أخبار عاجلة

الجنوب الليبي والالم المستمر

الجنوب الليبي .. والألم المستمر ابحث عن كلمات لا وجود لها ، لقد رحل والدي يوم بكت الصحراء رياح صرصر ، وما زال غيابه حاضرا بقوة كصرخة خرساء مدوية ، كفراغ تعجز الكلمات عن غمره ، النور الذي يشع من طيب ذكراه لا يزال يدفئ اركان جوانحي ، ما زلت واثقا من انه يسمعني ، ولا زلت على عادتي قبل النوم وبين الفجر والغسق اغمض عيني وأتكلم معه ، ثمة اشياء لا نستطيع رؤيتها إلا في الظلام ، ولا زالت ذكراه تهمس بأذني كلماته الاخيرة وهو على فراش الموت ، لحظة الوداع ، ما اقسى فقد الاب .

من الجنوب الليبي " فزان " حيث ترعرع زمن الطفولة والصبا ، كانت هذه كلمات " عابد " مؤلف كتاب " صرخة الصحراء " ، يقول انه امضى عشرون عاما في جمع مادته ، حافزه الى ذلك فقدان والده حاسة البصر عام 1960 ، وانه لم يعهد والده مبصرا زمن الطفولة ، وقد كلفه ذلك اعباء جمة ، ومعاندة ظروف حياتية صعبة في سن مبكرة ، وانه شعر بغصة عندما عرف سبب فقدان والده حاسة البصره ، وانه ليس وحده ، بل كثيرون من اهل فزان اصيبوا بأمراض التنفس والرمد في ذلك العام ، انه " عام الرمد " كما في الرواية الشفهية المتداولة ، تلاه عام " الجدري " ، او " عام الريح الصفراء " ، او " عام البغثة " ، من هنا كانت البداية ، وتداعى السؤال عن ما حدث في تلك الاعوام ، وانه لا يرى سبب لما حل بالساكنة سوى الاثار الناجمة عن التجارب النووية الفرنسية المتتالية بالصحراء الافريقية ، صحراء الجزائر . ففي 13 فبراير 1960 أجرت فرنسا أول تجربة نووية . سعى الكاتب الى جمع الروايات الشفهية بالإقليم ، افادات كبار السن ، بالإضافة الى التواصل الشخصي مع الخبير النووي العراقي " عبدالكاظم العبودي " المختص والمهتم الاول بالملف ، رئيس قسم الثقنات الحيوية بجامعة وهران بالجزائر . ومؤلف كتاب " يرابيع رقان " ، وقد بين فيه مدى الاثار طويلة الامد الناجمة عن التجارب ، كالأورام ، والتشوهات الخلقية ، وغيرها . من بين الشهادات التي يحملها الكتاب ، شهادة المواطن ، محمد صالح ، من قرية وادي عتبة يقول : ( ثمة حاجة للبحت والتحقيق فى الاضرار التى لحقت بأهل فزان جراء هذا الانفجار النووى " عام البغتة " .. افيدكم بأننا فى هذه المنطقة - تساوه بوادى عتبه - اقفلت بيوت ولم يبقى لها اى اثر ، ويقال فى اليوم الواحد يدفنون من 3_5 اشخاص ، استمر الحال فتره طويلة ، وترك اثره الى يومنا هذا ، الناس يعانون منذ ذلك الوقت .. وبيننا اناس شهود عيان ، حبذا استجوابهم قبل اختفائهم من الوجود " .

ايضا ، شهادة المواطن ابراهيم رمضان ، من اهل فزان " يقول : " هذه القضايا التي يجب ان يسلط عليها الضوء ، ان ارتفاع عدد المصابين بالأورام في الجنوب مرتفع وغير معقول ، انا اعرف اكثر من 21 مصاب بأمراض سرطانية في الدائرة القريبة مني ، يجب على اهل المنطقة تنظيم رابطة او لجنة او اي كيان تحت اي اسم لمتابعة هذا الامر والبحث فيه والتحقيق وتكوين قاعدة بيانات بهذا الخصوص وإظهارها للعالم ولفت الانظار لها وعقد المؤتمرات الدولية " . صرخة اخرى للباحث الهادي مفتاح ضمنها مقالة بعنوان " الصحراء الليبية في مرمى الأسلحة الذرية الفرنسية ." عام 2009 ، لينتهي الى القول " ان أخطر التساؤلات لإدارة مشروع النهر الصناعي ، هل جرت عمليات قياس لنسبة الإشعاع والتلوث الذري ، لحوض غدامس وجبل الحساونة ، ولغيره من الأحواض ؟ .

وأهون هذه الأسئلة ، أليس لدينا مركزاً مختصاً بالطاقة النووية على دراية بأن الصحراء الكبرى كانت يوماً مسرحاً مفتوحاً لحرب ذرية حقيقية " .

صرخة اخرى يزفها الأستاذ الدكتور ( عباس عروة - أستاذ الفيزياء الطبية في جامعة لوزان - سويسرا ). في مقابلة عبر قناة " الجزيرة " الفضائية " ، يشير الى مدى الضغوطات الممارسة على كل من يحاول الاقتراب من ملف التجارب وتفكيك شفرة الحدث والجريمة ، يقول " حدث ذلك عام 1984 .. كان هناك فيلم وثائقي للمخرج "عز الدين مدور " عن التجارب ، وقد تعرض لضغط وتهديد ، وهناك أكثر من هذا ، أقول لك أكثر من هذا .. اكتشفنا أن التجارب استمرت إلى عام 1968 ؟ ، فقط في 1995م ، وأنصح الناس والمجتمع المدني في الجزائر ان لا ينتظروا قرارا حكوميا ، وأن يأخذوا زمام المبادرة في هذا بأنفسهم ". المواطن" محمد نصر الدين " ، من اهل فزان : يقول " لا يزال الالم مستمر حتى الساعة ، ولا تزال في فزان تظهر مئات الحالات السرطانية المجهولة السبب ، وفي مدينتي سبها حاضرة فزان لا يمر يوم دون ان يدفن فيه من مات بالسرطان ، اضافه الي انخفاض مستوي الخصوبة في كل جيل عن الذي قبله ، خصوصا وان سيول الامطار هي المغذي الوحيد للمياه الجوفيه في فزان بسبب ندرة الامطار ، وان مصدرها الصحراء الجزائريه ، مما يعزز فرضية النفايات النوويه المطموره " .

شهادة الخبير النووي الفرنسي " برونو بريلو " ، في كتابه " التجارب النووية الفرنسية " ، الذي سبب احراجا للسلطات الفرنسية ، وان حصيلة الموتى المجهولين عدد لا يحصى ، كما شاعت وفيات الاطفال وحالات الاجهاض والعقم ، والمشاكل الصحية الناجمة عن المنشأت والنفايات المشعة التي خلفتها السلطات الفرنسية بعد مغادرتها .. وان الخطر على صحة الساكنة لا زال مستمرا الى غاية ايامنا هاته " شهادة اخرى يستمدها الكاتب من واقع خريطة وضعت بالتزامن مع التجارب عام 1960 ، نشرت بصحيفة " لوباريزيان " الفرنسية ، مصنفة تحت ” سري دفاع ” في اطار التحقيق الجنائي استجابة لمطالب قدامى المحاربين الفرنسيين المتضررين ، بتاريخ 14 فبراير 2014 م ، وقد كشفت عن اولى التسريبات التي تؤكد على خروج التفجيرات عن السيطرة وتضرر منطقة شمال افريقيا وجنوب الصحراء بالكامل ، وهي أول خريطة عسكرية رفع عنها طابع السرية ، وظهر جليا بالخريطة وقوع منطقة الجنوب الليبي فزان بوجه خاص تحت طائلة التأثر البالغ ، وهي الامتداد الطبيعي الصحراوي لمناطق التفجيرات .

وهنا اشارة - على وجه الخصوص- الى تفجير " اينيكر " الذي تم اثناء هبوب الرياح الغربية ، وقد عبرت الغمامة النووية سماء منطقة فزان .

يخلص الكاتب الى ان ما حدث يعد رعونة نووية خرجت عن السيطرة وتسببت في تلوث بيئي يستمر لعهود طويلة مقبلة ، ولا يقف عند حدود دولة الجزائر بل يتجاوزها الى دول الجوار ، ومن بينها ليبيا ، وكون حبة الرمل الواحدة تحتفظ بالإشعاع لمدة تقدر بـ 24 الف عام ، ثمة حاجة الى تطهير المنطقة من المخلفات التي لا تزال باقية على السطح ، والكشف عن مواطن طمر النفايات النووية ، اذ ان الخطر متحركا وليس ثابتا ، بفعل حركة الرياح .

حول الكتاب كتب الدكتور " ضو مصباح " عضو المنظمة العربية للطاقة الذرية : " صرخة الصحراء " ، وثق لملف التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الأفريقية الذي تأثرت به معظم دول الساحل والصحراء الأفريقية ، كما أفرد فيه فصلاً عن احتلال فرنسا لإقليم فزان .

ولو كان لي من الأمر شيء ، لأوصيت بتدريس الكتاب بالمرحلة الاعدادية ، ايضا يكتب الدكتور مصطفى البرنامي باحث أكاديمي من نيجيريا ، يعمل الان على ترجمة الكتاب الى الانجليزية : " من أجمل ما كتب في مجاله ، ومن يكتب بعده يظل عيالا عليه !." .

المريب ان الكاتب نفسه يعاني الان من ورم السرطان ، يقول ، بالأمس فقد والدي بصره وكلفني ذلك مشاق جمة ، واليوم السبب عينه اقعدني عن الحركة ، فكم ينتظر الاجيال القادمة من شرور .؟ ، لقد اضحت الحاجة ملحة لإجراء مسح لقياس نسبة التلوث الإشعاعي بصحراء الجنوب الليبي ، والدعوة الى تشكيل اطار قانوني وسياسي علمي ، وتأسيس مركز عال للدراسات المتعلقة بالإشعاع ومدى تأثيره على الحياة بمناطق الصحراء .

الجدير بالذكر ان الاحصاءات اليوم تشير الى اصابة 29 الف مواطن بأورام السرطان في ليبيا ، وان رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية اعلن قبل ايام ، بتاريخ 22 نوفمبر 2022 ، عن انشا جهاز طبي مختص بمتابعة مرضى الاورام ، وقال في كلمته بالمناسبة : " لقد أحزنني حجم إحصاءات مرضى الأورام التي أطلعني عليها المختصون مؤخرا ، وانه اعتبارا من شهر فبراير القادم سيكون موعدا إطلاق حملة الكشف الإجباري عن السرطان " .

الكاتب له صفحة على الانترنت ، حملت الكثير من تأوهاته الناجمة عن مقارعة الورم ، كما انه سجين سياسي زمن القذافي ، وتلك قصة اخرى خصص له كتابه " اربع عقود داخل الزنزانة " ، منشور على صفحته " فضاء عابد " وموقع امازون .. وبالمثل كتابه " صرخة الصحراء " الذي حملت الافتتاحية اهداء الى معالي السفير الفرنسي في ليبيا .

 أ . سميرة السعيدي ناشطة حقوقية من الجنوب الليبي " فزان  

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

s ,s

مأساة هارون الرشيد مريرة

I search for words that do not exist. My father passed away on the day the desert wind cried, and his absence is still present strongly, like a loud mute cry, like a void that words cannot fill. The light that radiates from the goodness of his memory still warms the corners of my sides. And I am still as I am before going to sleep and between dawn and dusk I close my eyes and talk to him, there are things that we can only see in the dark, and his memory still whispers in my ears his last words while he is on his death bed, the moment of farewell, how hard it is to lose a father. From the south of Libya "Fezzan", where he grew up during childhood and youth. These were the words of "Abed", the author of the book "Desert Cry". He says that he spent twenty years collecting his material, motivated by the loss of his father's sense of sight in 1960, and that he did not know his father with sight at the time. Childhood, and that cost him great burdens, and he struggled with difficult life conditions at an early age, and that he felt a pain when he learned the reason for his father’s loss of the sense of sight, and that he was not alone, but many of the people of Fezzan were afflicted with respiratory diseases and ophthalmia in that year, that it was the “year of ophthalmia.” As in the circulating oral narration, it was followed by the year of "smallpox", "the year of the yellow wind", or "the year of gnawing", hence the beginning, and the question arose about what happened in those years, and that he did not see a reason for what befell the population except for the effects resulting from Successive French nuclear tests in the African desert, the desert of Algeria. On February 13, 1960, France conducted its first nuclear test. The writer sought to collect oral accounts in the region, and the testimonies of the elderly, in addition to personal communication with the Iraqi nuclear expert, "Abdul-Kadhim Al-Aboudi," who is specialized and interested first in the file, head of the department. Vital fortifications, University of Oran, Algeria. He is the author of the book “Yarby Riqan” in which he explains the long-term effects of experiments, such as tumors, congenital anomalies, and others. Among the testimonies included in the book is the testimony of the citizen Muhammad Salih from the village of Wadi Atba, who said: (There is a need to research and investigate the damage that befell the people of Fezzan as a result of that. Nuclear explosion "the year of surprise". I inform you that in this region - equal to Wadi Atba - houses were closed No trace of it remains, and it is said that 3-5 people were buried in one day.The situation lasted for a long time, and left its trace to this day, and people have been suffering since that time..And among us are some eyewitnesses, and we would like to interrogate them before they disappeared from existence. And the testimony of the citizen, Ibrahim Ramadan, from the people of Fezzan. The region organizes an association, committee, or any entity under any name to follow up on this matter, research it, investigate it, create a database in this regard, present it to the world, draw attention to it, and hold international conferences. . Another cry by researcher El-Hadi Moftah, including an article entitled "The Libyan Desert in the Range of French Atomic Weapons." He concluded by saying in 2009: "The most serious question for the management of the Man-Made River Project is whether radiation and atomic pollution measurements were made for Ghadames Basin, Jabal Al-Hasawneh and other basins?" Once an open theater of a real atomic war. Another cry for Professor Dr. (Abbas Urwa - Professor of Medical Physics at the University of Lausanne - Switzerland). In an interview with Al-Jazeera satellite channel, he pointed out the extent of pressure exerted on everyone who tries to approach the file of experiments and decipher the event and crime. He was subjected to pressure and threats, and there is more than that. I tell you more than this.. We discovered that the experiments continued until 1968? Only in 1995 AD, and I advise the people and civil society in Algeria not to wait for a government decision, and to take the initiative in this matter themselves. The citizen, "Muhammad Nasr al-Din," from the people of Fezzan: He says: "The pain continues until now, and hundreds of cancerous cases of unknown cause still appear in Fezzan, and in the two cities of Sabha, the capital of Fezzan." Not a day passes without burying the dead from cancer, in addition to the low level of fertility in each generation that differs from the previous generation, especially since heavy rains are the only source of groundwater in the Fezzan due to its scarcity. of rain, and that its source is the Algerian desert, which reinforces the hypothesis of buried nuclear waste. The testimony of the French nuclear expert, "Bruno Brilo", in his book "French Nuclear Tests", which embarrassed the French authorities. And that the unknown death toll is countless, as well as infant deaths, miscarriages, infertility, and health problems resulting from radioactive facilities and waste left by the French authorities. And after her departure.. and what is the danger to the health of the resident to this day? Another testimony that the writer drew from the reality of a map drawn in conjunction with the experiences of 1960, and published in the French newspaper “Le Parisien”, classified under the title “Secrets of Defense” within the framework of the criminal investigation in response to the demands of the terrorists. Of the affected French warriors, on February 14, 2014 AD, and the first leaks revealed that the explosions were out of control and affected the entire region of North Africa and sub-Saharan Africa, and it is the first military map from which the seal of secrecy was lifted, and it became clear in the map that the southern Libyan region, Fezzan on In particular, it was under heavy impact, which is the natural desert expanse of the blasting areas. This is a reference - in particular - to the "Inker" explosion that occurred during the blowing of the western winds, and the nuclear cloud crossed the sky of the Fezzan region. The writer concludes that what happened was a nuclear recklessness that got out of control and caused environmental pollution that will continue for long periods to come, and does not stop at the borders of the state of Algeria, but rather goes beyond it to neighboring countries. , including Libya, and the fact that one grain of sand retains radiation for an estimated period of 24 thousand years. There is a need to clear the area of the residues remaining on the surface, and to uncover the places where the nuclear wastes are buried, as the danger is mobile and not fixed, due to the movement of winds. About the book, Dr. Daou Mesbah, a member of the Arab Atomic Energy Authority, wrote: "The Desert Cry." The file documented the French nuclear tests in the African Sahara, which affected most of the Sahel and Sahara African countries. He also referred to a chapter on France's occupation of the Fezzan region. I had been recommended to teach the book in middle school. As Dr. Mustafa Al-Barnami, a Nigerian academic researcher who is now working on translating the book into English, writes: “It is one of the most beautiful books in its field, and whoever writes after it remains dependent on it!” What is suspicious is that the writer himself is now suffering from a cancerous tumor. He says: “Yesterday, my father lost his sight, and this cost me great hardships. Today, the same reason prevented me from moving, so how many evils await future generations?” And the establishment of a high center for studies related to radiation. And its impact on life in desert areas. It is worth noting that today’s statistics indicate that 29,000 citizens have cancerous tumors in Libya, and that the Prime Minister of the National Unity Government announced a few days ago, on November 22, 2022, the establishment of a specialized medical device. in the follow-up of oncology patients, and he said in his speech on this occasion: “I was saddened by the volume of statistics of oncology patients that specialists have informed me recently, and that starting next February will be the date for the start of compulsory cancer. screening campaign. The writer has a page on the Internet that carried many of his groans resulting from the fight against the tumor, and he is also a political prisoner in the time of Gaddafi, and this is another story devoted to his book "Four Decades Inside the Dungeon". For him, he published on his “Abid Space” page and the Amazon website .. as well as his book “Scream Sahara”, which carried an introductory dedication to His Excellency the French Ambassador to Libya. a . Samira Al-Saeedi Human rights activist from southern Libya "Fezzan" currently residing in the United Kingdom