15 يناير المنصرم، ناقشت اللجنة عدة بنود خلال اجتماع في مدينة سرت حضره باتيلي، بعد توقف أعمالها لنحو 6 أشهر.
وبحثت اللجنة في أحدث اجتماع لها، استكمال بنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف في أكتوبر 2020 إثر مبادرة تركية روسية، وعمل المراقبين الدوليين والمحليين، وما تم التوصل إليه سابقًا في ملف توحيد المؤسسة العسكرية، إضافة لملف إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية.
وبالموازاة مع الحوار العسكري، تقود الأمم المتحدة عبر مبادرة لها جهود تسوية سياسية في ليبيا عبر لجنة من مجلسي النواب والدولة تتفاوض للتوافق على قاعدة دستورية تجري بناء عليها انتخابات في أقرب وقت ممكن.
أكد وزير الداخلية المكلف في حكومة الوحدة الوطنية الليبية عماد الطرابلسي للمبعوث الأممي عبد الله باتيلي أن الوزارة مستعدة لتأمين وحماية الانتخابات.
كما بحث الجانبان خلال لقاء بينهما في طرابلس السبت دور وزارة الداخلية في أعمال لجنة المباحثات العسكرية المشتركة (5+5)، إضافة إلى مناقشة ملف الهجرة غير النظامية، ومكافحة الجريمة المنظمة.
من جانبه، قال رئيس البعثة الأممية إن أعضاء من مجلس النواب الليبي عبروا عن رغبتهم في توحيد المؤسسات الليبية كشرط مسبق للخروج من حالة الجمود السياسي.
وشدد باتيلي خلال لقائه أعضاء من مجلس النواب، ممثلين لشرق وغرب وجنوب ليبيا في العاصمة طرابلس، على ضرورة انخراط كل من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشكل إيجابي وبناء للوصول إلى إطار دستوري للانتخابات في أقرب وقت ممكن.
تعليقات الزوار
لا تعليقات